صحافي التايمز المخضرم : أجريت لقاءات مع ملك الأردن والأسد.. وحضرت مفاوضات الكيلو 101

مايكل بينون قال لـ {الشرق الأوسط} ان النظام السوري عمد إلى تخويف الصحافيين .. وأصبح من الخطير جدا عليهم زيارة البلد لمعرفة ما يحدث

مايكل بينون
مايكل بينون
TT

صحافي التايمز المخضرم : أجريت لقاءات مع ملك الأردن والأسد.. وحضرت مفاوضات الكيلو 101

مايكل بينون
مايكل بينون

مايكل بينون كبير محرري «التايمز» البريطانية، بدأ العمل في الجريدة الأكثر شهرة قبل 40 عاما عقب تخرجه في جامعة كمبردج. حقق كثيرا من النجاحات، منها لقاءات عديدة خلال السنوات الثلاث الماضية مع العاهل الأردني بشأن أحداث المنطقة، وكان صريحا في التحذير من أن الإسلاميين في الدول العربية ليس لديهم أي برنامج فاعل يقدمونه لمواطنيهم. وقد ثبتت صحة كلامه. كذلك التقى بينون الرئيس السوري بشار الأسد، في لقاء حصري عام 2002، وكشف له عن آماله في التغيير، إلا أنه اعترف أثناء اللقاء بأنه يتعمد الإبطاء في تنفيذ الإصلاحات.
وقال بينون في حواره مع «الشرق الأوسط» إن «النظام السوري عمد إلى تخويف الصحافيين الغربيين وخطف العديد منهم، وأصبح من الخطير جدا على أي شخص زيارة سوريا لمعرفة ما يحدث هناك».
وعن تغطية أحداث الربيع العربي في الصحافة الغربية يقول بينون لـ«الشرق الأوسط»: «كنت متشائما منذ البداية. كنت أعلم أن الكثير من الآمال بالحصول على مزيد من الوظائف وحياة أفضل والقضاء على الفساد لن تتحقق، وأن الأفراد سيصابون بخيبة أمل. كنت أعلم أن هناك بعض القادة ذوي الخبرة المحدودة القادرين على إدارة دفة الأمور». وجاء حوار «الشرق الأوسط» مع صحافي «التايمز» المخضرم مايكل بينون على النحو التالي:

* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافي.. وهل أصبحت عند لحظة معينة على يقين بأنك اخترت الوظيفة الصائبة؟
- بدأت حياتي كصحافي بالصدفة، وكانت أول وظيفة لي بعد التخرج في جامعة كمبردج العمل معلما للغة الإنجليزية في المجلس الثقافي البريطاني في كلية منسك في الاتحاد السوفياتي السابق. والحقيقة أنني تقدمت للتدريس في الدول المتحدثة باللغة العربية، حيث درست اللغة العربية في الجامعة، وعرض علي منصب التدريس في جامعة بغداد. لكن ذلك كان في يونيو (حزيران) 1967، بعد الحرب العربية الإسرائيلية، وأحرق مثيرو الشغب في العراق المجلس الثقافي. لذا لم أحصل على الوظيفة في العراق، وحصلت بدلا من ذلك على أخرى في الاتحاد السوفياتي.
وبعد ترك منسك صيف عام 1968 عدت إلى إنجلترا، وأخبرتني صديقة لي بوجود وظيفة في ملحق «التايمز» التعليمي، التابع لصحيفة «التايمز». واقترحت ضرورة أن أكتب إلى رئيس التحرير. فعلت ما طلبت، وقلت في الرسالة إنني قضيت عاما في روسيا–وهو ما كان في ذلك الوقت أمرا غير عادي. وحدد لي موعدا للمقابلة، وعرض علي العمل صحافيا تحت التمرين فورا. كنت في ذلك الوقت في الثالثة والعشرين.
ومنذ اللحظة التي بدأت فيها العمل كصحافي، أغطي أخبار التعليم في بريطانيا، شعرت بأنني عثرت على العمل الذي كنت أبحث عنه. فوظيفة المراسل هي كشف الحقائق وتفسيرها وإطلاع القارئ على القصة حتى يتمكن من متابعة الأخبار. في بعض الأحيان يعني ذلك أن تكون أول من يمر بتجربة جديدة–وسوف أتذكر دائما فرحة أن تكون في أول تدريب عبر القنال الإنجليزي بعد افتتاحه. في بعض الأحيان كان ذلك يعني السفر إلى الحروب ومناطق الخطر–وقد عملت مراسلا في مصر خلال حرب عام 1973، وعبرت قناة السويس بعد اجتياز الجيش المصري الخطوط الإسرائيلية. وقد كنت موجودا أيضا في الصحراء أثناء توقيع وقف إطلاق النار في الكيلو 101 في سيناء. وكتبت عن أول مؤتمر صحافي بعد وصول الدكتور كيسنجر إلى القاهرة.
وكان من المهم أن ألتقي قادة العالم وأكتشف وجهة نظرهم تجاه العالم. وقد التقيت الرئيس ريغان قبل أن يأمر بقصف ليبيا. وفي عام 1989 انضممت إلى الجمهور الألماني المبتهج، وتسلقت معه سور برلين عقب افتتاحه خلال احتفالات الضخمة. وفي عام 1990 كنت في القمة الأوروبية في باريس عندما كانت مارغريت ثاتشر رئيسة للوزراء للمرة الأخيرة قبل يوم من استقالتها. هذه الأمور ستظل دائما في ذاكرتي.
* ما هي أول قصة صحافية كتبتها.. ومتى نشرت؟
- كان أول خبر كتبته متواضعا للغاية.. ففي اليوم الأول لي في صحيفة «التايمز» طلب مني كتابة تقرير قصير بشأن تراجع أعداد طلاب الكشافة المدرجين للانضمام للحركة. كان فقرة واحدة، لكني كنت سعيدا لرؤية اسمي على التقرير عندما ظهر في الصحيفة بعد يومين. وكان ذلك في أكتوبر (تشرين الأول) 1968.
* ما القصة التي استحوذت على وجدانك عند كتابتها.. وما زلت تتذكرها؟
- المؤتمر الصحافي الذي وجدته أكثر إثارة لتغطيته كان مؤتمر سقوط حائط برلين وانهيار الشيوعية في أوروبا. وكنت مراسلا في موسكو وألمانيا لسنوات سابقة، وعبرت من الغرب إلى الشرق مرات عديدة، ودخلت عبر نقاط تفتيش ألمانيا الشرقية في برلين. كنت أعلم أن الحياة في أوروبا لن تعود إلى سابق عهدها، وأن الستار الحديدي تمزق. وتكرر الأمر ذاته في أوروبا خلال ذلك العام–في المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، حيث أطيح بالحكومات الشيوعية. وقد كتبت تقارير عن موجة للاجئين الألمان الشرقيين الذين فروا إلى الغرب قبل أشهر قلائل، وقابلت الكثيرين من الذين فروا من بلادهم. ورأيت آمال الأوروبيين الشرقيين الفرحين الذين أرادوا العيش بحرية.
كل السنوات التي قضيتها مراسلا في موسكو خلال الحقبة الشيوعية جعلت لدي استعدادا لتفسير التغييرات السياسية التي جرت عام 1989، وكنت قادرا على تفسير السبب في تداعي الاتحاد السوفياتي، والسبب في إجراء غورباتشوف الكثير من التغييرات في النظام الذي لم يعمل بشكل لائق في بلاده.
* بعد ثلاث سنوات من تغطية الأزمة السورية في الصحافة الغربية.. هل نالت الحرب نصيبها من جهة تغطية مآسي الأبرياء السوريين في الصفحات الأولى أو الداخلية، أم أن هناك قصصا لم ترو بعد؟
- الحرب السورية إحدى أكثر المآسي التي شهدها الشرق الأوسط، وقد زرت سوريا مرات عديدة، وأحببت دمشق، تلك العاصمة الجميلة. الآن تحطم كل شيء. وقد أجريت مقابلة حصرية امتدت لساعتين مع الرئيس بشار الأسد عام 2002، قبل سفره إلى لندن في زيارة رسمية. كان يتمتع بشخصية آسرة متحضرة، ولطيفا. أجاب عن أسئلتي، وتحدث عن آماله ثم الإصلاح في سوريا. وسألته عن التغييرات الاقتصادية، واعترف بأنه كان يمضي ببطء عمدا حتى لا يتزعزع استقرار النظام الاقتصادي في سوريا. ثم سألته عن الإصلاح السياسي، فأجاب مبتسما «نحن لم نبدأ حتى في ذلك»، كانت تلك إجابة صادقة–لكنها أدت إلى نتيجة مريعة بعد مرور 10 سنوات.
كانت كتابة التقارير عن الحرب في سوريا صعبة للغاية على جميع الصحافيين الغربيين. في البداية رفضت الحكومة السورية السماح لأي مراسل غربي بدخول سوريا بشكل قانوني، وهو ما اضطر الكثيرين إلى الدخول خفية، بعبور الحدود مع الثوار. وعندما اضطلع الجهاديون بدور أكبر في القتال بدأوا في مضايقة وتخويف الصحافيين الغربيين، وخطف العديد منهم وأصبح من الخطير جدا على أي شخص زيارة سوريا لمعرفة ما يحدث. لذلك كانت هناك فرصة ضئيلة لنقل ما يحدث سواء على الجانب الحكومي أو المعارضة.
* كيف غطت «التايمز» البريطانية أحدث الربيع العربي وبصفة خاصة الثورة المصرية؟
- كان من السهل تغطية الربيع العربي في كل مكان. كانت هناك متعة كبيرة في الغرب في البداية، كما شارك الكثيرون آمال كل الجماهير في ميدان التحرير. كان الاختلاط آمنا للغاية، ونقلنا وجهات نظرهم، وكانت هناك تغطية دائمة للأحداث الدرامية التي أدت إلى سقوط الرئيس مبارك. لكني لم أذهب شخصيا إلى تونس أو ليبيا أو مصر في ذلك الوقت، لكن كانت لي اتصالات جيدة هناك، ولذا تمكنت من كتابة التحليلات لما حدث. لكني كنت متشائما منذ البداية، فقد كنت أعلم أن الكثير من الآمال، بالحصول على مزيد من الوظائف وحياة أفضل والقضاء على الفساد، لن تتحقق، وأن الأفراد سيصابون بخيبة أمل. كنت أعلم أن هناك بعض القادة ذوي الخبرة المحدودة القادرين على إدارة دفة الأمور. وقد كنت محظوظا للغاية بإجرائي مقابلات عديدة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال السنوات الثلاث الماضية، بشأن أحداث المنطقة، وكان صريحا في التحذير من أن الإسلاميين ليس لديهم أي برنامج فاعل يقدمونه لمواطنيهم. وقد ثبتت صحة كلامه.
أعتقد أن «التايمز» كانت حريصة على تقديم صورة عادلة لما يحدث. وقد كان مراسلو الصحيفة نشطين للغاية، وأدوا دورا شجاعا للغاية في خط الجبهة في ليبيا خلال الثورة ضد القذافي. لكن رؤساء التحرير والتحليلات درسوا الصعوبات التي يمكن أن تنشأ عن ذلك. وهو ما حدث على نحو خاص في مصر. وقد حاولنا أن نكون منصفين تجاه حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي، على الرغم من أن «التايمز» لا تدعم جماعة الإخوان المسلمين، وكانت ترى أن برنامجها غير متوازن.
* هناك اتهامات في العالم العربي لتغطية الصحافة الغربية للصراع العربي الإسرائيلي بأنها منحازة للوبي الصهيوني.. ما تعليقكم؟
- حاول المراسلون الغربيون أن يكونوا منصفين في تغطية الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني. وهناك قدر ضخم من الدعاية من كلا الجانبين، وكان ينبغي تحري كل الحقائق بدقة. ويملك الإسرائيليون جماعات ضغط قوية للغاية، وكان من الطبيعي ألا يقبل المراسلون الغربيون بكل شيء يقال من قبل الإسرائيليين بصورة صحيحة. كانت غالبية الصحف الغربية متعاطفة مع الإسرائيليين لثلاثين عاما، لكن استمرار الاستيطان الإسرائيلي، وتعامل إسرائيل مع غزة، ورفضها الدخول في مفاوضات سلام جادة، قوض التعاطف الغربي. لم يتمكن الفلسطينيون من التعبير عن المآسي التي يتعرضون لها، ويرون في كل المراسلين الغربيين أعداء لهم. لكن القضية الفلسطينية مفهومة اليوم بشكل أكبر في الغرب. وقد صاروا اليوم هم والحكومات العربية أفضل في الإدلاء بتصريحات بشأن ما يجري، ومستعدين للاعتراف بأخطائهم الخاصة في التعامل مع إسرائيل.
* من هو كاتبك المفضل (كاتبتك المفضلة) محليا وعالميا؟
- ليس لدي صحافي مفضل، هناك بعض الصحافيين البريطانيين والأميركيين الرائعين، الذين عملوا في الشرق الأوسط، مثل توماس فريدمان وسيمور هيرش، اللذين عملا بجد للتوصل إلى الحقائق وعدم قبول أي دعاوى من أي جانب. وعلى صعيد السياسات الداخلية، يعجبني بعض المحللين الجيدين الذين يكتبون حول الشؤون البريطانية والأوروبية. وأعتقد أن الصحافي الألماني جوزيف جوفي منصف ومتوازن للغاية. وكذلك ماثيو باريس، عضو مجلس النواب البريطاني السابق، الذي يكتب لـ«التايمز». كما أحب الصحافيين الذين يكتبون بشكل جيد وتتسم كتاباتهم بالذكاء وسعة الاطلاع. ينبغي أن يكون المقال الجيد أكثر من مجرد حقائق.
* كيف تنجح في تقسيم وقتك بين كتابة المقالات والتقارير؟
- لم أعد أعمل بشكل كامل في «التايمز»، حيث تقاعدت بعد ما يقرب من 40 عاما في الصحيفة. لكن أحدا لا يستطيع التوقف عن العمل في الصحافة. ولذا ما زلت أقوم بكتابة الكثير من التقارير وحضور المؤتمرات وإجراء المقابلات وكتابة المقابلات لا لـ«التايمز» وفقط بل لمطبوعات أخرى. كما أنني أتمتع بحرية في كتابة الموضوعات، فلا تقتصر على الشؤون الخارجية، بل قد تتعداها إلى الشؤون الداخلية مثل المواصلات والقضايا الدينية. فقد كتبت عن الحوار بين الأديان، بين المسيحية والإسلام، وحضرت مؤتمرا بالغ الأهمية في الأردن العام الماضي والذي أقيم تحت رعاية الأمير غازي حول التحديات التي تواجه المسيحيين في الشرق الأوسط.
عملي كصحافي حر يستهلك الكثير من وقتي، لكني في بعض الأحيان أحصل على راحة لعدة أيام لأقضي وقتا مع عائلتي.
* ما رأيك في الإعلام الجديد وهل–في رأيك–سيحلّ محل الإعلام التقليدي؟
- تواجه كل الصحف صعوبات هذه الأيام، والقليل منها هو الذي يعلم كيفية مواجهة تحديات الإنترنت والأخبار على الإنترنت. أنا صحافي متمرس وما زلت أفضل قراءة الصحف عن قراءة المواقع الإخبارية. لكن غالبية الشباب الآن لا يشترون الصحف، ولعل ذلك السبب في تراجع توزيع المطبوعات الورقية بشكل مستمر. وأعتقد أن أفضل أنواع الصحافة تلك التي تتم عبر المقابلات المباشرة أو الذهاب إلى الأماكن لرؤية الأوضاع عن كثب. فهي لا تعتمد على الجلوس في المكتب لقراءة الإنترنت، فقد تعلم الحقائق بشأن واقعة ما لكنك قد لا تحصل على الشعور أو الجو الحقيقي ما لم تتحدث مباشرة إلى الناس.
لا توجد لدي رغبة في قراءة التغريدات طوال الوقت، فأغلب هذه التغريدات عادة ما تكون غير واقعية ولا تقول شيئا مفيدا، والأفضل قراءة التحليلات الجيدة في مقال معروف. وأعتقد أن الأفراد ليس لديهم وقت الآن لقراءة أي شيء أكثر من سطور قليلة. وقد أدى تداول الأخبار والتعليقات الفورية إلى كثير من التقارير الضعيفة، كما أنه في كثير من الأحيان يكون من المستحيل التوصل إلى نتيجة متوازنة في غضون بضع دقائق. وتؤدي وسائل الإعلام الجديدة إلى الحصول على أخبار سطحية. أما صحافة المشاهير التي تركز على القيل والقال فتعمل على تخريب الصحافة الجيدة، خاصة في الغرب، لكني أعتقد أنه ستكون هناك دائما حاجة لإعداد التقارير المناسبة.
* ما نصيحتك للصحافيين الشباب في بداية حياتهم الإعلامية؟
- نصيحتي لكل الصحافيين الذين يبدأون عملهم هي ذاتها الآن كما كانت عليه قبل 40 عاما، وهي أن تكون منصفا، وأن تحاول أن تكون موضوعيا، وتحاول اكتشاف ما يحدث بشكل شخصي، ولا تصدق الدعاوى ولا تقضي كل الوقت أمام شاشة الكومبيوتر. لا يزال هناك الكثير من المطبوعات خاصة المجلات المتخصصة. وأعتقد أنه على الرغم من أن الصحافة المطبوعة لم تعد تحمل قدرا كبيرا من الأهمية، فإن التغطية الإخبارية للراديو والتلفزيون لا تزال تستقطب اهتمام جمهور كبير.
ينبغي على كل الصحافيين أن ينصتوا بشكل جيد، وينبغي عليهم أيضا أن يكونوا على اطلاع بالتاريخ، فمن المستحيل أن نكون منصفين أو دقيقين إذا لم تكن لدينا فكرة عن تاريخ البلد أو عاداته أو ثقافته. وهذا يعني أن الصحافيين ينبغي أن يبذلوا جهدا لفهم أو تحدث اللغات أينما يعملون. ينبغي عليهم التحدث إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد، وألا يتأثروا بخبراء العلاقات العامة.
وينبغي للصحافيين العرب اتباع نفس القواعد التي يسير عليها الصحافيون في أي مكان آخر في العالم. وهناك صعوبة خاصة في العمل في الدول التي تقيد فيها حرية الصحافة. لكن لا يزال من الممكن تقديم تقارير إخبارية جيدة دقيقة. وربما يكون ممكنا تقديم تقارير دقيقة جيدة قدر المستطاع. وإذا دخلت في مواجهة مع السلطات، واعتبرت غير متوازن أو متحيزا، فسوف يكون مستقبلك صعبا. الصفة الأبرز التي ينبغي أن يتسم بها الصحافيون العرب هي الصبر والإصرار، ومن ثم يمكنهم أن يكونوا عامل تغيير، وأن يكونوا قوة للخير في هذه الأوقات العصيبة.
* هل معرفتك باللغة العربية ساعدتك في تحقيق مزيد من النجاح في مهنتك الصحافية؟
- لقد تعلمت بعض العربية ودرست الإسلام، وهو ما كان عونا كبيرا لي في الكتابة عن الشرق الأوسط. ولسوء الحظ ليست لدي فرصة كبيرة لممارسة اللغة العربية، لأن الجميع في المنطقة يتحدثون إنجليزية جيدة للغاية.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.