الكونغرس: «صوت أميركا» يجب أن تكون صوتها

بينما يريد عاملون «بي بي سي أميركية»

الكونغرس: «صوت أميركا» يجب أن تكون صوتها
TT

الكونغرس: «صوت أميركا» يجب أن تكون صوتها

الكونغرس: «صوت أميركا» يجب أن تكون صوتها

بينما يريد عاملون في إذاعة «صوت أميركا»، وتوابعها، مثل إذاعة «سوا» العربية، وتلفزيون «الحرة» العربي، تقليد إذاعة وتلفزيون «بي بي سي»، المؤسسة البريطانية المستقلة، بدأ قادة في الكونغرس مشروع قانون يهدف لأن «تكون (صوت أميركا) صوتها».
وحسب مشروع القانون فإنه «يجب أن تعمل (صوت أميركا) بشكل واضح في دعم الولايات المتحدة، ودعم الدبلوماسية العامة، ودعم سياسات حكومة الولايات المتحدة». والأسبوع الماضي، قال إدوارد رويس، جمهوري من ولاية كاليفورنيا، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب (حيث يشكل الجمهوريون أغلبية): «الآن، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن يكون البث العالمي الأميركي فعالا. حان الوقت لإجراء إصلاحات واسعة النطاق».
وبينما يتطور مشروع القانون، كما تنص تقاليد الكونغرس، حسب مفاوضات بين الديمقراطيين والجمهوريين، صار واضحا أن قادة مجلس النواب من الحزبين يعملون جنبا إلى جنب مع نظرائهم في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وأن مشروع القانون يحظى بدعم أغلبية كبار الديمقراطيين في لجنة مجلس النواب. ومنهم النائب من نيويورك، إليوت إنجل.
وحسب مشروع القانون، سيزيد نفوذ «برودكاستنغ غوفرنرز بورد» (مجلس حكام الإرسال الإذاعي)، الذي يعرف بالأحرف «بي بي جي». وبدلا عن قيادة أعضاء المجلس غير المتفرغين، سيعين مدير متفرغ. وستوحد كل الإذاعات تحت إشرافه. ومنها: «راديو فري يوروبن» (إذاعة أوروبا الحرة)، «آشيا فري آشيا» (إذاعة آسيا الحرة)، و«ميدل إيست برودكاستنغ» (إذاعات الشرق الأوسط). تشمل هذه الأخيرة: تلفزيون «الحرة»، وإذاعة «سوا»، وإذاعات فارسية، وأردية، وبشتونية. وحسب مشروع القانون، ستكون «صوت أميركا» مؤسسة غير حكومية، لكن يضع الكونغرس ميزانيتها (مثل مجموعة متاحف «سميثونيان» في واشنطن). وستنتهي المرحلة الحالية التي تتعاقد فيها شركات لإدارة إذاعات، مثل الشركة التي تدير «الحرة» و«سوا». وكانت منظمات جمهورية محافظة انتقدت بعض هذه الإذاعات. وكان موظفون في هذه الإذاعات، وآخرون، تبادلوا اتهامات عدم النزاهة، والفساد. وشمل ذلك «الحرة» و«سوا». والشهر الماضي، انتقد معهد «هيرتدج» المحافظ في واشنطن الإذاعة الفارسية. وقال «أوضحت وثائق جمعناها أن القسم الفارسي في إذاعة (صوت أميركا) يذيع أخبارا وتعليقات تنتقد الولايات المتحدة».
والأسبوع الماضي، قال تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» إن مشروع القانون له صلة بالتطورات في أوكرانيا، حيث يبدو أن الحرب الباردة عادت، ولو جزئيا، وأن الكونغرس أمر بدعم ميزانية الإذاعات الموجهة إلى شرق أوروبا.
وكان الكونغرس قرر، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، تأسيس «الحرة» و«سوا»، حسب عقد مع شبكة إذاعات الشرق الأوسط (إم اي بي إن). وكان الهدف هو «التواصل الفعال مع الشباب الناطق بالعربية في منطقة الشرق الأوسط، والترويج للتوجهات الموالية لأميركا بين الشباب في العالم العربي».
وفي عام 2002، بدأ البث، كبديل عن «صوت أميركا» التي توقفت عن البث باللغة العربية منذ ذلك الوقت. وكان صاحب الفكرة هو إمبراطور الإعلام الأميركي نورمان باتيز، الذي قال إن أكثر من 60 في المائة من العرب تقل أعمارهم عن 30 سنة. وصار هذا هو سبب «تطوير برامج يمكنها استهداف الجيل الأصغر سنا».
وأيضا، رأى باتيز أن الموسيقى هي الوسيلة المثلى للوصول إلى الشباب العربي، وصار هذا هو سبب أن أغلبية برامج هذه الإذاعة من موسيقى البوب الأميركية والعربية. من هذه الإذاعات: «سوا العراق»، «سوا الخليج»، «سوا السودان»، «سوا المغرب». وكانت «صوت أميركا» تأسست في عام 1942 كجزء من مكتب إعلامي يعمل في الدعاية ضد النازية: «أوفيس أوف وور إنفورميشن» (مكتب معلومات الحرب). وفي عام 1952، انتقل المكتب إلى وزارة الخارجية، كجزء من «يو إس إيه إس» (وكالة المعلومات الأميركية). وهذه المرة، ركز على مواجهة المعسكر الشيوعي، مع زيادة الحرب الباردة.
وفي عام 1976، وقع الرئيس جيرالد فورد على قانون وصف «صوت أميركا» بأنها يجب أن تكون «دقيقة، وموضوعية، وشاملة»، أي أن تكون نزيهة ومحايدة، لا جهاز دعاية. لكن، يبدو أن مشروع القرار في الكونغرس، والذي يتوقع أن يكون قانونا، يريد أن تكون «صوت أميركا» إذاعة شاملة، وقوية، بهدف «دعم سياسات الولايات المتحدة».



الإعلام السوري الجديد في مواجهة «عش الدبابير»

مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام ...واستقبال الصحفيين والإعلاميين السوريين والأجانب (وزارة الإعلام السورية)
مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام ...واستقبال الصحفيين والإعلاميين السوريين والأجانب (وزارة الإعلام السورية)
TT

الإعلام السوري الجديد في مواجهة «عش الدبابير»

مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام ...واستقبال الصحفيين والإعلاميين السوريين والأجانب (وزارة الإعلام السورية)
مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام ...واستقبال الصحفيين والإعلاميين السوريين والأجانب (وزارة الإعلام السورية)

بعد سقوط نظام الأسد، وجد الإعلاميون الذين عملوا في ظله أنفسهم فجأة معلقين في الفراغ. وبينما استدرك بعض العاملين في القطاع الخاص التغييرات الحاصلة بعد زوال الرقابة، تعطّل الإعلام الحكومي في انتظار القرارات الجديدة، باستثناء وكالة الأنباء السورية «سانا»؛ إذ إن «سانا» غيّرت خطابها على الفور، وواصلت دورها في نقل البيانات الرسمية، لكنها لم تعد تحتكرها ولا أول من يبثها. واليوم بعد مرور أسابيع معدودات على سقوط النظام لا يزال الإعلام السوري الجديد يتخبّط وهو يحاول الانتقال من إعلام «ثوري» رافق إدارة العمليات العسكرية، إلى إعلام «دولة» ينطق باسم السوريين جميعاً.

وزير الإعلام السوري محمد يعقوب العمر (وزارة الإعلام السورية)

«عش الدبابير»

في لقاء سابق لوزير الإعلام السوري محمد يعقوب العمر مع عدد من الإعلاميين السوريين العاملين في مؤسسات إعلامية عربية، حضرته «الشرق الأوسط»، شكا الوزير من «حجم الفساد الذي خلفه نظام الأسد في قطاع الإعلام الحكومي». ووصف مؤسساته «المتهالكة» بـ«عش الدبابير»، قائلاً: «ورثنا من النظام البائد مؤسسات إعلامية أمنية مبنية على الطائفية»، ويبدو أن من المستحيل إصلاحها، وهذا عدا أن بنيتها التحتية متهالكة، وأحدث التجهيزات تعود إلى عشرين سنة. كذلك يرى وزير الإعلام أن الأفضل بناء مؤسسات جديدة، لكن ذلك غير ممكن حالياً في ظل وضع اقتصادي منهك.

الأعداد الضخمة للعاملين في المؤسسات الإعلامية الحكومية تمثّل واحدة من أعقد المشكلات التي تواجه وزارة الإعلام السورية؛ إذ تُقدّر أعداد العاملين في المؤسسات التابعة للوزارة بأكثر من 13 ألف موظف، معظمهم بلا مهمات وظيفية حقيقية. معظم هؤلاء وفد إلى الإعلام في نهاية الثمانينات والتسعينات، عندما «تحوّلت الصحف الحكومية إلى دوائر لامتصاص البطالة في سوريا»، وفق دراسة أعدها «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير». وأضافت الدراسة أن مئات الموظفين في الإعلام الحكومي لا تربطهم أي صلة بمهنة الإعلام.

إداري في وزارة الإعلام، لم يكشف عن اسمه لأنه من ضمن الذين منحوا إجازة ثلاثة أشهر ريثما يُبت في وضعه، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه في نهاية التسعينات «جرى تعيين مئات الموظفات من الساحل السوري في الإذاعة والتلفزيون»، ولفت إلى أن مكاتب البث الإذاعية والتلفزيونية في الساحل - أي معقل عائلة الأسد - فيها أكثر من مائتي موظف، في حين لا يتجاوز عددهم في مكاتب المحافظات الأخرى؛ كالسويداء وحماة عشرة موظفين.

وذكر الموظف أيضاً أن وسائل الإعلام الرسمية «كانت تُدار من قبل الأجهزة الأمنية»، و«تتدخل حتى في تعيين عامل البوفيه»، غير أن هذا الواقع لا يعني استبعاد عناصر نزيهة وخبيرة تشكّلت في الإعلام الحكومي، وهي قادرة على تشغيله بوضعه الراهن، وليس من المستحسن الاستغناء عن مؤسسات هي ملك الدولة.

ندوة حوارية عقدتها أخيراً وزارة الإعلام في دمشق (وزارة الإعلام السورية)

المؤسسات الحالية

يتبع لوزارة الإعلام السورية عدد من المؤسسات أبرزها: الوكالة السورية للأنباء (سانا)، ومؤسسة الوحدة للصحافة والنشر التي كانت تصدر صحفاً ورقية تغطي كل المناطق السورية، قبل أن تكتفي بالإصدار الرقمي منذ عام 2020، وهي «الثورة» و«تشرين» التي أصبح اسمها «الحرّية» في دمشق، و«العروبة» في حمص، و«الفداء» في حماة، و«الجماهير» في حلب، و«الوحدة» في الساحل، و«الفرات» في دير الزور.

أيضاً، يتبع وزارة الإعلام: الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، التي تضم «إذاعة دمشق»، و«إذاعة صوت الشباب»، و«القناة الإخبارية السورية»، و«القناة الفضائية السورية»، و«قناة دراما»، و«القناة التربوية». وللهيئة العامة العديد من مكاتب البث الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة الوسطى ومناطق الساحل والمنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية. ووفق أرقام وزارة الإعلام، هناك نحو ثمانية آلاف موظف في الإذاعة والتلفزيون، بينما لا تتجاوز الحاجة الفعلية ربع هذا العدد. ثم إنه يوجد في صحيفة «الثورة» وحدها أكثر من 180 محرّراً صحافياً، الفعليون منهم أربعون محرّراً، وقد تم الاحتفاظ بهم، في حين مُنح الباقون إجازة مأجورة لثلاثة أشهر، ريثما يُبت في وضعهم. وقد شمل هذا الإجراء جميع المؤسسات الإعلامية التابعة لوزارة الإعلام.

ترتيب البيت الداخلي

التوجّه في المرحلة المقبلة، حسب وزير الإعلام، «سيكون نحو الاعتماد على الإعلاميين الذين انشقوا عن النظام في بداية الثورة لقيادة النشاط الإعلامي»؛ ما قد يعني استبعاد آلاف العاملين في المؤسسات الإعلامية الحكومية التي احتكرت العملية الإعلامية في سوريا لأكثر من أربعة عقود.

وفي لقاء معنا، قالت الإعلامية السورية، نسرين طرابلسي، التي عادت إلى دمشق أخيراً بعد مسيرة عمل طويلة في وسائل إعلام عربية، إن «ملامح الإعلام السوري الجديد لا تزال غير واضحة».

ولفتت نسرين إلى أنها خلال لقاءات مع مسؤولين في الإعلام السوري الجديد، دعت إلى الاستفادة من خبرات الإعلاميين السوريين الذي عملوا في مؤسسات عالمية مرموقة في بلاد اللجوء، وهؤلاء يعدون بالمئات، ومعظمهم على استعداد للمشاركة في بناء إعلام بلدهم بعد التحرير. وأردفت أنها حملت معها إلى دمشق عدداً من سيَرهم الذاتية، لكن بدا لها أن المسؤولين الجدد «لا يحتاجون لنا الآن، وربما يكون لنا دور في المراحل المقبلة»، واستطردت أنه من الواضح «أنهم منخرطون في إعادة ترتيب البيت الداخلي، والتحضير لإطلاق إعلام حديث، وتغيير لغة الخطاب الرسمي».

الإعلام الحكومي شبه معطل... والخاص قلق... والثوري في مهبّ الفوضى

غياب الثقة

من جهة أخرى، لا يبدو واقع الإعلام السوري التابع للقطاع الخاص أقل قلقاً؛ كون معظم الوسائل التي مُنحت تراخيص للعمل في سوريا، تعود ملكيتها لجهات أو لرجال أعمال متربطين بالنظام السابق. ثم إن بعضها تعرّض لأعمال تخريب إثر سقوط النظام، مثل إذاعة «نينار» المملوكة لابن خال الرئيس السابق رامي مخلوف، قبل أن تستولي عليها أسماء الأسد، ومؤسسة «كيو ميديا» التي تعود ملكيتها لرجل الأعمال سامر الفوز.

في المقابل، واصلت الصدور إلكترونياً صحيفة «الوطن» التي تعود ملكيتها للإعلامي وضاح عبد ربه، الذي كان مقرباً من النظام السابق. وتعبيراً عن غياب الثقة بتوجّهات الصحيفة، عيّنت الإدارة الجديدة موظفاً من قبلها لمراقبة سير العمل في الصحيفة.

هذه الطريقة اتُّبعت مع غالبية المؤسسات والشركات الخاصة، للتأكد من الملكية ومصادر التمويل قبل البت في وضعها. وهو أيضاً ما جرى مع إذاعة «شام إف إم» التي واصلت عملها، وبعد التأكد من ملكية رامي مخلوف لحصة منها، وضعت الإدارة الجديدة يدها على حصة مخلوف، ما أدى إلى توقفها عن البث لانصراف العاملين منها طوعاً. وجرى أيضاً إغلاق قناة «سما» التلفزيونية من قبل مالكها رجل الأعمال محمد حمشو، المحسوب على النظام السابق، ليجد العاملون فيها أنفسهم عاطلين عن العمل، ومن دون تعويضات.