حرب كلامية غير مسبوقة بين السلطة وحماس

الحركة اتهمت عباس بقيادة حرب بالوكالة ضد غزة عشية لقاء مرتقب بين الطرفين لوضع حد للانقسام الفلسطيني

حرب كلامية غير مسبوقة بين السلطة وحماس
TT

حرب كلامية غير مسبوقة بين السلطة وحماس

حرب كلامية غير مسبوقة بين السلطة وحماس

اشتعلت حرب كلامية غير مسبوقة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس عشية لقاء مرتقب بين الطرفين في غزة، وذلك لوضع حد للانقسام الفلسطيني.
واستبقت حركة حماس وصولا مرتقبا لوفد اللجنة المركزية لحركة فتح إلى قطاع غزة، وصعدت من حدة اللهجة تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث اتهمته بشن حرب بالوكالة عن إسرائيل ضد قطاع غزة، وذلك بسبب تهديده باتخاذ إجراءات «غير مسبوقة» في حال رفضت «حماس» الخيارات التي سيطرحها وفد المركزية، وجاء ذلك بعد وسط تبادل للاتهامات بين رام الله وغزة، توجت بفتوى من قاضي القضاة محمود الهباش للرئيس عباس بالاستمرار في إجراءاته ضد غزة، واصفا ما يقوم به مثل إحراق «مسجد الضرار».
وقال فوزي برهوم، الناطق باسم حماس، في تصريح صحافي أمس إن عباس يقود حربا بالوكالة عن الاحتلال ضد غزة، مضيفا أن «عباس بحصاره غزة ومعاقبة من فيها وعزلهم ومنع الكهرباء والماء والدواء والعلاج عنهم، وحرمان الموظفين من أبسط حقوقهم، وقطع مخصصات الشهداء والجرحى والشؤون الاجتماعية يعني أنه يقود بالوكالة عدوانا رابعا على غزة». كما أوضح برهوم أن «هذا العدوان يأتي بعد أن شن العدو الإسرائيلي ثلاثة حروب على القطاع، لكنه لم يحقق أي هدف من أهدافه».
وتأتي هذه اللغة مغايرة لأخرى طرحها قادة «حماس» في اليومين الماضيين، بعد أن رحبوا بوفد اللجنة المركزية لحركة فتح، والذي يتوقع أن يصل القطاع في أي وقت قبل نهاية الشهر الحالي لعقد لقاءات مع حركة حماس والفصائل.
ويحمل وفد فتح مبادرة محددة من عباس، تقوم على حل حركة حماس لجنتها التي شكلتها لإدارة غزة، ومن ثم الذهاب إلى انتخابات عامة، وإلا فإن البديل سيكون سن إجراءات أكثر صعوبة ضد غزة.
ولجأت السلطة الفلسطينية إلى فرض خصومات مالية تصل إلى أكثر من 30 في المائة على رواتب موظفيها في قطاع غزة، وهو ما أثار موجة من الغضب في أوساط قيادة فتح بغزة والموظفين التابعين لهم، قبل أن يهدد الرئيس باتخاذ خطوات أخرى لم يحددها.
وقال عباس قبل أيام إنه سيأخذ «خطوات حاسمة غير مسبوقة» خلال الأيام القليلة المقبلة بشأن الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ عشرة أعوام، وأضاف خلال مؤتمر لسفراء السلطة بالدول العربية والإسلامية الذي عقد بالبحرين: «نحن هذه الأيام بوضع خطير وصعب جدا، ويحتاج إلى خطوات حاسمة، ونحن بصدد أن نأخذ الخطوات الحاسمة»، مضيفا أنه «بعد 10 سنوات انقسام تحملناها وقدمنا كل الدعم لأهلنا بغزة، وهذا حقهم علينا، نفاجأ بهذه الخطوة غير المسبوقة (تشكيل لجنة إدارية بغزة)، لذلك سنأخذ خطوات غير مسبوقة بشأن موضوع الانقسام في الأيام القليلة المقبلة».
وحسب متابعين للوضع السياسي، يعتقد أن الرئيس عباس يتحدث عن وقف رواتب البعض، ووقف تمويل مشتريات الكهرباء والوقود والغاز وإجراءات سياسية أخرى. وهذه الإجراءات هي التي أخرجت حركة حماس عن طورها، فقبل أن تهاجم عباس بأنه يقود حربا بالوكالة، أخرجت الحركة جماهيرها في غزة للتظاهر ضد عباس.
وعمدت سلطة الطاقة في قطاع غزة التابعة لحماس إلى قطع الكهرباء لأربع ساعات مساء أول من أمس احتجاجا على ما قالت عنه «الإجراءات الظالمة المتخذة ضد غزة».
وهاجم مشير المصري، القيادي في حماس، الرئيس محمود عباس ودعاه إلى «التوبة قبل فوات الأوان»، محملاً إياه مسؤولية انفجار الأوضاع في قطاع غزة حال اتخذ أي قرارات جديدة.
وقال المصري موجها كلامه للرئيس عباس أمام جماهير محتشدة: «قدم التوبة قبل فوات الأوان فإن التاريخ لن يرحم، والشعب لن يغفر، وعليك أن تعلم أن العدو فشل في تركيع غزة». وأضاف المصري بلهجة متحدية: «لن تمر علينا ألاعيب العدو بتشديد الحصار بأدواته الرخيصة وتشديد الحصار سيرتد بوجه الاحتلال». ومباشرة بعد ذلك ردت حركة فتح بتحميل حماس المسؤولية عن تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة «بسبب سياستها الحزبية الضيقة، ورفضها للوحدة الوطنية والمصالحة، وإصرارها على فصل القطاع عن الوطن». وأكدت حركة فتح أن «حماس تعاقب الشعب الفلسطيني في غزة بحجة استهداف المقاومة والدين كذبا، مشددة على أن حركة فتح تهدف لإنجاز الوحدة في كل مساعيها وجهودها.
وأشارت حركة فتح إلى أن «فاقد الشرعية والمنقلب عليها لا يمنح ولا ينزع الشرعية من أحد»، وأن «تصريحات حماس المعيبة وإخراجها لبعض أعضائها ليهاجموا القيادة الوطنية لا قيمة له بالمطلق، ولن يثنينا عن المضي قدما في استعادة غزة للشرعية وإنجاز الوحدة» ولاحقا هدد القيادي في حماس صلاح البردويل بما وصفه «شطب شرعية عباس» في حال اتخذ أي خطوات «غير توافقية وطنيا». كما قال.
ولم يعرف بعد كيف ستؤثر هذه التصريحات على زيارة وفد فتح إلى غزة. فيما سرت شائعات أمس تقول إن الوفد قرر تأجيل زيارته، وهو ما نفته مصادر قيادية رسمية في وقت لاحق، وأكدت أن الوفد سيزور القطاع ويلتقي قيادة حماس.
ولم تقف الحرب الكلامية بين السلطة وحماس على الشأن السياسي وحسب، بل أعطاها قاضي القضاة الفلسطينيين فتوى شرعية لصالح عباس، حيث هاجم محمود الهباش قاضي القضاة الفلسطينيين بشكل قاسٍ للغاية حركة حماس، وشبه قطاع غزة بـ«مسجد الضرار» الذي يجب اتخاذ إجراءات صارمة ضده «لإحباط مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية».
ودعا الهباش الفلسطينيين كذلك خصوصاً في غزة للتصدي إلى جانب القيادية لمؤامرة «حماس» وإفشالها.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.