التحالفات السياسية في لبنان مهددة بالتمترس الطائفي في معركة قانون الانتخاب

محاولات حثيثة لاستيعاب الانقسام المسيحي ـ الإسلامي حول تمديد ولاية البرلمان

التحالفات السياسية في لبنان مهددة بالتمترس الطائفي في معركة قانون الانتخاب
TT

التحالفات السياسية في لبنان مهددة بالتمترس الطائفي في معركة قانون الانتخاب

التحالفات السياسية في لبنان مهددة بالتمترس الطائفي في معركة قانون الانتخاب

ترنحت التحالفات السياسية القائمة في لبنان منذ سنوات، التي كان يتم اختصارها بفريقي «8 و14 آذار» بشكل غير مسبوق خلال الأسابيع القليلة الماضية، وذلك على خلفية النقاشات المحتدمة حول قانون الانتخاب وتمديد ولاية البرلمان. ولئن كان قد جرى فعليا إعادة النظر بهذه التحالفات بُعيد الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد، فإن الانقسام الذي يتخذ حاليا طابعا طائفيا يهدد بفرط عقد هذه التحالفات بشكل نهائي، وبخاصة، مع تبلور «ثنائية مسيحية» متماسكة في مواجهة «الثنائية الشيعية» القائمة منذ زمن.
ولعل التطورات التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي على خلفية حصول شبه إجماع إسلامي على وجوب تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي للمرة الثالثة على التوالي لتفادي الفراغ البرلماني، مقابل تهديد الأحزاب المسيحية الرئيسية باللجوء إلى الشارع لمواجهة أي عملية من هذا النوع، وضعت لبنان مجددا في عين المواجهة الطائفية. وهي المواجهة التي قامت على أساسها الحرب الأهلية عام 1975؛ وهو ما أدى إلى استنفار معظم القوى، وعلى رأسها رئيسا الجمهورية والحكومة لاستيعاب المستجدات وإعادة القطار إلى سكته.
راهناً، يتلاقى موقف تيار «المستقبل» مع موقفي «الثنائي الشيعي» حركة أمل و«حزب الله» عند وجوب تمديد ولاية المجلس لتفادي الفراغ في مجلس النواب، كما يقترب من التلاقي حول اعتماد «النسبية الكاملة» مع دوائر متوسطة قانونا انتخابيا تجري على أساسه الانتخابات، في حين تدفع الأحزاب المسيحية الرئيسية المتمثلة بـ«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» باتجاه قوانين انتخابية تعتمد «التأهيل الطائفي»، مبتعدة عن مفهوم الديمقراطية العددية التي - حسب رأيها - تهدد الكيان اللبناني ككل.
ومعلوم أنه أثّرت هجرة قسم كبير من المسيحيين خلال العقود والقرون الماضية على عددهم الإجمالي في لبنان؛ فبات المسلمون يفوقونهم عددا. إلا أن غياب الدراسات الحديثة أدّت إلى تضارب في الأرقام، فبينما تفيد موسوعة «ويكيبيديا» بأن عدد المسلمين في لبنان 59.7 في المائة والمسيحيين 39 في المائة، أشارت دراسة إحصائية أجراها «المركز اللبناني للمعلومات – لبنان» إلى أن نسبة المقيمين المسيحيين في لبنان بلغت في عام 2011 نحو 34 في المائة من المجموع العام لسكانه، لافتة إلى أن هذه النسبة ستتصاعد تبعا لعوامل عدة لتبلغ 38 في المائة خلال 19 سنة. إلا أن مصادر أخرى تستبعد تماما، معتمدة على لوائح الشطب، أن يكون مجمل عدد المسيحيين في لبنان يتخطى الـ29 في المائة من عدد سكانه.
ولا يستطيع المسيحيون من خلال قانون الستين الساري المفعول والذي تمت على أساسه الانتخابات في عام 2009 أن ينتخبوا بقوتهم الذاتية أكثر من 35 نائبا من أصلا 64 نائبا مسيحيا، وفق مدير أنطوان مخيبر، مدير شركة 4MGROUP الإحصائية، لافتا إلى أن وحده «القانون الأرثوذكسي» الذي ينص على أن ينتخب المسيحيون نوابهم مقابل انتخاب المسلمين نوابهم، يؤمّن أن نجاح 64 نائبا مسيحيا بأصوات الناخبين المسيحيين. وأوضح مخيبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن أي قانون آخر لا يمكن أن يؤمّن للمسيحيين انتخاب أكثر من 54 نائبا بقوتهم الذاتية، مشيرا إلى أنه «إذا تم اعتماد النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة لا شك سيكون الصوت المسلم هو المؤثر على النتيجة، وسيكون هناك ما بين 10 و12 نائبا يتم انتخابهم بغير الصوت المسيحي». وتابع مخيبر «إلا أنه هناك بالمقابل 9 نواب مسلمين لا تنتخبهم مجتمعاتهم بشكل مباشر، وسينتقلون إلى مقاعد البرلمان بأصوات مذاهب أخرى».
هذا، وأطلق حزب «القوات اللبنانية» في الفترة الماضية شعار «النسبية الكاملة خطر على لبنان» للتنبيه من الضغوط التي يمارسها «حزب الله» بشكل أساسي لاعتمادها. وفي هذا السياق، قال مستشار رئيس حزب «القوات» العميد المتقاعد وهبة قاطيشا إن «النسبية الكاملة تتيح لـ(حزب الله) الإبقاء على حصته النيابية الحالية، وكذلك التعدي على حصص باقي الأفرقاء، وستؤدي إلى الإخلال بالتوازن الوطني». وأضاف قاطيشا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً «هناك فريق استولى على غير حقه خلال الهيمنة السورية على لبنان في الفترة الماضية، وهو حاليا يرفض إعادة الحقوق إلى أصحابها».
من جهته، شدد الأب عبدو أبو كسم، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، على وجوب الانطلاق بالبحث في أي قانون انتخابي من «نص الميثاق الوطني للعيش المشترك (تم اعتماده في عام 1943 ويقسّم السلطة ما بين المسيحيين والسنة والشيعة)، والذي يؤمّن وحده استمرارية وجود كل المكونات وتنوع المجتمع اللبناني»، معتبرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما هو حاصل فعلا ليس خلافا مسيحيا – إسلاميا بقدر ما هو تجاذب حول «الكوتا» التي يتمسك بها كل فريق سياسي للحفاظ على تمثيله في المجلس النيابي». ويضيف أبو كسم «المسيحيون في هذا الشرق حلقة لا يمكن كسرها لا بقانون انتخاب ولا بالعنف، وبخاصة أن ما نشهده أخيرا ليس اعتداء من المسلمين على المسيحيين، بل إرهاب يضرب الاثنين معا».
وفي حين نبّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم أمس من أن «ما يجري في الشرق له غايات سياسية كبيرة، هي إفراغه من المسيحيين وتقسيم المنطقة إلى دويلات عدة»، وجّه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي رسالة «عيد الفصح» إلى اللبنانيين شدّد فيها على أن «الجماعة السياسية في لبنان لا يمكن أن تواصل تقاسم مقدرات البلاد والمناصب والمال العام فيما بين مكوِناتها، وفقا لقدرات النافذين فيها، وتعطيل كل شيء عند خلافاتهم التقاسمية، تحت ذريعة قاعدة التوافق،
غير آبهين بالأضرار الجسيمة التي تلحق بالمؤسسات العامة وبالشعب»، داعيا هذه الجماعة إلى «العبور إلى حقيقة مفهوم الميثاق الوطني، وأبعاد العيش المشترك، وروح الدستور ونصه؛ وإلى حماية هذه الأركان الوطنية الثلاثة التي تميز لبنان»، مشددا على أن «المسيحيين في الشرق الأوسط لا يمكن أن يكونوا مكسر عصا لأحد».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.