الصداقة... وغياب التنظير الأخلاقي حولها لمدة 16 قرناً

تم تهميشها في القرون الوسطى وفي الزمن المعاصر

الصداقة... وغياب التنظير الأخلاقي حولها لمدة 16 قرناً
TT

الصداقة... وغياب التنظير الأخلاقي حولها لمدة 16 قرناً

الصداقة... وغياب التنظير الأخلاقي حولها لمدة 16 قرناً

صدر في بداية هذه السنة مؤلف طريف للفيلسوف ميشال حنا متياس بعنوان: «الصداقة... قيمة أخلاقية مركزية» عن سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية، ونشير بداية إلى أن المؤلف هو أستاذ فلسفة متقاعد درس في كلية ميلسابس (ميسيسيبي) من 1967 إلى 1999 ثم التحق بجامعة الكويت إلى حدود سنة 2004، وهو مهتم بالأساس بفلسفة الفن والجمال والأخلاق. وأما الأصل في كتابه الذي نتناوله بالتعريف هنا فقد كان باللغة الإنجليزية، وصدر عام 2012، وترجمه صاحبه نفسه إلى اللغة العربية. وبصراحة نقول إنه مكتوب بحس جمالي مرهف وبتبسيط «بيداغوجي» هائل يرحم المتلقي، بل يشعره بالمتعة والتشويق. فقارئ الكتاب سيكتشف أن متياس لا يتحرك في مؤلفه إلا ويبين إطاراته النظرية ومنطلقاته البحثية، كما أنه شديد في ضبط مفاهيمه التي يعتمدها ولا يكتفي بالتعريف فقط، بل يلجأ إلى التكرار المحمود، ويشبع القارئ بالحجج البلاغية، فنجد كتابه مملوءاً بالكثير من الأمثلة والتشبيهات... وهو ما ينم عن رغبة أكيدة في الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور وبأقل تكلفة، مما يثبت أن الرجل قد مارس الأستاذية لمدة طويلة جعلته يستضمر طرق تبليغ المعلومة بطرق وصيغ مختلفة.
إنك حين تقرأ عنوان الكتاب لأول وهلة تعتقد أنه سيتحدث عن أهم الأطروحات التي قيلت حول الصداقة، لكن الأمر عند الكاتب أكبر من ذلك، فهو سيعالج إشكالية بعينها، فالرجل يعلن منذ بداية مؤلفه عن استغرابه: كيف أن مفهوم «الصداقة» حضر بقوة في التنظير الأخلاقي عند اليونان في العصر «الهيليني» و«الهيلينستي» معاً ليغيب هذا التنظير بشكل غير مبرر منذ القرن الرابع بعد الميلاد إلى عصرنا هذا. بمعنى آخر يريد أن يقول لنا إن البشرية قد قطعت مدة 14 قرناً، أي منذ العصور الوسطى إلى اللحظة المعاصرة مرورا بالحقبة الحديثة، وهي تهمل النشاط التنظيري حول الصداقة، وكأن هذا المفهوم من دون قيمة، ولا يحتل القيمة المركزية الكبرى في التصور الأخلاقي.
إذن الكتاب كله محاولة هائلة للإجابة عن هذا السؤال المتعلق بتوقف التنظير للصداقة في المرحلة الرواقية أي الحقبة «الهيلينستية»، رغم أن الصداقة كما يلح متياس هي شرط أساسي في كل نظرية أخلاقية وقيمة عليا لحياة الإنسان، بل هي حاجة أنطولوجية (وجودية)، فتغييبها هو تغييب لنموذج من نماذج الحياة الصالحة. ولكي نعرف القارئ بهذا الكتاب سنقف عند بعض محطاته:
إن مؤلف الكتاب وإن كان يضع نصب عينيه قضية الصداقة بالدرجة الأولى متسائلاً عن غيابها عن التنظير الأخلاقي لمدة 16 قرناً... فهو جعل من هذه المشكلة فرصة للقيام بسفر تاريخي ممتع، يجعل القارئ يتوقف عند المنعطفات الثقافية التي طرأت على الفكر البشري فيما سماه بالتحولات في النماذج الثقافية، فمثلاً يقف عند التحول الهائل من الثقافة الهيلينية اليونانية إلى الثقافة الهيلينستية ثم بعد ذلك يتحدث عن التحول في القرون الوسطى والزمن الحديث والمعاصر أيضا، مركزا على أن هذا التحول يكون جراء تلف مؤسسة معينة (دينية، سياسية، علمية...)، الذي يلحق به تباعاً تلف بقية المؤسسات، وطبعاً يعد الغرض الأساسي عند المؤلف من الوقوف التفصيلي عند هذه المحطات التي يتحول فيها نموذج التفكير والرؤية للعالم، هو إبراز أن ذلك يلحق بالأخلاق تغييراً أيضاً فيصبح الخير الأسمى المبحوث عنه مختلفاً.

وقف متياس عند «الهيلينية» وهي المرحلة اليونانية الأولى التي كان ينظر فيها إلى العالم على أنه «كوسموس» أي كل منظم، فهو ليس مصادفة، بل يسير وفق غاية محكمة وكل شيء موجود في مكانه ليؤدي وظيفته على أكمل وجه، فإذا ما سألنا الفيلسوف أفلاطون ما غاية البشر في هذا العالم؟ فإن جوابه سيكون هو: تحقيق أنفسهم مثل الكائنات الإنسانية، أي يعيشون وفقاً لما يميزهم أي العقل (ذهن، نفس، وعي) باعتباره جوهر الكائن الإنساني. كما أن النموذج الأمثل الذي ساد مجال السياسة هو ظهور ما يسمى الدولة - المدينة التي كانت ترسم حدود تفكير وشعور وفعل الفرد اليوناني، فمصيره كان مطموراً داخل الجماعة.

المحطة الهيلينستية

انتقل متياس إلى المحطة الثانية وهي «الهيلينستية»، التي بدأت بعد حملة الإسكندر المقدوني، والذي قام بغزو الشرق وكان كما نعلم يحمل معه المختصين بالرياضيات والمعماريين والفلاسفة والخبراء... وهؤلاء في الحقيقة كانوا سفراء ثقافة، مما جعل الإسكندر يخلق نظاما عالميا جديدا آنذاك، تشكل من تفاعل وامتزاج الثقافة اليونانية بالثقافة الشرقية، وهو ما يعرف اختصاراً بالثقافة الهيلينستية. إن الإسكندر ساهم في تمزيق الدولة - المدينة (Polis) كوحدة سياسية وثقافية كانت تلم شمل اليونانيين وتعطيهم رؤية للعالم على مقاسهم نحو الدولة العالمية (Cosmopolis) التي غيرت رغبات وآمال ومعتقدات المجتمع آنذاك، بل حتى هوية الآلهة اليونانية طرأ عليها تغير جراء التلاقح مع بيئة مختلفة، باختصار كان لانهيار النموذج السياسي اليوناني تبعات على النموذج الأخلاقي للفرد الهيلينستي. إن الشخص اليوناني «الهيليني» كان يعيش في جو متلاحم ويحتمي بعالم متماسك سياسياً وثقافيا ويستمد منه هويته وطمأنينته، لكن وبسرعة وجراء الدخول في عالم مفتوح سياسيا وثقافيا، دخل الفرد الهيلينستي في عزلة نفسيا وروحيا، فهذا العالم بالنسبة له أصبح شاسعاً ومتعدداً ولم يعد متلاحماً بل أصبح متشظياً، لقد فقد الأمان من العالم الخارجي، لهذا سيبحث عن الضمانات الباطنية مما جعله يعول على نفسه وينطلق في التفكير والشعور والفعل بالمفرد، وهو ما يفسر أن الفلسفة الهيلينستية ابتعدت عن التأمل الممنهج أو الميتافيزيقي الذي يدور حول طبيعة العالم لتنشغل بقضايا أخلاقية تبحث بالأساس عن السبل التي تجعل الفرد يحيا بسعادة ودونما خوف من المصير المجهول، وهنا نستحضر المدرسة الأبيقورية والرواقية.
إن المرحلتين الهيلينية والهيلينستية عرفتا اهتماماً بالصداقة بشكل مرموق ووصفها عنصراً جوهرياً في النظرية الأخلاقية، بل أحيانا تكون شرطاً للحياة الصالحة. يقول أبيقور: «بين جميع الأشياء التي تستثمرها الحكمة لإنجاز نعمة الحياة الكاملة، امتلاك الصداقة أفضلها». ويقول قبله ديموقريطس: «حياة الفرد ليست جديرة بأن تعاش من دون صديق واحد على الأقل».
كما يقول شيشرون: «أرجوك الرجاء الحار أن تفضل الصداقة على كل ما يمتلكه البشر، إذ لا يوجد شيء أكثر تناسباً لطبيعتنا وأكثر ملاءمة في أيام الضيق والازدهار». كما أن أرسطو سيبحث قضية الصداقة ويخصص لها حيزاً من فلسفته، ويحدد لها 3 أنواع بحسب الدافع إليها وهي: «صداقة المنفعة واللذة والفضيلة»، وهذه الأخيرة عنده هي الصداقة الحقيقية الجالبة للخير، لأنها مبنية على تمني الخير للصديق وتبادله معه ليس لميزة عارضة له، بل لذاته فقط، أو لنقل إن الصداقة هي ميل فاضل ومحبة ممزوجة بالعطاء، إنها مشاركة للآخر دون منافع، هذه الصداقة تظل عند أرسطو هدفاً مثالياً ننشده لأن صديق الفضيلة نادر.
سيلاحظ متياس أن هذا الاهتمام بالتنظير الأخلاقي للصداقة ووضعها في مركز الاهتمام، سيغيب في القرون الوسطى والزمن الحديث والمعاصر، ولكن لا يعني أن الفلاسفة لم يتكلموا عن الصداقة أو جعلها شيئاً تافهاً، بل هم لم يضعوها شرطاً للحياة الصالحة، فكيف ذلك؟
المحطة القروسطية
والحديثة والمعاصرة
إن غياب التنظير للصداقة بشكل مفاجئ في العصور الوسطى جعل متياس يتساءل عن السر؟ ليعلن أن الجواب يكمن في التحول الثقافي الذي حصل جراء الخروج من الهيلينستية إلى القروسطية فما ملامح هذا التغير؟
ذلك عائد إلى أن رؤية العالم في القرون الوسطى كانت قائمة على جعل الله محور كل شيء، فهو الموضوع الأسمى، إنه خير الخيرات ولا سعادة دون السعي إليه.
بعد ذلك سينتقل متياس إلى فلاسفة العصر الحديث والمعاصر ليؤكد أن تهميش التنظير للصداقة بوصفها قيمة مركزية سيستمر عندهم، فهم أيضاً أهملوها كما أهملت في القرون الوسطى، وأعلنوا أن السعادة يمكن أن تتم دون صديق.
ودائماً نجد الجواب عند متياس في التحول الثقافي الذي انطلق في أوروبا منذ عصر النهضة، الذي كانت سمته الأساسية حس المغامرة وعدم الإيمان بالثبات والهدوء واليقين الذي ساد القرون الوسطى. فالبشرية دخلت في شكوك وإعادة نظر في كل ما اكتسبته من حقائق وفي كل المجالات، وإعلان العقل سلطة مرجعية وحيدة. وهذه أجواء صعب فيها تطوير علاقات صداقة.



أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟