استهداف داعمي الأسد سيدفعهم إلى المفاوضات الجادة

مشاريع قوانين مرتقبة في الكونغرس لمعاقبة النظام وإيران وروسيا

بائع متجول يقود عربته في مدينة اعزاز قرب الحدود التركية شمال سوريا اول من أمس (إ ف ب)
بائع متجول يقود عربته في مدينة اعزاز قرب الحدود التركية شمال سوريا اول من أمس (إ ف ب)
TT

استهداف داعمي الأسد سيدفعهم إلى المفاوضات الجادة

بائع متجول يقود عربته في مدينة اعزاز قرب الحدود التركية شمال سوريا اول من أمس (إ ف ب)
بائع متجول يقود عربته في مدينة اعزاز قرب الحدود التركية شمال سوريا اول من أمس (إ ف ب)

تعمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب جاهدة في سبيل الوصول إلى استراتيجية شاملة بشأن سوريا بعد الضربة التي وجهتها لقوات بشار الأسد بداية الشهر الحالي. وفي سبيل تحقيق هذا الغرض، يعمل قادة الكونغرس على استحضار أفكارهم القديمة للضغط على رئيس النظام السوري وكذلك على روسيا وإيران، بعد طرح تلك الأفكار على طاولة الرئيس.
فالمراجعة الحالية لسياسة الإدارة بشأن هزيمة تنظيم داعش لم تصل إلى مرحلة الإجماع بشأن الصراع السوري الكبير. فلم يتوقع أحد من الرئيس ترمب، الذي قطع على نفسه عهداً بالبقاء بعيداً عن سوريا، أن يتدخل عسكرياً في أول 100 يوم له في الرئاسة. والآن بعد أن تسبب الهجوم الكيماوي في تغيير طريقة تفكير ترمب، فقد باتت حكومته ملزمة بلعب دور أكبر في إنهاء الحرب الأهلية الدائرة هناك.
وتحتاج إدارة ترمب إلى أداة لتضغط بها على الأسد وشركائه للدخول في مفاوضات حقيقية للسير للأمام. لكن لو أنك طالبت موسكو ببساطة أن تتخلى عن الأسد من دون أي قوة ضغط حقيقية، فستكرر السياسة نفسها لإدارة أوباما التي اتبعتها على مدى سنوات ولم تحقق من خلالها نجاحاً يذكر.
هنا يبرز دور الكونغرس، فعندما يعود المشرعون من عطلتهم الأسبوع المقبل، سيبدأون سريعاً في تحريك كثير من مشاريع القوانين التي صيغت في الماضي لمعاقبة حكومات الأسد وإيران وروسيا، وهذا ما أبلغني به عدد من أعضاء الكونغرس. فبعض تلك القوانين تُجرى إعادة صياغتها لكي تستخدم في وضع حد لفظائع الأسد، ومنها قانون يمنع وصول الدعم من برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. ومشروع القانون المذكور تقدم به قادة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس، إدوارد رويس، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا، وإليوت أنجل، عضو الديمقراطي عن نيويورك.
وبحسب كلماته لي، قال رويس: «من شأن هذا التشريع أن يعطي الإدارة القوة الدافعة، الدبلوماسية والمالية، التي تحتاجها للمساعدة في وضع حد لمذابح الأسد التي يرتكبها بحق المدنيين من أبناء شعبه. وسيؤدي استهداف داعمي الأسد (في إشارة إلى الرئيس الروسي بوتين والرئيس الإيراني خامنئي) إلى تشجيع المفاوضات الجادة».
ولمجلس النواب الذي يقوده الجمهوري بيتر روسكام، ومجلس الشيوخ، الذي يقوده السيناتور ماركو روبيو، أيضًا مشاريع قوانين جاهزة تهدف إلى عزل 3 خطوط طيران إيرانية تجارية، جميعها يشتبه في نقلها أسلحة ومقاتلين لمساندة الأسد.
وباعتبارها المتبرع الأكبر لبشار الأسد الذي أوغل نظامه في قتل العشرات من الرجال والنساء والأطفال باستخدام الأسلحة الكيماوية، «فقد استخدمت إيران وبشكل متواصل طائراتها لنقل الأسلحة والمعدات لتأجيج الصراع في سوريا، الذي راح ضحيته 500 ألف شخص حتى الآن»، بحسب رسالة روبيو وروسكام إلى ترمب في 10 أبريل (نيسان) الحالي.
ووفق هذا التشريع، فالطائرات التي تواصل المشاركة في أنشطة غير مشروعة نيابة عن جماعات إرهابية أو أنظمة مارقة، ستوضع في قائمة العقوبات مجدداً بعد أن كانت قد رفعت منها بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.
كذلك يريد أعضاء الكونغرس عن الحزب الجمهوري أن تلغي إدارة ترمب التراخيص التي تسمح للشركات الأميركية مثل «بوينغ» بالتعامل التجاري مع خطوط الطيران الإيرانية. فالمدير التنفيذي لشركة الطيران الإيرانية «أسمان إير»، حسين علاي، عضو بارز ومنذ فترة طويلة في الحرس الثوري الإيراني، وفق رسالة روبيو وروسكام لترمب.
ويعتزم قادة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ تقديم مشروع قانون جديد لفرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني لمساندته الإرهاب. ويهدف هذا التشريع إلى مساندة إدارة ترمب وجهودها التي أعلنت عنها في السابق لزيادة الضغط على إيران، وهو ما بات ضرورياً الآن.
وأفاد مارك دابويتز، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، بأن تحول موقف ترمب تجاه سوريا من شأنه أن يسهل الأمر كثيراً على الكونغرس لتمرير عقوبات طالما عارضتها إدارة أوباما. وباعتبار أن سوريا هي الموقد المشتعل في الواجهة الآن، وبالنظر إلى تدخل إيران الفج في الحرب السورية، فهذا الوضع يعطي مسوغاً أكبر للكونغرس لتمرير تشريعات جديدة، ويعطي الإدارة صلاحية اتخاذ إجراءات صارمة في مواجهة الممارسات الإيرانية.
بيد أن التشريع الأقرب، هو الذي أطلق عليه «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، وهو مشروع قانون سيفرض عقوبات على الأسد وروسيا وإيران لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها. حمل اسم مشروع القانون اسم المصور العسكري السوري المنشق الذي فر ومعه نحو 55 ألف صورة تظهر عمليات التعذيب والقتل لأكثر من 11 ألف مدني في المعتقلات. مرر مجلس الشيوخ مشروع القانون العام الماضي بالإجماع، وأبلغني كبار مساعدي رئيس الكونغرس أنهم مستعدون لتكرار ذلك مجدداً.
غير أن هناك عقبات أمام الاستراتيجية الجديدة للكونغرس، إذ إن بعض الديمقراطيين قلقون من أن العقوبات التي ستفرض على إيران قد تعرض الاتفاق النووي للخطر. وحتى الآن لم يُجرَ اتفاق بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب بشأن الخطوة المقبلة، وإدارة ترمب أيضًا لم تستقر بعد على السياسة ولا الترتيبات المطلوبة للاستعانة بجهود الكونغرس في إطار دبلوماسي كبير للتعامل مع ما يجري. وعبر أحد مساعدي رئيس الكونغرس عن ذلك بقوله: «لا يوجد أمامنا في الإدارة من يشاركنا الرقص».
العقوبات ليست سوى أحد جوانب الاستراتيجية الحقيقية تجاه سوريا، لكن لو أن إدارة ترمب جادة في عدم تكرارها لأخطاء باراك أوباما بشأن سوريا، فسوف تقبل قوة الدفع التي عرضها الكونغرس لتستخدمها في إجبار سوريا وشركائها على التفكير الجدي في وضع حد للمذابح هناك.

*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بالشرق الأوسط



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.