الجزائر: شبح مقاطعة الانتخابات يؤرق النظام

الناخبون مخيَرون يوم 4 مايو بين المؤسسات... والمصير الليبي للفوضى

الجزائر: شبح مقاطعة الانتخابات يؤرق النظام
TT

الجزائر: شبح مقاطعة الانتخابات يؤرق النظام

الجزائر: شبح مقاطعة الانتخابات يؤرق النظام

تبدي الحكومة الجزائرية حرصا شديدا على أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، بكثافة يوم 4 مايو (أيار) المقبل، وتتعامل مع الاستحقاق البرلماني المرتقب على أنه مسألة حياة أو موت تخص شعبا بكامله. وعلى هذا الأساس، لا يتردد رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وكذلك الأحزاب الموالية لها، في ممارسة التخويف من مصير شبيه بما يجري في ليبيا من فوضى وخراب، إذا تجاوبت غالبية الجزائريين مع الدعوة إلى مقاطعة الانتخاب. ويقول مراقبون إن أكثر ما تخشاه السلطات، ليس تغيب الناخبين عن مراكز التصويت، بل اختيارهم غالبية أخرى غير تلك التي تهيمن على مؤسسة التشريع منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم قبل 18 سنة، وتتمثل في «جبهة التحرير الوطني»، أي حزب الرئيس، و«التجمع الوطني الديمقراطي» بقيادة وزير الدولة مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحيى الذي يعد من أبرز مساعدي بوتفليقة، وهو رئيس حكومته سابقاً.
جمعت «الشرق الأوسط» آراء شخصيات سياسية وناشطين ومواقفهم، بخصوص الرهانات المرتبطة بالانتخابات البرلمانية الجزائرية المقررة يوم 4 مايو المقبل، ونتائجها المتوقعة، وقراءاتهم لـ«الهوس الحكومي»، بخصوص دفع الملايين من الناخبين إلى التصويت. وقال وزير الدولة سابقا أبو جرة سلطاني: «دخلت التشكيلات السياسية، التي تجاوزت عقبة 4 في المائة (الحد الأدنى من الأصوات المحصل عليها في آخر انتخابات)، مضمار السباق نحـو قصر زيغود يوسف (مبنى البرلمان)، في أجـواء الاصطفاف على باب انتخابات الرئاسة المرتقبة دستوريا سنة 2019. وقبل إطلاق صافرة الركض تلقاء الحملة رسميا، قـرأ الرأي العام الوطني في الصفحة الأولى لحملة الانتخابات عنوانين بارزين: (لا تحلمـوا بالتغييـر فالاستمـرارية ضمان استقـرارنا، ولا يوجد من بين المتسابقيـن جواد يملك منافسة الحصان العتيد). وطبعاً: (الحصان العتيد) يقصد به (جبهة التحرير) الحزب الواحد الحاكم سابقاً».
وبحسب سلطاني، هذا يعني أن الأمور ستبقى على حالها «... وأن الكعكة البرلمانية ستحتفظ بأقساطها التقليدية لصالح الأُسـر السياسية، وليس لحساب الأحزاب المتنافسة ولا درّ في الصدفّ». ويفهم من كلام سلطاني، أن سيطرة ما يسمى «أحزاب الموالاة» على البرلمان ستستمر لخمس سنوات أخرى. ويضيف سلطاني «نصف الكعكة سيكون من نصيب الأسرة الوطنية، وثلثها للتيار العلماني وحواشيه، وأقل من خمسها بقليل سيتقاسمه التيار الإسلامي والمنشقون عنه... ويبقى ربع العشـر من فُتات الكعكة يؤول إلى المستقلين. بهذا المشهد الراجح يحتفظ تحالف الوطنيين والعلمانيين بالأغلبية الساحقة لتشكيل الحكومة المقبلة. ويُفتح للتيار الإسلامي رواق ضيّق لمـن تابوا وأصلحـوا وبينوا. أما المقاطعون فلا حظ لهم في عيـر النظام، ولا تأثيـر لهم على نفير الشعب. فلا شيء تغيّـر في برمجيات النظام، ولا جديد في برامج الأحـزاب، ولن تحرك الشعب دغدغات العواطف. فالكتلة الناخبة تصارع وحدها أزمة تدهـور القدرة الشرائية، وتحترق وحدها بلظى التهاب الأسعار...».

الانسجام المهدّد
أما قراءة أحميدة عياشي، الكاتب الصحافي والروائي المسرحي المعروف، لمجريات العملية الانتخابي، فهي كما يلي «تعيش السلطة اليوم لحظة في غاية الحرج؛ كونها لم تغيّر من الوضع شيئا منذ الولاية الرابعة لبوتفليقة، بل ازداد الوضع تدهورا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، ولم يتحقق أي شيء من الوعود التي قدمت للجزائريين منذ أربع سنوات. وحتى الانسجام النسبي الذي كان داخل سرايا الحكم قد تصدع، وبات الصراع الخفي شبه معلن بين هيئة أركان الجيش ورئاسة الجمهورية، التي أضحت أكثر هشاشة بسبب مرض الرئيس بوتفليقة، وغيابه عن المشهد السياسي الفعلي؛ ما جعل المخاوف تتعاظم والقلق يتزايد».
وحقاً، يرى كثير من المراقبين، أن الاضطراب الذي يميز تصرّفات رجال النظام وخوفهم من التغيير بمناسبة الاستحقاق المرتقب، سببه مرض الرئيس وغموض الرؤية بخصوص مصيره في الحكم، وشكوك قوية في قدرته على الاستمرار إلى نهاية الولاية الرابعة عام 2019. وحسب عياشي فإن «المحيط الإقليمي (الأوضاع في ليبيا ومالي) ظل يشكل شبحا بالنسبة للاستقرار الذي ضخت السلطة من أجل الحفاظ عليه - ولا تزال - أموالا طائلة. ومن هنا أدركت الحكومة اليوم أنها تواجه خطرا غير مسبوق؛ ما جعلها تتفاوض في الخفاء، وبشكل فردي، مع المعارضة... التي هي الأخرى تعيش لحظة ضعف وتمزق وفقدان شرعية حقيقية في الشارع، بغية الوصول إلى مشهد توافقي صوري. وتمت خلال ذلك عملية مقايضة، بحيث تبدو السلطة وكأنها تملك مصداقية وشرعية، نظير حصول المعارضة على مقابل متمثل في المحاصصة التي تضمن لها مقاعد في البرلمان وحقائب في الحكومة المرتقبة. كل ذلك يجري تمهيدا لتموقع جديد في ظل انتخابات الرئاسة المنتظرة، لكن هذه التسوية تتم في حالة من اللامبالاة وانعدام الثقة عند المواطنين».
ويتابع عياشي «في الحقيقة، تسعى السلطة من وراء هذه الصفقة إلى إشراك المعارضة أو جزء منها، في تحمل مسؤولية فشل الحقبة الأخيرة من حكم بوتفليقة. ومن هنا نلاحظ هذه النبرة الحادة من الحكومة، تجاه من طالبوا من الأقلية المتواجدة في المعارضة من تيارات وشخصيات سياسية بمقاطعة الانتخابات، واتهامهم بالعمالة لقوى أجنبية مفترضة تريد الشر للجزائر، ومن ثم، تقديمهم إلى الرأي العام على أساس أنهم يمثلون محور الشر. وبذلك؛ تعيد السلطة إنتاج الخطاب نفسه الذي استعملته ضد الذين عارضوا الولاية الرابعة لبوتفليقة، محاولة بذلك قطع الطريق أمام انطلاق شرارة الموجة الثانية من (الربيع الجزائري)، التي تستميت السلطات في الحؤول دون اندلاعه. وكل هذا، والجبهة الاجتماعية خصوصا تعيش وضعا غير مسبوق من حيث الانحدار اللافت للقدرة الشرائية للجزائريين، وعجز السلطة في ظروف الأزمة الاقتصادية عن شراء السلم الاجتماعي... كما فعلت في وقت الرخاء». ويطلق مسمى «السلم الاجتماعي» في الجزائر على إجراءات اتخذت في زمن الوفرة، كتوزيع السكن واستيراد كماليات كثيرة؛ بغية ثني الجزائريين عن المطالبة بتغيير النظام.

المقاطعة... والديمقراطية
في المقابل، يبدو ناصر حمدادوش، البرلماني الإسلامي والقيادي في «حركة مجتمع السلم»، أقل تشاؤما من عياشي، فوفق مرئياته «الأصل أن هذه الانتخابات فرصة للجزائر لتثبت احترام الإرادة الشعبية بالآلية الديمقراطية من أجل التغيير والإصلاح الحقيقي. ولذلك؛ لا يسعنا إلا أن نشارك فيها بقوة، لانعدام أي مشروع سياسي آخر وبديل عملي فاعل لتحقيق التغيير. ونحن بصفتنا حزبا قدمنا ما علينا في هذا الشأن رسائل سياسية إيجابية، والكرة الآن في مرمى السلطة لإثبات حسن النية للعبور بالبلاد إلى بر الأمان، ولاحتواء أي أزمة محتملة في المستقبل قد تعصف بمؤسسات شرعية وذات مصداقية».
ويتفق حمدادوش إلى حد ما مع الحكومة، بخصوص مقاطعة الاستحقاق، قائلا: «المقاطعة ليست برنامجاً سياسيا، بل هي موقف. وإذا تغنى البعض بأن الأغلبية الصامتة تعتبر مقاطعة، منذ توقيف المسار الانتخابي عام 1991 (إلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، فماذا قدمت الأغلبية ما عدا الركون إلى الحلول المريحة والسهلة؟». ويستطرد «المقاطعة لا تخدم إلا استمرار الوضع كما هو، وهو ما يعني الانسحاب والسلبية التي لا تخدم إلا مزوّري الانتخابات. إن الاستماتة في المقاطعة لا تعني أننا سنصل إلى الديمقراطية الحقيقية. وللأسف الشديد لا تزال الإرادة السياسية العليا غائبة بخصوص احترام الإرادة الشعبية عبر الآلية الديمقراطية؛ وهو ما يجعل ذهنية السيطرة والتحكم في نتائج الانتخابات مهيمنة، وبالتالي، لا يسمح بالتداول السلمي على السلطة. ولكن رغم كل ذلك، تبقى المقاومة السياسية والنضال الديمقراطي مستمرا؛ لأن الحقوق تُؤخذ ولا تُعطى».
من جانب ثانٍ، يلاحظ حمدادوش أن «تصرفات السلطة تزيد في العزوف الانتخابي، وبخاصة عندما تكرّر الأسطوانة المشروخة نفسها حول تخيير المواطن بين الأمن والاستقرار وبين الديمقراطية»، في إشارة إلى تصريحات لمسؤولين جاء فيها أن «شبح الحرب الأهلية في ليبيا، يخيم على الجزائر إذا تخلف الجزائريون عن انتخاب مؤسساتهم الشرعية». ويتابع البرلماني الإسلامي، موضحاً موقفه وموقف تياره السياسي «إن هواجسنا من التزوير، الذي هو أخطر أنواع الفساد التي تهدد مستقبل البلاد، مبنية على سوابق حقيقية. وعندما يتبجّح الآن رموز السلطة بأن التزوير خلال المواعيد السابقة كان ضرورة لمصلحة البلاد، فهو إيحاء سلبي لتهيئة الرأي العام لقبول التزوير في المستقبل، لأن الظروف الحالية أسوأ وأخطر من السابق».

رؤية لاجئ من الخارج
من جهته، يقول: أنور هدام، اللاجئ السياسي بالولايات المتحدة الأميركية ورئيس «حركة الحرية والعدالة الاجتماعية» إن الوضع في الجزائر يتميز بـ«غياب إرادة حقيقية للتغيير السلمي والتداول الحضاري على السلطة لدى، أصحاب القرار». ويعود هدام إلى الوعود بالإصلاح الدستوري التي سبق أن أطلقها الرئيس بوتفليقة قبل 6 سنوات، فيقول: «الإصلاحات السياسية التي أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطاب يوم 14 أبريل (نيسان) 2011 في خضم الربيع الديمقراطي الذي شهدته آنذاك منطقتنا، زرعت آمالا كبيرة في نفوس الجزائريين لإحداث تحول سياسي سلمي يضع حدا لأزمة اختيار السلطة السياسية في البلد، وما ترتب عنها من أزمات أمنية واجتماعية واقتصادية. لكن كما لوحظ بحق الكثير من النشطاء السياسيين وحقوق الإنسان الجزائريين، فإن مجموعة القوانين التي صدرت لتنفيذ تلك الإصلاحات السياسية، كخطوة لتعميق العملية الديمقراطية، زادت في الواقع من التضييق على المجتمع والحقل السياسي».
وهنا يرى القيادي البارز في «جبهة الإنقاذ» سابقاً (استقال من صفوفها) أن «لهذه الإصلاحات التجميلية السطحية، والاستمرار في سياسة الاستبعاد غير العادلة لجزء كبير من المجتمع من العملية السياسية، تأثيرا مباشرا، ليس فقط على شفافية الانتخابات المقبلة، لكن أيضا على المجتمع الجزائري ككل ومستقبله، فضلا عن المنطقة المغاربية برمتها». ثم يلاحظ «عدم وجود بيئة سياسية صحية يمكن أن تجري فيها انتخابات نزيهة». ويتابع هدام إن «أصحاب القرار يعتبرون في الانفتاح الديمقراطي الذي تشهده بعض الدول المجاورة - رغم تعثره - تهديدا لاستقرار الجزائر والمنطقة ينبغي وضع حد له. ومن هنا استمرارهم في رفض وعرقلة التحول الديمقراطي في بلدنا؛ ذلك أن الإدارة ما زالت منحازة ومدجنة، حيث لا سلطة حقيقية للجنة مراقبة الانتخابات على العملية الانتخابية».
ويضيف هدام «هناك شريحة عريضة من السياسيين، ما زالت ممنوعة من حق الترشح في الانتخابات» - في إشارة إلى قياديي وحركيي «الإنقاذ» الذين تحملهم السلطة مسؤولية الدماء التي سالت خلال الحرب الأهلية، في تسعينات القرن الماضي - ويستطرد «ما زال جزء كبير ممن انتخبهم الشعب في أكثر الانتخابات نزاهة عرفتها الجزائر منذ الاستقلال (1991)، ممنوعا من ممارسة حقوقه المدنية والسياسية، بتهمة وقوفه وراء المأساة الوطنية، بعيدا عن أي تحقيق مستقل في كل الجرائم التي ارتكبت بحق الأبرياء، وفي غياب أي حكم قضائي يحدد المسؤوليات في تلك الأحداث الأليمة... كل ذلك يشكل عقبات في وجه التغيير المنشود ووسيلة تزوير مسبق للانتخابات والتلاعب بنتائجها».
وتجدر الإشارة، إلى أن في الجزائر، ما يسمى بـ«العشرية السوداء» التي ترمز إلى الإرهاب والدمار، دفعت بالسلطة إلى اتخاذ تدابير دستورية وقانونية، حدّت من نطاق انتشار الإسلامويين سياسيا. وجرت مساع لعودة هدام إلى الجزائر عام 2006 في إطار سياسة «المصالحة»، لكن جهة في النظام رفضت ذلك، وتتهم السلطات هدام بتبني عملية إرهابية وقعت عام 1994 بقلب العاصمة خلفت 40 قتيلا، بينما هو ينفي ذلك. ويرى هدام أنه «رغم سلبيات الوضع الحالي، فإن آفاق تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في الجزائر، التي قد تُفتح على الشعب الجزائري، تدفعنا في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية إلى تجديد الدعوة لكل مخلص وطني له يد داخل السلطة الفعلية، ممن هم جادين في مسألة إحداث التغيير المنشود، إلى تكثيف التواصل للمساهمة الحقيقية والفعلية... وذلك من أجل تحقيق توافق وطني للعمل معا لرفض الاستمرار في تنظيم انتخابات مزورة حتى قبل أن تجري، وتوفير الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات تعددية نزيهة وشفافة تسمح لشعبنا بتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي، من خلال فتح المجال للمشاركة السياسية لجميع الجزائريين دون أي إقصاء؛ وإطلاق هيئة انتخابات مستقلة حقيقة تشرف على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، ونشر قائمة لائحة الناخبين؛ والتعهد باحترام نتائج الانتخابات. إن الانتخابات التي تهدف إلى فرض اختيار أصحاب القرار، بدلا أن تتيح للشعب انتخاب ممثليه، لا تكرس الفساد والاسترزاق بالمال العام فحسب، بل تحرم كذلك المجتمع من الأمل بأي إصلاح أو تغيير سلمي».

برلمان عاجز عن الرقابة
على صعيد آخر، للباحث عدة فلاحي، الذي كان برلمانيا قبل أكثر من 10 سنوات، رأي في الحراك السياسي الجاري المرتبط بالاقتراع؛ إذ يقول: «السلطة التشريعية على العموم بالجزائر هي سلطة شكلية، وجدت لإعطاء الشرعية للسلطة التنفيذية وللنظام أكثر من كونها معبرة عن توجهات وخيارات المواطن. ولو كان الأمر غير ذلك، لتمت تسوية الكثير من الملفات وحلّ الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية، التي تكبر ككرة الثلج، وبالخصوص، مع تراجع نوعية المنتخبين بالمجلس التشريعي... الذي للأسف شهد أسوأ فتراته حينما جاء على رأسه شخصية من المفروض أنها كانت تحسب على النخبة المثقفة، وهو الدكتور العربي ولد خليفة. وهذه صورة أخرى من البؤس المؤسساتي، حينما يخفق رجل مثقف في أن يعطي للمؤسسة التشريعية مصداقيتها وصلاحياتها، فإذا كان هذا هو الحال وهذه هي النتيجة، كيف يمكن التعويل على من هو دونه في المستوى وفي التجربة؟!».
ويفضل فلاحي التعاطي مع الاستحقاق، بطرح السؤال التالي «هل مطلوب من البرلمان أن يشرَع القوانين... أم يناقش ويصادق على النصوص التي تأتيه من الحكومة...أو في شكل أوامر رئاسية؟ حتى هذه الصلاحية الأساسية أخفق فيها، ولم يعد يجتهد في أن يصدر تشريعات لمصلحة المواطن، بل يكتفي بالتنديد والشجب وإصدار البيانات في أحسن الحالات». ويردف «أمام العجز في مجال التشريع والمحدودية في أداء مهمة الرقابة على أعمال الحكومة، وغياب النواب عن الجلسات العامة وأشغال اللجان البرلمانية، واللجوء للطرق السهلة في طرح الأسئلة الشفوية، التي توظف في الغالب كإشهار لصاحبها أكثر من الرغبة في الوصول إلى الحقيقة، والتكفل بانشغال المواطن، لا يمكن أن نتفاءل خيراً بالبرلمان الجديد؛ لأن غالبيته للأسف ستكون مكلفة بمهمة ليست مهمة النائب».
وبشأن التخويف من «مستقبل مظلم»، إذا لم ينتخب الجزائريون بقوة الشهر المقبل، يرى فلاحي أن «التخوّف والتخويف دليل على هشاشة السلطة، وإلا لترك الأمر يمر عاديا. ولو عالجت السلطة المشكلات أيام الأمن والرخاء لما احتاجت إلى علاجات أخرى تخلق بها «فوبيا البلقنة» التي تعيشها بعض الدول العربية. ولكن أمام هذا المأزق السياسي المزمن، تتحمل النخبة المثقفة بمن فيها رجال الدين، المسؤولية. فما معنى أن تدعو بعض الزوايا المهتمة بتحفيظ القرآن، في خطاباتها إلى ضرورة الذهاب للانتخابات؟ ألم يقل وزير الشؤون الدينية محمد عيسى بأن الزوايا مستقلة عن الحكومة... ولا دخل لها في السياسة؟».
إن التخويف لأكبر دليل على أن «السلطة معطوبة»، كما قال الراحل عبد الحميد مهري (أمين عام «جبهة التحرير» سابقاً). والمفارقة الآن هي أن السلطة تريد أن تبقى معطوبة... وكأن ذلك هو الذي يعطيها حق البقاء؛ لأن هذا العطب توظفه لصالحها بالتخويف. وللأسف مرة أخرى، عطب السلطة أضحى وسيلة للبقاء وليس مدعاة للتغيير!».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.