رئيسة لجنة المرأة في هيئة الحقيقة والكرامة التونسية: الإرهاب ثمرة الحكم الديكتاتوري

ابتهال عبد اللطيف أكدت وجود 16 ألف امرأة تعرضن لانتهاكات حقوق الإنسان

ابتهال عبد اللطيف
ابتهال عبد اللطيف
TT

رئيسة لجنة المرأة في هيئة الحقيقة والكرامة التونسية: الإرهاب ثمرة الحكم الديكتاتوري

ابتهال عبد اللطيف
ابتهال عبد اللطيف

كشفت ابتهال عبد اللطيف، رئيسة لجنة المرأة في هيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت لإرساء مسار العدالة الانتقالية وكشف انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، عن حجم الضرر المعنوي والمادي الذي لحق بنحو 16 ألف امرأة تونسية تعرضن لشتى أنواع الانتهاكات ما بين 1955 إلى حدود 2013، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي التي امتدت من 1987 إلى بداية سنة 2011.
وقالت ابتهال في لقاء مع «الشرق الأوسط» في العاصمة التونسية إن عدد الملفات التي توصلت بها هيئة الحقيقة والكرامة بلغ 65 ألف ملف، مشددة على أن قضايا انتهاكات حقوق الإنسان لن تسقط بمرور الزمن، وأن الأطراف التي مارست تلك الانتهاكات لن تملك حصانة أمام هيئة الحقيقة والكرامة. لكنها أقرت في المقابل بوجود صعوبات كثيرة في مواجهة المنظومة القديمة لأنها تستهدف اللجان الست التي تشكلت داخل هيئة الحقيقة والكرامة، ومن بينها لجنة المرأة التي تتعرض للتشهير والتشكيك في أعمالها، إلا أن أعضاء الهيئة المنتخبين من البرلمان يواجهون بعزيمة قوية هذه الممارسات الصادرة عن أصحاب المال والنفوذ، ويدركون أنه ليس من مصلحتهم كشف الحقائق التاريخية والتعرض للمساءلة القانونية والقضائية.
وفي هذا السياق أكدت رئيسة لجنة المرأة أن المرأة التونسية نالت نصيبا وافرا من الانتهاكات المتكررة، حيث تقدمت نحو 16 ألف سيدة بملفات لدى لجنة المرأة خلال الفترة التي فتحت فيها هيئة الحقيقة والكرامة أبواب قبول المطالب من 15 ديسمبر (كانون الأول) 2014 إلى غاية 15 يونيو (حزيران) 2016.
ومن خلال الاستماع إلى نحو 4280 متضررة تبين أن نحو 60 في المائة من المتضررات هن من التيار الإسلامي، وأن أغلب الانتهاكات التي تعرضن لها مرتبطة بحق اللباس، الذي مثل نحو 40 في المائة من الحالات التي اطلعت عليها اللجنة، إضافة إلى انتهاك حق السكن من خلال المداهمات البوليسية، وتعرض نحو 465 حالة للتعذيب (من بين 4280 تم الاستماع إليهن). كما أكدت رئيسة لجنة المرأة تعرض 132 سيدة للاغتصاب، و48 امرأة للطلاق القسري، وهو ما سبب لهن دمارا نفسيا لم يستطعن تجاوزه بسبب ما تعرضن له من أصناف التعذيب، على حد قولها.
وبشأن إمكانية بناء مسار عدالة انتقالية سوي عبر كشف الحقائق والاعتراف بالجرائم والاعتذار من الضحايا، وصولا إلى المصالحة الشاملة، قالت ابتهال إن معظم الضحايا مستعدات للمصالحة، على الرغم من الفظائع التي تعرضن لها، لأنهن يعتبرن قانون العدالة الانتقالية بمثابة أمل أخير لاسترجاع حقوقهن المسلوبة على حد تعبيرها، مشيرة في هذا السياق إلى حالات إنسانية يصعب التعامل معها، ومن بينها سجن فتيات داخل مراكز الإصلاح لنحو ثلاث سنوات دون أن يتمتعن بوثائق قانونية تثبت أنهن قضين تلك العقوبة، وهو ما جعل مسألة طي صفحة الماضي بالنسبة لهن عملية صعبة ولكنها ليست مستحيلة.
ويرى عدد من هؤلاء الضحايا أن الجلاد الأكبر بالنسبة لهن هو المجتمع، الذي لم يفهم حسب تعبير ابتهال طبيعة المرحلة السياسية التي مرت بها تونس خلال فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي على وجه الخصوص، وكيف كان البوليس السياسي يضرب حصارا كبيرا على المنتمين للتيار الإسلامي وبقية التيارات السياسية المعارضة، من اليسار والقوميين، مما جعله يساوي بين التونسيين في الظلم، ويفرض حصارا اجتماعيا على معارضيه، وهو ما حولهم إلى ما يشبه «لعنة» على عائلاتهم التي تعرضت للتضييق أيضا، على حد تعبيرها.
وحول أهمية المصالحة والقضاء على مخلفات الماضي، قالت ابتهال إن هدف هيئة الحقيقة والكرامة هو تحويل الذاكرة الساخنة لآلاف الضحايا (65 ألف تونسي تقدموا بملفات) إلى ذاكرة هادئة، مبرزا أن الأهم من كشف الحقيقة والاعتذار وجبر الضرر والمصالحة، هو إقناع كل الأطراف بعدم تكرار نفس الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يفرض إجراء إصلاحات على مستوى وزارات العدل والداخلية على وجه الخصوص، وتنقيح القوانين وإصلاح منظومة السجون بهدف تغيير العقليات، والاقتناع بأن الاختلاف الآيديولوجي لا يمكن أن يكون مطية لانتهاك حقوق الإنسان مهما كانت درجة الاختلاف.
وبخصوص إمكانية تحول الضحايا إلى جلادين وتطبيق عدالة انتقامية بدل العدالة الانتقالية، قالت رئيسة لجنة المرأة في هيئة الحقيقة والكرامة، إن كل الأطراف العاملة في الهيئة لا تسعى إلى تأليب الضحايا من خلال جلسات الاستماع العلنية، لكنها تعمل على كشف الحقائق وحفظ الذاكرة الوطنية بمختلف تفاصيلها وآلامها، حسب تعبيرها، موضحة أن هناك حملة تعاطف مع الضحايا، وأن جلسات الاستماع العلنية ساهمت بشكل كبير في خلخلة العقليات السائدة، ودفع الجلادين للاعتراف بجرائمهم، وهو ما شكل رد اعتبار اجتماعي مهما للغاية لكافة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
وفي إجابة عن سؤال حول وجود ضحايا جراء قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره النظام السابق سنة 2003، أكدت ابتهال أن المعالجة الأمنية لوحدها لكافة مكونات المجتمع التونسي أثبتت فشلها الذريع في إرساء استقرار اجتماعي حقيقي، ودعت إلى ضرورة معالجة ظاهرة الإرهاب من الجذور، وحملت مدارس الديكتاتورية، على حد تعبيرها، مسؤولية انتشار الإرهاب في صفوف الشباب، وقالت إن الإرهاب «ثمرة سيئة المذاق للحكم الديكتاتوري».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.