«الفخ الداعشي» لفرنسا

هجوم الشانزليزيه {صوت} للتنظيم ضد التنوير والديمقراطية

مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)
مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

«الفخ الداعشي» لفرنسا

مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)
مقاتلتان أجنبيتان من «داعش» («الشرق الأوسط»)

هل باتت فرنسا هدفاً للإرهاب الداعشي؟ الاستفهام يحمل الجواب «نعم، إنها أضحت كذلك بشكل واضح للجميع، ولا سيما في العامين الماضيين»، أما التساؤل فربما يكون هو الحقيق بالبحث عن الأسباب وراءه؛ لخطورة المشهد في الحال وأهواله إن جرت الأمور في تصاعد على صعيد الاستقبال؛ ما يعني إمكانية اتساع رقعة المساحة الجغرافية المعرضة للاعتداءات الإرهابية داخل الأراضي الفرنسية. والشاهد، أنه منذ عام 2015 تعرضت فرنسا إلى ثمانية حوادث إرهابية كبيرة راح ضحيتها نحو 238 شخصاً عدا عن الجرحى الجسديين وآلاف المشوهين نفسياً، وبالطبع هناك ضِعف هذا العدد أو يزيد من العمليات التي تم إحباطها، بعضها أعلن عنه بشكل رسمي، والبعض الآخر لم يعلن عنه حتى لا يسود الذعر في الأوساط الشعبية الفرنسية».
على أن العملية الإرهابية الأخرى أسفل قوس النصر وعلى رأس «جادة الشانزليزيه» تكتسي أهمية ودلالات رمزية ولوجيستية كثيرة، يمكن للمرء قراءتها عبر تحليل صورة الحدث من حيث المكان والزمان والرسالة للفرنسيين وغيرهم من ورائها.
أما المكان، فهو يحمل معاني الانتصار والمجد لفرنسا؛ فقوس النصر الذي عمل «نابليون بونابرت» على بنائه في بداية القرن التاسع عشر، كان الهدف منه تخليد انتصارات الجيوش الإمبراطورية، وتحمل جدرانه الداخلية نحو 660 اسما من أسماء قادته العسكريين، و96 من أسماء انتصاراته.
هنا... هل يحمل الهجوم رسالة مفادها أن الانكسارات من وراء الإرهاب قادمة لفرنسا وللفرنسيين؟
ثم خذ إليك الآلية التي جرى بها الحادث؛ إذ تحمل نسقاً غير تقليدي، يدلل على رغبة مؤكدة في الانتقام، وإقدام قاطع على الجريمة، حتى وإن كلفت صاحبها حياته، وهو ما جرت به المقادير بالفعل، وما يشير بأن فرنسا ربما تكون على بعد خطوات من مواجهة الانتحاريين أصحاب «الأحزمة الناسفة»، أو مستقلي «المركبات المفخخة»، إن وجدوا إليها سبيلاً.
بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية الفرنسية، بيار هنري براندي، فإنه عند التاسعة مساءً، وصلت سيارة قرب حافلة للشرطة وخرج رجل من السيارة وفتح النار على الأرجح من سلاح آلي على حافلة الشرطة ليقتل أحدهم، ثم يحاول الذهاب راكضاً لاستهداف آخرين، وليتمكن تالياً من إصابة اثنين، قبل أن يلقى حتفه... أي تخطيط جنوني تواجهه فرنسا في مثل تلك الحوادث متعمدة إرهابياً وجنائياً؟
ثم يأتي الظرف الزماني؛ فالحادث يقع قبل نحو ثلاثة أيام بالضبط من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي تعلو فيها الأصوات اليمينية الشعبوية، وتتزايد بها التيارات اليمينية، وكذا القومية، وجميعها تحمل معالم وملامح، ومواقف واضحة من الإسلام والمسلمين، ومن المهاجرين واللاجئين، كلها سلبية بشكل سوداوي، وكأن الجاني هنا يدفع الجميع في طريق الصدام، ويقود الناخب الفرنسي إلى أن يختار من بين المرشحين من هو كفيل بإنهاء سيرة الديمقراطية ومسيرتها في الجمهورية الفرنسية الخامسة.
من هنا، يتأكد لنا بعملية حسابية خوارزمية بسيطة غير معقدة أن حادثة الشانزليزيه لن تكون الأخيرة، وعليه يبقى السؤال الجوهري لماذا باتت أرض التنوير هدفاً لسهام «داعش» على هذا النحو الذي نراه؟
بالرجوع إلى الماضي القريب، وتحديداً في 2014، نجد أن الناطق الرسمي باسم «داعش» المدعو «أبو محمد العدناني» كان قد وجّه أتباع التنظيم ومناصريه إلى قتل الغربيين، وأضاف في توجيهه تخصيصا يفيدنا في قراءة المشهد الفرنسي على نحو خاص حين قال «خصوصاً الفرنسيين الحاقدين»... لماذا؟
هناك في واقع الحال جانبان للجواب، الأول يتصل بأحوال المسلمين والمهاجرين، وبالبيئة الاجتماعية والحياتية في الداخل الفرنسي، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، وهناك ما هو خارجي ويزعج «داعش» بنوع خاص من فرنسا، في سوريا والعراق وشمال أفريقيا، عسكرياً وسياسيا، ومالياً، ولتكن الإجابة من الخارج، ثم العودة لاحقاً إلى الداخل الذي يحمل موروثات قديمة، تتجدد جراحاتها عند الأجيال الجديدة.
أدركت فرنسا من خلال حقائق الأرقام أن الدواعش من الفرنسيين، سواء أحفاد الغال الأصليين أو أبناء المهاجرين والمجنسين، قد أضحوا خطراً حقيقياً على الأمن القومي للبلاد؛ فهناك أكثر من ألفي شخص عرفوا طريقهم إلى جماعات الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بالفعل، وهناك نصف هذا العدد تشير التحريات إلى محاولاتهم الالتحاق بـ«داعش» الذي بات صرعة فكرية وعقائدية.
إضافة إلى ما تقدم، فإن أكثر من ثلاثة آلاف عنصر من الفرنسيين المرتبطين بتنظيمات إرهابية واقعين تحت مراقبة أمنية واستخباراتية فرنسية، في حين الكارثة الحقيقية تتمثل في عودة ثلاثمائة فرنسي من ميادين قتال «داعش» إلى الداخل الفرنسي، هؤلاء هم العائدون من أكاديمية تنظيم داعش للقتل والكراهية سفك الدماء، والمستعدون للموت بكل صوره... هل كان لفرنسا أن تستكين في تلك المواجهة الشرسة؟
من الواضح جداً أن الإصرار الداعشي على إحداث أكبر الضرر بفرنسا والفرنسيين، مرده إلى الدور الفاعل والحاسم الذي تلعبه في مواجهة «داعش»، والمتميز عن باقي الأدوار الأوروبية بشكل عام.
بحسب البيانات الرسمية الفرنسية، فإن الفرنسيين يقومون على قيادة عملية شمال العراق في إطار التحالف الدولي منذ أيلول سبتمبر (أيلول) 2014. وفي سوريا منذ 18 سبتمبر 2015، كما أن فرنسا تجري عمليات جوية وتقدم المشورة والتدريب لقوات الأمن العراقية، ولا سيما القوات الكردية، عطفاً على قيام فرنسا أيضاً بدعم المجموعات المعتدلة التي تحارب تنظيم داعش في سوريا.
والثابت أن تنظيم داعش قد تعرض لخسائر جسيمة في الأرواح والمعدات من قبل العمليات الجوية الفرنسية التي جرت فوق الأراضي العراقية والسورية، ولا سيما بعد الهجمات التي ارتكبتها «داعش» في باريس وسان - دوني في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وهناك عدد كبير من الطائرات وقطع البحرية الفرنسية التي تذيق تنظيم الدولة هواناً عسكرياً، زاد من الحقد تجاه الأراضي الفرنسية. وعطفاً على ذلك، فإن الفرنسيين تسببوا للدواعش في خسائر مالية غير مسبوقة أيضاً أثرت كثيراً على تماسكهم وقدرتهم على الصمود، وشراء مجاهدين جدد عبر التلويح بذهب المعز بنوع خاص.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الضربات التي شاركت بها فرنسا ضمن قوات التحالف الدولي قد دمرت الكثير من البنى التحتية النفطية الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش، مثل الآبار والمصافي وقوافل شاحنات الوقود وغيرها، مما قلص المداخيل التي يجنيها التنظيم من بيع النفط تقليصاً ملحوظاً، كما أن فرنسا اتخذت في الداخل تدابير صارمة كل الصرامة في طريق تجميد الأصول الإرهابية، للمرتبطين بتلك الحوادث تنفيذاً أو تخطيطاً أو تسهيلاً.
على أن المشهد الخارجي لا يفسر لنا وحده أسباب تنامي الأصوليات وصعود الراديكاليات في الداخل الفرنسي؛ فهناك من الأسباب التاريخية والمعاصرة، ما يجعل معامل تفريخ الأصوليين الفرنسيين نشطة، وزاد القلق الفرنسي نهاراً، وتراكم الأرق ليلاً منذ عام 2014 حينما أشار مقاتل «داعش» الفرنسي «إبراهيم الخياري» في تسجيل له إلى أن... «فرنسا في حالة حرب مع تنظيم داعش»، أما الطامة الكبرى التي روعت الفرنسيين ولا تزال فقد تمثلت في ظهور فرنسي الأصل للمرة الأولى مكشوف الوجه يدعى «مكسيم أوشارد»، وهو يذبح أحد الرهائن، وقد كان المشهد بمثابة رسالة تطلع «داعش» لأن يفهمها الفرنسيون، ومفادها أن الاختراق قد حدث لفرنسا من الداخل، لا من الخارج فقط.
تقتضي اللحظة الراهنة قراءة عميقة للمشهد الداخلي الفرنسي لمعرفة أسباب القصور التي أدت إلى تنامي تلك الحركات في الداخل، وهي ليست قراءة تبريرية بالمرة، فلا أحد يمكنه أن يجيز أو يبرر أو يبارك سفك الدماء، فللدماء حرمتها، وللآمنين حقهم في عدم الترويع.
أحد الذين قرأوا المشهد الفرنسي بعين ثاقبة هو «غونتر ماير» مدير مركز بحوث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية، وعنده أن هناك تراكما للأسباب أدى إلى ما نراه، منها اعتبار الإسلام ديناً غريباً في الأوساط الثقافية الفرنسية؛ الأمر الذي يدفع الشباب المسلم هناك إلى نوع من «الجيتو الفكري»، وإلى التهميش أحياناً، ناهيك عن الانعزالية والإحساس بالاضطهاد أحياناً أخرى.
ثم أن فترة الارتباك الذهني والعقائدي، بل والآيديولوجي التي تعيشها فرنسا في زمن العولمة، أفرزت تيارات يمينية وسياسية، تحمّل المهاجرين واللاجئين من المسلمين أوزار تردي الأوضاع في البلاد على أكثر من صعيد؛ مما يولد حقداً وكراهية مقابلين عند بعض الشباب المسلم الفرنسي، الذي يصل به الكبت إلى الإسقاط المتمثل في الانتماء إلى «داعش»، ولاحقاً توجيه نيران الأسلحة الآلية إلى صدور الفرنسيين.
على أن السؤال الحقيقي بالتوقف أمامه... هل فشلت الدولة الفرنسية في تسهيل عملية اندماج هؤلاء وأولئك ضمن صفوف المواطنة كما كان يتوجب الأمر بالفعل؟
هذا ما يؤكده الكاتب الألماني «شتيفان بوخن»، وعنده أن فرنسا أخفقت في تقديم أدوية ناجعة وعلاجات شافية وافية لكثير من أخطائها، ولا سيما إرثها الاستعماري في شمال أفريقيا ودول المغرب العربي؛ ولهذا تبقى حزازات الصدور كائنة وكامنة، بل قائمة وقادمة، إلى حين تبدو الفرصة مواتية للانتقام للتاريخ، إن جاز التعبير. والمقطوع به، أن الأسباب أوسع من المسطح المتاح للكتابة وتبدو هناك جذور فكرية عقدية من نوعية المطلقات التي لا تقبل فلسفة المواءمة، كما في القضايا السياسية، ومن دون مراجعات جذرية لتلك القضايا سيبقى الخلاف محتدماً والمواجهات قائمة.
ويستلفت النظر في حادثة الشانزليزيه الحديث عن جنسية فاعلة، ففي حين قالت الداخلية الفرنسية إنه «بلجيكي»، أنكرت بلجيكا الأمر، على أنه ليست هذه هي الإشكالية، بل الكارثة وليست الحادثة في أن فرنسا، وعموم أوروبا أمام أجيال جديدة من المتطرفين غير المعروفين، وغير المنتظمين في عقد تراتبي هيراركي؛ إذ يكفي أن تؤمن بفكر الدولة الإسلامية، وأن تجد سلاحاً قريباً منك، لتتمكن من أحداث خسائر هائلة بشرية ومالية، فعلى سبيل المثال يقصد فرنسا نحو خمسين مليون سائح كل صيف، ويعد قوس النصر بالنسبة لهم مقصداً أولياً، والخوف يولد في حركة السياحة تدهوراً واضحاً كما في تجارب دول أخرى.
على أن السؤال الجوهري قبل الانصراف... «هل ستقع فرنسا من جديد في فخ الإرهاب والأصوليات التي تدفعها دفعاً في طريق التنكر لمبادئها الرئيسة من (حرية ومساواة وإخاء)؟».
التجربة قاسية بالفعل، والجمع بين الأمن والحرية معادلة صعبة، ويخشى الجميع لا في فرنسا فحسب، بل في عموم أوروبا من السير في الطريق البرابرة الجدد، كما كان يقول الراحل حديثاً عن عالمنا، الفيلسوف الفرنسي، البلغاري الأصل «تزيفتان تودروف» يجعلنا كالبرابرة أنفسهم، ويحقق الغرض الأصلي الذي يسعون إليه، أي جر العالم إلى دائرة الظلاميات ونهاية عصور التنوير.
وقت ظهور هذه الكلمات للنور سيكون الفرنسيون قد قالوا كلمتهم واختاروا رئيسهم الجديد، فهل تأتي هذه الحادثة الإرهابية الأخيرة لتغير الأوضاع وتعدل الطباع لصالح اليمين القومي المتطرف أم سينتصر الفرنسيون لدولة التنوير؟



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.