الاتحاد الأوروبي يصطف وراء مرشح الوسط

النتائج أكدت حجم استياء المواطنين من مؤسسات بروكسل

الاتحاد الأوروبي يصطف وراء مرشح الوسط
TT

الاتحاد الأوروبي يصطف وراء مرشح الوسط

الاتحاد الأوروبي يصطف وراء مرشح الوسط

تنفست بروكسل الصعداء، أمس، بعد تأهل الوسطي المؤيد لأوروبا، إيمانويل ماكرون، للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، رغم أن الاقتراع أظهر مرة جديدة تحدياً قوياً حيال الاتحاد الأوروبي.
وتأهلت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، الأحد، إلى الدورة الثانية مع 7.6 مليون صوت (21.53 في المائة)، وراء ماكرون (23.75 في المائة).
وقالت كاثرين فيشي، الخبيرة في شؤون الحركات الشعبوية في أوروبا، ومديرة مركز أبحاث «كاونتربوينت»، ومقره لندن، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه مع النسبة المرتفعة التي نالها مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون (19.64 في المائة)، فإن حجم التحدي للاتحاد الأوروبي يفوق اليوم أكثر من 40 في المائة.
وتعكس مسارعة القادة الأوروبيين، مساء الأحد، إلى إرسال تهانيهم لماكرون، قلقهم إزاء صعود الحركات الشعبوية التي سادت بعد الـ«بريكست» وانتخاب دونالد ترمب في الولايات المتحدة.
وخرج رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، عن التحفظ المعتاد في حالات مماثلة، متمنياً، مساء الأحد، للمرشح الوسطي «حظاً سعيداً في المستقبل». وأوضح، أمس، المتحدث باسم المفوضية، مرغاريتيس شيناس، في بروكسل، أن لوبان هدفها «تدمير أوروبا».
من جهته، أكد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، بيار موسكوفيسي، الفرنسي الاشتراكي، أن «بروكسل شعرت بالقلق، لكنها تنفست الصعداء»، ولكن «لا يجب ادعاء الفوز لأن الجولة الثانية لم تنته»، ودعا إلى التصويت لصالح ماكرون، قائلاً: «يجب علينا محاربة كل خدع الجبهة الوطنية، مثل الـ(فريكست) - خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي على غرار بريكست، والخروج من منطقة اليورو»، مشدداً على أنه كان «مخيفاً جداً أن يقترع 7.6 مليون فرنسي ضد الاتحاد الأوروبي».
بدوره، قال رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني: «يجب علينا ألا نقلل من أهمية التصويت للوبان، لأنه دليل على الاستياء الواضح ليس فقط في فرنسا، وإنما في كثير من البلدان الأوروبية» الأخرى.
وفي النمسا، احتفل حزب الحرية اليميني المتطرف بـ«نجاح آخر» لـ«الربيع الوطني في أوروبا». وقال رئيسه، هاينز كريستيان شتراخه، إن «الأحزاب القديمة للمؤسسة الحاكمة وممثليهم فقدوا مصداقيتهم، وسيختفون تدريجياً حتى يصبحوا دون مغزى في أوروبا».
وبعد فوز أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) 2016، ومعركة الرئاسة النمساوية التي كسبها في نهاية المطاف مرشح أحزاب البيئة، بمواجهة مرشح حزب الحرية في ديسمبر (كانون الأول)، كان المناهضون لأوروبا يأملون في تحقيق فوز بعد آخر في عام 2017 الذي تميز بالانتخابات في هولندا وفرنسا وألمانيا.
ولكن على غرار ما حدث مع لوبان، الأحد، حل زعيم اليمين المتطرف غيرت فيلدرز وحزبه من أجل الحرية في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية الهولندية، منتصف مارس.
وأضافت فيشي أن غيلدرز «جمع نصف مليون صوت أكثر (من عام 2012)، مع أن معدلات البطالة متدنية»، وتابعت: «حتى عندما يكون هناك انتعاش اقتصادي في أوروبا، كما هو الحال في الوقت الراهن، يبدو أن ذلك لا يؤثر في خيبة أمل وتعبئة الناخبين الشعبويين»، ودعت إلى «سياسة تقترب أكثر من الناس عبر معالجة مشكلاتهم اليومية، مثل مسألة الخدمات العامة، أو كيفية جعلهم يشعرون بأهميتهم اجتماعياً، وإلا فإن هؤلاء الناخبين سيشعرون بأنهم بعيدون (عن مؤسسات الدولة) على نحو متزايد».
لكن آخرين يرون نقطة تحول في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي تتوقع استطلاعات للرأي أن يفوز فيها ماكرون بأكثر من 60 في المائة من الأصوات في الجولة الثانية، في 7 مايو (أيار).
من جهته، يقول ستيفان كريوزكامب، المحلل لدى دويتشه بنك، إنه «بعد الانتخابات في هولندا والنمسا، بينما حزب البديل لألمانيا (شعبوي) يتراجع في استطلاعات الرأي، فإن الجولة الأولى في فرنسا تعتبر مؤشراً على أن الشعبويين خسروا كثيراً من مواقعهم عام 2017».
فيما رأى هولغر شميدينغ، المحلل لدى «برنبرغ»، أن أسوأ موجة من الغضب الشعبوي يمكن أن تنتهي قريباً في أوروبا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟