بتكوينها الرائع، بصاعداتها وهابطاتها الفريدة والتي يقدر عمرها بما بين 30 و45 مليون سنة، وبروعة تماثيلها المتميزة والفريدة، تبهرك. وتسحرك مغارة «مبعاج» الهانئة في خراج بلدة علمات – عنايا، في قضاء جبيل، بتشكيلاتها الفريدة التي نحتتها الطبيعة خلال ما يقدر بنحو 40 مليون سنة.
المغارة تلفت زائرها بلوحاتها الصخرية من صنع مياه، تتساقط من حجارتها مكونة هندسة رائعة. وقد بقيت هذه المغارة القديمة الحديثة الاكتشاف لغز أبناء المنطقة الذين كانوا يدخلونها بمصابيح صغيرة ولمسافات ليست ببعيدة، إلى أن استصلحها واستثمرها ابن المنطقة العميد المتقاعد نبيل حيدر الذي كان يلعب عند مدخلها في عمر 14 عاما، وبقيت حلما يراوده، فعاد إليها بعد غربة 28 عاما آخذا على عاتقه تأهيل هذا المعلم السياحي النادر.
ويقول حيدر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، التي التقته بين أرجاء المغارة «لطالما أردت جعل المغارة مقصدا ومعلما سياحيا بامتياز يقصده السياح واللبنانيون ويكون محط اهتمام، على غرار مواقع سياحية أخرى في لبنان، فتعاقدت مع الرهبنة اللبنانية المارونية مالكة الأرض لهذه الغاية». ويضيف «قمت بعملية التأهيل على نفقتي الخاصة، حيث استغرقت ثلاث سنوات، لتظهر بعدها مغارة مبعاج على ما هي عليه الآن مجهّزة بالإنارة اللازمة والممرات الآمنة والسهلة حتى للأطفال».
في تاريخ المغارة أنه وفي عام 1938 اكتشفها الفرنسيون، ويقال إن المستغورين الفرنسيين اضطروا إلى استعمال قوارب مطاطية لاجتياز البرك والبحيرات داخلها.
وبعد الكثير من الجهود، وصل طول المغارة المؤهل والمعد للزيارة إلى 220 مترا، عدا الأنفاق، فيما سيجري تأهيل 80 مترا إضافية في المرحلة الثانية، وبذلك تصبح المسافة 300 متر. وفي ذلك يشرح حيدر «مساحة كافية ومهمة للزوار، لأنه لا يمكننا دخول آلاف الأمتار، فهي مغارة طبيعية بكل ما للكلمة من معنى، ممراتها آمنة وسهلة العبور، وهواؤها منعش وصحي».
تبعد المغارة عن بيروت 55 كم، وعن مدينة جبيل 20 كم، وتعلو عن سطح البحر 800 م. وهي معلم سياحي لبناني واعد، وباتت اليوم بجمالها الأخّاذ وروعة طبيعتها من أول اهتمامات زائريها ومحبّي السياحة.
تدخل المغارة، وكم تدهشك عظمة الخالق، فالمياه تتكون باستمرار، وتظهر جلية جدا. أما أكثر ما يلفتك فهو أنها ترشح مياها في بعض زواياها، ويلاحظ وجود عشرات الآلاف من نقاط المياه المعلقة، وهي تبقى كذلك طيلة فترة تسعة أشهر، لتتساقط بعدها في فصل الشتاء مخلفة نوازل تتدلى بمعدل عشرة ملليمترات كل سنة.
أما التضاريس فتشكل مفاجأة للزائر، فلا يعرف كيف ستكون بعد كل متر، فهي متنوعة بأشكالها، وتبعث بريقا نادرا يثير الدهشة والفضول فعلا بوهجها المتناثر الماسي، حتى تخال نفسك أمام ثريا كريستالية تشع جمالا لا مثيل له. وفي المغارة أيضا قاعات وممرات ودهاليز وارتفاعات شاهقة، علما بأن الوصول إليها يتم عبر درج طوله نحو 40 مترا.
والفريد في هذه المغارة أنها تتحوّل في فصل الشتاء إلى نهر متدفق يصب في بلدة الفيدار، المحاذية لمدينة جبيل.
الحرارة داخل المغارة 12 درجة مئوية طيلة أيام السنة، ويلاحظ في وسط المسافة المخصصة وجود بقعة لا تقل مساحتها عن مائة وخمسين مترا، ينبعث في أرجائها بريق نادر تشكله الوحول المتعددة الألوان مع الصخور البركانية السوداء، عبر نوازل لا مثيل لها، فتتمازج الألوان مع بعضها مخلفة لوحات فنية تذهل الزوار.
وانتقالا إلى كلمة «مبعاج» فهي آرامية تعني «الأرض المقدسة» لما كانت تحويه أيام الفينيقيين من كهوف في المنطقة لا يزال البعض منها موجودا حتى اليوم، فيما تعني بالعربية «انبعاج المياه وتدفقها من الداخل».
وهنا لا بد من القول إنها اسم على مسمى، إذ إن المياه تغمرها بكاملها، مما يضطر القيّمين عليها إلى إقفالها لأكثر من ستة أشهر في السنة، وإزالة كل الأضواء فيها، ولعل ذلك من أبرز العراقيل التي يواجهها حيدر في المغارة، موضحا «عندما نعود إلى افتتاح المغارة نعود إلى الصفر في العمل والتأهيل، لكن الجميل في الموضوع هو تجدّدها سنويا، وهو ما يشعر به الزائر دائما».
وردا على سؤالنا حول الدعم الذي يتلقاه القيمون على المغارة يؤكد حيدر «لم يساعدنا أحد حتى الآن على إبراز هذا المعلم السياحي، وما ساعدنا هو موقعنا على طريق القديس شربل الذي فعلا أنقذ منطقة جبيل بكاملها وأعطى الحياة لهذه القرى التي كانت نائية وأصبحت قريبة من الناس».
والمضحك المبكي وفق حيدر أن الإعلام لم يذكر هذه المغارة، وربما بعض المصالح تحول دون تعريف اللبنانيين بهذا الموقع عبر الإعلام، مبديا أسفه لغياب الاهتمام الرسمي بالسياحة على الصعيد المادي، إذ إن كل المشاريع السياحية فردية ويغلب عليها الطابع الشخصي.
وفي ما يتعلق بموضوع الأرباح فهي لا تزال في بداياتها، ويعتبر رسم الدخول زهيدا جدا، وهنا يلفت حيدر «غايتنا أن يرى كل اللبنانيين هذا المعلم السياحي، وهنالك أسعار متدنية جدا للمدارس، كما تجول في خاطرنا أفكار كثيرة بصدد التنفيذ تتعلق بالأيتام وأبناء الشهداء والحالات الاجتماعية الأخرى، منها تلك التي تسمح للمعاقين بزيارة المغارة والتمتع بجمالاتها».
«مغارة مبعاج».. لوحة كريستالية من الطبيعة اللبنانية
معلم سياحي وأثري مغمور
«مغارة مبعاج».. لوحة كريستالية من الطبيعة اللبنانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة