الإذاعي باكسمان حالة إعلامية بريطانية وليس نجما

تنحيه عن نشرته التلفزيونية يصبح خبرا على لسان معظم الناس.. لماذا؟

الإذاعي باكسمان حالة إعلامية بريطانية وليس نجما
TT

الإذاعي باكسمان حالة إعلامية بريطانية وليس نجما

الإذاعي باكسمان حالة إعلامية بريطانية وليس نجما

المذيع البريطاني جيرمي باكسمان يعرفه القليل جدا من المتابعين للأخبار من الناس في العالم العربي. ولهذا ما الفائدة من تناول قرار تنحيه، والذي قال إن السبب وراءه «حتى يذهب إلى النوم في ساعة مقبولة مثله مثل الآخرين»، كمادة إعلامية؟ قراره يعني التوقف عن تقديم النشرة الإخبارية «نيوز نايت» (النشرة الإخبارية الليلية)، التي تبدأ الساعة العاشرة والنصف ليلا وتستمر حتى الحادية عشرة وعشرين دقيقة، على القناة الأرضية الثانية لهيئة البث البريطاني (بي بي سي 2) والتي تعتبر واحدة من أهم، إن لم نقل الأهم، بين النشرات التلفزيونية في بريطانيا.
إنه حالة إعلامية متميزة، لكنها تعكس ظاهرة بريطانية في طريقة المساءلة والاستجواب للمسؤولين. وباكسمان أصبح من المتميزين جدا في هذا العمل، ولهذا فليس من الغريب أن يطلق عليه اسم «المحقق»، والذي قد يستحضر عمل العاملين في محاكم التفتيش.
المتابع لنشرته الإخبارية على دراية تامة ببعض النقاط المفصلية في مسيرته المهنية خلال تقديمه «نيوز نايت». إحدى هذه النقاط جاءت في عام 1997 عندما قابل وزير الداخلية مايكل هاورد، في حكومة جون ميجور المحافظة، والذي أصبح زعيما في ما بعد لحزب المحافظين. الأسئلة - أو بالأحرى السؤال - التي وجهها باكسمان لهاورد، تلخصت في جملة واحدة تخص خلاف الوزير مع آن ويديكام، وزيرة الدولة في وزارته. باكسمان أعاد الجملة أو السؤال عدة مرات حول خلاف الوزيرين حول برنامج إصلاح السجون، الذي كانت ويديكام مسؤولة عنه. الجملة الشهيرة كانت «هل هددت بإلغاء قرارها؟».
في اليوم الثاني اختلفت التقارير في الصحافة المكتوبة وبين المعلقين السياسيين حول عددها، بعضهم قال 11 مرة، وبعضهم قال 13 مرة. والآن اتفق الجميع أن يكون هناك حل وسط، وبهذا أصبح عددها دزينة.
جيرمي باكسمان، 64 عاما، الذي بدأ يعمل مقدم نشرة «نيوز نايت» منذ 1989، حصل على العديد من الجوائز الصحافية، وقال عندما تسلم الجائزة الملكية في الصحافة لتلفزيونية، والتي قدمها له الوزير هاورد، قال في خطاب القبول «إن الكثيرين لا يعرفون كيف نعمل في نشرة الأخبار. السؤال الشهير الذي يتذكره الجميع لم يكن من عندي، لقد زودني به أحد العاملين في النشرة».
هذه ليست المقابلة الوحيدة التي اشتهر فيها باكسمان خلال 25 عاما مقدما لنشرة «نيوز نايت»، هناك الكثير من المقابلات مع سياسيين من شتى الأحزاب السياسة. وأصبح معروفا لديهم، أي السياسيين، أن يذاكروا جيدا قبل المثول أمامه، وإلا سيصبحون في خبر كان. وهذا ما حصل مع كلوي سميث، الوزيرة في خزانة الدولة، التي استقالت بعد فترة قصيرة إثر مثولها أمام باكسمان، ولم تكن متمكنة من أجوبتها وأرقامها. في اليوم الثاني، وهذا قبل تقديم استقالتها، كانت هناك مادة دسمة للصحافة، ليس فقط للتكلم عن أسلوب باكسمان الصحافي، وإنما أصبحت المقابلة نقطة انطلاق للصحافة لتحاكم من جديد سياسات الدولة.
بعض المعلقين اعتبره ساخرا، والبعض قال إن أسلوبه هو التشكيك. ورد هو قائلا في إحدى المقابلات، والتي يرفض إجراءها في معظم الأحيان «التشكيك ضروري جدا في العمل الصحافي». باكسمان يعتمد التفكير النقدي في عمله إلى أبعد الحدود، وبهذا فإنه يعكس ما عبر عنه الفيلسوف البريطاني كارل بوبر، الذي يعتقد أن الحضارة الغربية بنيت على التفكير النقدي. ويرفض باكسمان السخرية في العمل الصحافي الجدي، مضيفا «عندما يتحول التشكيك إلى سخرية يغلق بذلك التفكير ويتوقف البحث عن الحقيقة».
وبهذا فإن باكسمان ليس كما يعتقد البعض الذين يرون فيه نجما، فهو ظاهرة تضع المقاييس المهنية وتحدد الأجندة لزملائه الصحافيين. إنه سليط حتى مع مديريه في الـ«بي بي سي»، ويجري المقابلات معهم بنفس الطريقة التي يجريها مع أي شخص آخر. وهذا ما حصل عندما دار نقاش في بريطانيا، خصوصا بعد الأزمة المالية في عام 2008، وتبين أن العديد من العاملين في قسم البرامج الترفيهية يتقاضون الملايين، وأن المديرين التنفيذيين في «بي بي سي» أيضا كانوا يتقاضون الرواتب الضخمة، وقابلهم باكسمان كما يقابل أي شخص من خارج المؤسسة، وكان يطلب منهم أن يبرروا ويقنعوا دافعي الضرائب (من يمتلك تلفزيونا في بريطانيا عليه أن يدفع رسوما سنوية لـ«بي بي سي» مقابل مشاهدته برامجها). بالمناسبة، باكسمان يتقاضى 800 ألف جنيه إسترليني في العام، ويعتبر الأكبر بين العاملين في جهازهم التحريري.
وبعد أن أعلن باكسمان، الذي بدأ العمل مع «بي بي سي» عام 1972، بعد عدد من الوظائف البسيطة، منها حسب ما جاء على لسانه أنه بدأ يقدم الشاي في محطة إذاعية بعد تخرجه في جامعة كمبردج (كما عمل مراسلا في بيروت)، أنه بصدد التوقف عن تقديم نشرة «نيوز نايت»، تناولت جميع المطبوعات البريطانية، والشعبية والرصينة، والوسائل الإعلامية الأخرى، الإذاعية والتلفزيونية، بمقالات مطولة وتعليقات لتقييم المرحلة والظاهرة الإعلامية التي حدد هويتها المهنية، كما عبر عن ذلك العديد من المعلقين المتعاطفين معه والمتنافسين معه. فكوينتن ليتس، الذي يكتب عمودا في صحيفة «الديلي ميل»، لخص في مقابلة مع إذاعة «بي بي سي» الرابعة (راديو 4) في صباح يوم إعلان باكسمان نيته الاستقالة، الشعور العام لمن تلقوا عبر السنين ضربات باكسمان الموجعة، بأن «العديد من السياسيين قد تنفسوا الصعداء»، مضيفا «ليس هؤلاء فقط، وإنما طاقم الـ(بي بي سي) التنفيذي من الذين جلسوا أمامه واستجوبهم، ومن الذين يقفون خلف الستار يشاهدون كيف يتعامل باكسمان أيضا مع ضيوفهم من السياسيين. لقد بدأت أيضا الطبقة البريطانية المتنفذة غير المنتخبة من مديري المستشفيات والمصرفيين والطاقم الحكومي الإداري في الاحتفال بالشمبانيا الغالية الثمن».
هذا الأسلوب المفعم بالحيوية في العمل الصحافي هو ظاهرة بريطانية ليست محصورة في «نجومية» باكسمان كما يعتقد البعض. من يتابع الصحف يجد فيها الأمثلة الكافية حول التحريات الصحافية التي راح ضحيتها العشرات من المسؤولين والسياسيين. جون هامفريس، المذيع الذي يقدم برامج تلفزيونية إخبارية ويعمل في البث الإذاعي في إذاعة «بي بي سي» الرابعة (راديو 4)، قام باستجواب رئيسه، المدير العام لـ«بي بي سي» الجديد جورج اينتويسل، قبل عام في نشرة «اليوم» الصباحية التي يقدمها هامفريس. المقابلة كانت حول برنامج بث على التلفزيون بخصوص فضيحة التعدي الجنسي، وبسبب حساسية الموضوع كان لا بد أن يطلع المدير بنفسه على الموضوع. وكان هامفريس قاسيا في مساءلته، وبعد ساعات من المقابلة استقال المدير.
ودافع هامفريس عن طريقته «الباكسمانية» ورد قائلا «لا تبدأ في المساءلة من أجل أن تخلق أجواء متشنجة، ولكن عندما تندلع المعركة وتتطور فلا يمكنك التراجع».



مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.