التضخم يواصل رحلة الصعود بالسودان

الخرطوم تجهز خريطة سياحية بدعم من المنظمة العالمية

التضخم يواصل رحلة الصعود بالسودان
TT

التضخم يواصل رحلة الصعود بالسودان

التضخم يواصل رحلة الصعود بالسودان

قال الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، أمس (الأحد)، إن معدل التضخم السنوي في البلاد ارتفع إلى 34.68 في المائة في مارس (آذار)، من 33.53 في المائة في الشهر السابق، مع استمرار صعود أسعار الغذاء والطاقة، بعد خفض الدعم في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني).
وتدهور اقتصاد السودان منذ انفصال الجنوب في 2011، آخذاً معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط الذي كان المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي وإيرادات الحكومة. ومع تناقص الإيرادات، أعلنت الحكومة خفض دعم الوقود والكهرباء في أوائل نوفمبر، ودفع ذلك أسعار البنزين للصعود نحو 30 في المائة، لترتفع تكلفة النقل وتغذي التضخم.
وأدى شح الدولار، وتضخم السوق السوداء للعملة الصعبة، إلى زيادة تكلفة المنتجات المصنعة في الخارج ببلد كثيف الاعتماد على الواردات.
ومن ناحية أخرى، شرعت وزارة السياحة والحياة البرية في السودان في إعداد خريطة لمقاصد البلاد ومقوماتها في جذب واستقطاب السياح والاستثمارات السياحية، وذلك بدعم من المنظمة العالمية للسياحية. ويزخر السودان بموارد سياحية تتنوع بين الأنهار والمحميات والآثار والجبال.
وتعتزم الوزارة تسجيل مواقع أثرية إضافية في سجل التراث العالمي في «اليونيسكو»، تشمل موقع جزيرة مروي الذي يضم منطقة البجراوية بجوانبها المختلفة، من الأهرامات والمدينة الملكية وموقع جبل البركل.
وتضاف المواقع الجديدة المسجلة في التراث العالمي إلى موقع محميتي (سنجنيب) و(دونقناب) داخل البحر الأحمر اللتين سجلتا في «اليونيسكو»، العام الماضي، إلى جانب 9 محميات للحياة البرية، تتوزع على البيئات المناخية المختلفة، بجانب الآثار.
وأوضح الدكتور محمد أبو زيد مصطفى، وزير السياحة والآثار والحياة البرية في السودان، لـ«الشرق الأوسط»، أن بلاده أنهت مسحاً سياحياً لكل المقاصد في البلاد، حدد مواقع الجذب السياحي والأنهار والمحميات والآثار والجبال.
وأضاف أن المرحلة الثانية للخريطة السياحية للسودان سيتم تقديمها خلال الاجتماع مع الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية الأسبوع المقبل، في أديس أبابا بإثيوبيا، حيث وعد بإيجاد سبل تمويل الخريطة من عدة جهات دولية، على رأسها البنك الدولي، مشيراً إلى أن لجنة خبراء من المختصين من هيئة المساحة أعدوا الخريطة التي تحدد الفرص الاستثمارية، والفترة الزمنية، والموسم الذي يرغب فيه السائح من كل دول العالم.
من جانب آخر، شهدت الخرطوم أخيراً لقاءات وورش عمل عن تطور السياحة، وذلك لوضع خطة موحدة للترويج للمقومات السياحية والآثارية، وتحديدها وتأهيل البنيات التحتية لقيام المشاريع السياحية.
وطالب المشاركون في الورشة التي نظمتها وزارة الثقافة وولاة الولايات الخمس بإتاحة دور أوسع للقطاع الخاص لزيادة حركة الجذب السياحي، في إطار عمليات الترويج السياحي والنهضة الشاملة بالبلاد.
ودعا نائب رئيس الجمهورية، الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن، إلى تخارج الحكومة من قطاع السياحة، وأن تكتفي بإصدار التشريعات والقوانين، ومعالجة تعدد الرسوم المفروضة على السياحة، وذلك ليتولى القطاع الخاص تطوير السياحة والترويج لها، شريطة وجود قطاع خاص مؤهل يستطيع جذب تمويل استثمارات كبيرة، ودمج العدد الكبير في الوكالات إلى كيانات كبيرة تستطيع تحمل هذا التحدي.
من جهته، استعرض الدكتور هيثم محمد فتحي، المحلل الاقتصادي، عضو هيئة المستشارين بمجلس الوزراء، مزايا السودان السياحية، كالتعدد المناخي ووجود 120 هرماً في منطقة واحدة، بمنطقة البجراوية.
وأشار إلى أن هذه الميزة قد أسهمت في تسجيل الموقع في موسوعة التراث الثقافي العالمي، إضافة إلى وجود 9 محميات في أنحاء متفرقة من البلاد، تضم عدداً من الحيوانات والطيور النادرة التي لا توجد في كثير من بلدان العالم.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.