لبنان: زحمة الصيغ الانتخابية ترفع مجدداً أسهم قانون «الستين»

جنبلاط يطرح مشروعاً جديداً اليوم... وبري الأسبوع المقبل

لبنان: زحمة الصيغ الانتخابية ترفع مجدداً أسهم قانون «الستين»
TT

لبنان: زحمة الصيغ الانتخابية ترفع مجدداً أسهم قانون «الستين»

لبنان: زحمة الصيغ الانتخابية ترفع مجدداً أسهم قانون «الستين»

قبل نحو 3 أسابيع على موعد جلسة مجلس النواب التي حددها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتمديد ولاية البرلمان للمرة الثالثة على التوالي، ارتأى كل الفرقاء السياسيين لعب آخر ما في جيوبهم من أوراق، بمسعى للتوصل إلى اتفاق على قانون جديد للانتخاب، رغم أن كل المؤشرات الحالية توحي بارتفاع أسهم القانون الساري المفعول، المعروف بقانون «الستين»، الذي جرت على أساسه انتخابات عام 2009، لتفادي فراغ برلماني سيمهد لمؤتمر تأسيسي يعيد النظر بالنظام اللبناني ككل، وهو ما تتجنبه معظم القوى السياسية في المرحلة الراهنة.
ويُعلن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي»، النائب وليد جنبلاط، اليوم (السبت)، عن صيغة جديدة لقانون انتخابي لم يكشف مسبقاً عن تفاصيله، فيما ينكب الرئيس بري على وضع اللمسات الأخيرة على مشروع آخر، يعتمد النظام النسبي بالكامل، على أن يطرحه بشكل رسمي الأسبوع المقبل. وسيُضاف مشروعا جنبلاط وبري لعشرات المشاريع الأخرى، وأبرزها تلك التي تقدم بها وزير الخارجية جبران باسيل في الآونة الأخيرة، من دون أن يتم الاتفاق على أحدها.
ولا تعول مصادر في «التيار الوطني الحر»، الذي يرأسه باسيل، كثيراً على «زحمة المشاريع الانتخابية»، وإن كانت ترحب بتحمّل كل الفرقاء مسؤولياتهم في مجال التوصل إلى صيغة ترضي الجميع، وهي تنبّه في الوقت عينه من أن تكون هذه المحاولات تهدف حقيقة لـ«خلط الحابل بالنابل»، وصولاً للجلسة المحددة في 15 مايو (أيار) المقبل، لفرض التمديد أو قانون الستين كأمر واقع.
وتضيف المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أصلاً نحن لن ننتظر حتى ذلك الموعد لنتحرك. إذا لم نلمس جدية في التعاطي مع الملف حتى نهاية الأسبوع المقبل، سنبدأ تحركاتنا التي تلحظ أكثر من خطة، وعدداً من السيناريوهات التي تعتمد خطوات قانونية - دستورية، كما شعبية (اللجوء إلى الشارع)، على حد سواء».
ويُعارض رئيس الجمهورية تماماً التمديد للمجلس النيابي، في حال لم يكن جزءاً من قانون جديد تجري على أساسه الانتخابات، كما العودة إلى قانون الستين والفراغ النيابي، وقد جدّد موقفه هذا قبل يومين مطلقاً 3 لاءات في هذا الخصوص. وإن كان عدد من الفرقاء يتفهم الموقف الرئاسي، ويُدرجه بإطار الضغط على القوى السياسية للاتفاق على صيغة ترضي الجميع، يشدد عدد آخر منهم على وجوب أن يلتزم الرئيس عون بتطبيق الدستور، وبالتالي السير بانتخابات وفق قانون الستين، في حال تعذر التوافق على قانون جديد، لتفادي الفراغ البرلماني.
وقد أعرب هؤلاء، وأبرزهم تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» والبطريرك الماروني بشارة الراعي، عن موقفهم هذا، الذي كرره النائب في «الحزب التقدمي الاشتراكي» غازي العريضي، بعد لقائه يوم أمس البطريرك الراعي، معتبراً أنّه «كان شجاعاً في إقدامه على طرح العودة إلى قانون الستين، ليس تمسكاً به، من قبله ولا من قبلنا، لكن لأننا لا نريد أن نذهب إلى فراغ وتمديد ومشكلات إضافية في البلد».
وأشار العريضي إلى أن حزبه سيعلن اليوم عن «صيغة مشروع قانون للانتخابات، نعتقد أنها تؤمن الشراكة، وتحفظ التنوع وصحة التمثيل والعدالة والمساواة بين اللبنانيين»، معرباً عن أمله في أن «يرتقي الجميع إلى مستوى المسؤولية الوطنية، لننقذ البلد، ونخرج من هذه المعمعة والدوامة بمشروع قانون جديد نتوافق عليه جميعاً، لأننا اعتبرنا وكل القوى السياسية أن قانون الانتخابات ليس بنداً على جدول أعمال يصوت عليه، إنما هو مشروع توافقي بين المكونات السياسية في البلد، ولذلك يجب أن نذهب في هذا الاتجاه»، وأضاف: «وإذا لم نتمكن من الوصول إلى هذه الصيغة وهذا الأمل والهدف المرجو والمنشود بين الجميع، فلا يجوز أن نذهب إلى فراغ أو تمديد ومشكلات، فالقانون الحالي هو النافذ».
موقف العريضي هذا لاقاه فيه كل من النائبين بطرس حرب ورياض رحال. فتساءل الأول، بعد لقائه الراعي: «لماذا الانتظار للوقوع في المخاطر؟ إذا لم يتفق على قانون انتخابي في الفترة المتبقية قبل 15، فأنا أدعو إلى أن يعقد المجلس النيابي، ويحصل تمديد تقني لأشهر قليلة جداً، على أن يصار إلى تنفيذ القانون الساري مفعوله، وهو قانون الستين، وتجري الانتخابات على أساسه».
وأضاف حرب: «هذا ما يجب العمل عليه، لأنه من غير الجائز أن يقع البلد في الفراغ، وفي حال من الفوضى التشريعية والتنفيذية»، محذراً من «مخاطر على الوحدة الوطنية نتيجة الخطاب الطائفي والمذهبي المرتفع والمتشنج، الذي يضع الناس في مواجهة مع بعضهم، بدلاً من أن يجمع القانون الناس للعمل من أجل مصلحة لبنان».
من جهته، حثّ النائب في تيار «المستقبل»، رياض رحال، في حديث إذاعي، الحكومة إلى إعلان «حالة طوارئ انتخابية، ومواصلة اجتماعاتها إلى حين الاتفاق على قانون جديد للانتخابات»، مستغرباً توقف عمل مجلس الوزراء، رغم انقضاء عطلة الأعياد. واعتبر رحال أن رئيس الجمهورية «ارتكب مخالفة قانونية بعدم التوقيع على القانون النافذ، أي الستين»، محذراً من «أن البلد على مشارف مأزق، في حال لم تجر الانتخابات وفق القانون النافذ».
بالمقابل، نفى أمين سر تكتل «التغيير والإصلاح»، النائب إبراهيم كنعان، أن يكون قد توقف النقاش حول القانون «التأهيلي» الذي كان قد طرحه الوزير باسيل، مشدداً على أن «البحث مستمر بخصوصه، وكل كلام عن دفنه غير صحيح»، وأضاف: «الهدف ليس القانون (التأهيلي) بحد ذاته، الذي وصلنا إليه بعد رفض أكثر من 20 اقتراحاً، بل قضية تصحيح الخلل الدستوري والميثاقي، وتأمين الشراكة الغائبة ما بعد الطائف».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم