المعارضة التونسية تجدد دعوتها إلى انتخابات برلمانية مبكرة

انتقدت انعدام الثقة بين الأطراف المشاركة في الحكومة وغياب الانسجام بينها

المعارضة التونسية تجدد دعوتها إلى انتخابات برلمانية مبكرة
TT

المعارضة التونسية تجدد دعوتها إلى انتخابات برلمانية مبكرة

المعارضة التونسية تجدد دعوتها إلى انتخابات برلمانية مبكرة

جددت مجموعة من الأحزاب السياسية المعارضة في تونس دعوتها إلى تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، بعد رفع الجلسة البرلمانية أمس بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لعقد الجلسة، نتيجة تغيب عدد كبير من نواب البرلمان.
وانتقد المنجي الرحوي، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية المعارض (يساري)، الأغلبية الحاكمة حاليا، وقال إنها فاقدة للالتزام وعاجزة في الوقت الحاضر على تمرير القوانين بسبب الخلافات السياسية العميقة التي تشقها، داعيا إلى مراجعة العلاقة المرتبكة التي تربط بين حزب النداء (ليبرالي) وحركة النهضة (إسلامي)، ونفى في ذات الوقت وجود مصلحة وطنية من خلال سيطرة هذين الحزبين على القرار السياسي عبر الأغلبية المريحة التي يمثلانها في البرلمان (136 صوتا في حين أن التصويت بالأغلبية يشترط 109 أصوات فحسب).
وأوضح الرحوي أن الحزبين لهما علاقة مصالح، ولكن كلاهما يتحين الفرصة للانقضاض على السلطة، حسبه، وهو ما يترجمه منطق التنافس داخلهما، ووجود شق من حزب النداء في الحكومة (شق حافظ قائد السبسي) والشق الثاني في المعارضة (شق رضا بلحاج)، وعدم الفصل بين الجانب السياسي والدعوي في صفوف قيادات «النهضة».
واعتبر الرحوي أن حالة الاستقطاب السياسي الثنائي التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الماضية، لا يمكن أن تؤدي إلى حكم سياسي سوي على حد تقديره، مبرزا أن الائتلاف الحكومي انتهت صلاحيته، وأنه أضحى من الضروري البحث عن توازن برلماني جديد.
وانتقد أكثر من حزب سياسي اعتماد تونس على النظام البرلماني المعدل، وسيطرة البرلمان على الحياة السياسية، في حين أنه يعاني بدوره من التشتت، وعدم وجود معارضة برلمانية قادرة على إحداث التوازن داخل السلطة التشريعية.
وجعل الفصل 99 من الدستور قرار حل البرلمان قبل انتهاء المدة النيابية بيد رئيس الجمهورية دون سواه، علما بأن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي هو الرئيس الشرفي لحزب النداء، الفائز في الانتخابات البرلمانية التي أجريت سنة 2014. وأن الباجي يشجع دون تحفظ على التوافق مع حركة النهضة، الحزب الأقوى حاليا في المشهد السياسي، وهو ما يجعل من المستحيل عمليا توقع إقدامه على حل مجلس نواب الشعب (البرلمان) ودعوته إلى انتخابات تشريعية مبكرة. وقد اعتبر الرئيس في حوار تلفزي أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة في تونس مجرد أوهام، على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته، أكدت أحزاب سياسية أخرى تنشط في المعارضة، مثل حزب تيار المحبة الذي يقوده الهاشمي الحامدي، وحزب الاتحاد الوطني الحر بزعامة سليم الرياحي، وجود انعدام ثقة بين الأطراف المشاركة في الحكومة وغياب الانسجام بينها، وهو ما تعكسه تسريبات متتالية حول علاقة تلك الأحزاب بحكومة يوسف الشاهد.
وساند محسن مرزوق، رئيس حزب حركة مشروع تونس، الموقع على وثيقة قرطاج دعوة سليم الرياحي لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وقال في تصريح إعلامي إن يوسف الشاهد ليس المسؤول عما يحصل في تونس لأن تركيبة الحكومة المبنية على المحاصصة الحزبية وضغوطات اللوبيات المختلفة تجعله يواجه بمفرده كل الملفات المعقدة، دون أن يجد حزبا يسنده، ولذلك ليس بالإمكان أكثر مما كان، على حد تعبيره.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟