الاحتجاجات في فنزويلا تجتاح معقل الحزب الحاكم وسط عمليات نهب

السلطات اعتقلت 1300 متظاهر مع سقوط المزيد من القتلى

متظاهرون مناهضون للحكومة يسيرون على طريق سريع في العاصمة كراكاس (أ.ف.ب)
متظاهرون مناهضون للحكومة يسيرون على طريق سريع في العاصمة كراكاس (أ.ف.ب)
TT

الاحتجاجات في فنزويلا تجتاح معقل الحزب الحاكم وسط عمليات نهب

متظاهرون مناهضون للحكومة يسيرون على طريق سريع في العاصمة كراكاس (أ.ف.ب)
متظاهرون مناهضون للحكومة يسيرون على طريق سريع في العاصمة كراكاس (أ.ف.ب)

تهدد المظاهرات الشعبية الواسعة التي تشهدها فنزويلا والمستمرة حتى اليوم (السبت) احتجاجا على التدهور الاقتصادي وسلطوية الدولة، مستقبل الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو.
وعمدت قوات الأمن إلى الرد بقوة على موجة المظاهرات التي اجتاحت معظم مدن البلاد، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وتصاعد الغضب الشعبي.
وأسفرت الاضطرابات جنوب غربي العاصمة كراكاس، عن مصرع 11 شخصا، فيما قالت النيابة العامة إن بعضهم قضى «بسبب صعقهم بالتيار الكهربائي، والبعض الآخر بالرصاص».
وهذه الاحتجاجات ليست جديدة على فنزويلا، حيث شهدت البلاد، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اضطرابات واسعة النطاق، عقب قرار الرئيس الفنزويلي المفاجئ بإلغاء العملة من فئة 100 بوليفار.
وتنذر الاحتجاجات الحالية بمشكلات جمة لحكومة البلاد، لا سيما أنها تحدث في أربعة أحياء، كانت تعد معقلاً للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه مادورو.
وقد تفضي إلى إحباط جهود الحزب الحاكم (الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي)، لإحكام قبضته على السلطة وتحويل فنزويلا إلى دولة الحزب الواحد.
وفي حال أرهقت الأزمة الاقتصادية الفنزويليين، خصوصاً في ظل عدم وجود حلول ناجحة لإغاثة اقتصاد البلاد، فمن المرجح أن تستمر الاحتجاجات خلال الأشهر المقبل، وهو ما قد يضع حكومة مادورو في مأزق ويؤدي إلى انقسامات داخل الحكومة والقوات المسلحة.
وقد يواجه مادورو ضغوطا من داخل حزبه لتحديد موعد عاجل لإجراء الانتخابات أو حتى لمطالبته بالاستقالة لتهدئة الغضب الشعبي.
من جهة أخرى، اعتقلت الشرطة الفنزويلية نحو 1300 شخص منذ بدء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الرابع من أبريل (نيسان) الحالي، حسبما قالت إحدى جمعيات المحامين يوم الجمعة، وسط موجة من أعمال العنف والنهب تجتاح البلاد.
وقال ألفريدو روميرو، مدير منتدى العقوبات الفنزويلي لقناة «إن تي إن 24» إنه تم اعتقال أكثر من 750 شخصا منذ يوم الأربعاء فقط.
وشهد حي «إيل فال» بالعاصمة مصادمات شديدة مع قوات الأمن وأشعل المتظاهرون النار في أماكن كثيرة وظهرت المدينة في صورة من الخراب والدمار.
وقالت سلطات الادعاء العام إن معظم الضحايا سقطوا بسبب صعق الكهرباء عندما حاولوا سرقة مبرد من أحد المخابز، بينما مات آخرون بطلقات الرصاص.
واضطرت إدارة أحد المستشفيات إلى إجلاء المرضى نظرا لاستخدام قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة بالقرب منها.
وتواجه فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطي من النفط في العالم، أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء وسط معدلات تضخم مرتفعة للغاية.
ويطالب المتظاهرون بإجراء انتخابات جديدة وعزل الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو الذين يتهمونه بالديكتاتورية.
كان مادورو أعلن أنه سيسلح 500 ألف شخص كميليشيا للرد على الاحتجاجات بالقوة والدفاع عن الثورة الاشتراكية.
ووضعت القوات المسلحة على أهبة الاستعداد تحسبا لأي تطورات.
ودعت المعارضة الجيش إلى قطع صلته بمادورو، وقال الزعيم المعارض فريدي جيفارا، موجهاً كلامه إلى وزير الدفاع فلاديمير بادرينو: «لا تغرق مع تيتانيك مادورو».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟