معارك اليسار الفرنسي على طريق الحكم

قراءة حول أداء مرشحيه إبان عهد «الجمهورية الخامسة»

فرنسوا ميتران
فرنسوا ميتران
TT

معارك اليسار الفرنسي على طريق الحكم

فرنسوا ميتران
فرنسوا ميتران

* تعرف الحقبة السياسية الحالية بـ«الجمهورية الفرنسية الخامسة»، وارتبط تأسيسها بشخصية الجنرال شارل ديغول «منقذ» فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية. أما أول انتخابات رئاسية عرفتها فأجريت يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) 1958 فكانت الانتخابات التي تنظم على أساس نظام «المجمع الانتخابي»، حيث يشكل أعضاء المجالس التمثيلية بدءاً بأعضاء المجالس البلدية والعمد، وانتهاء بالبرلمان الهيئة الناخبة. ولكي يفوز المرشح عليه الحصول على 50 في المائة أو أكثر من الأصوات. غير أن هذا النظام ألغي بعد استفتاء نظم عام 1962، واستعيض عنه بالاقتراع المباشر في انتخابات عام 1965.
في الانتخابات الأولى عام 1958 خاض اليسار الفرنسي المعركة ضد الجنرال ديغول بالمرشح الشيوعي جورج ماران، لكن ديغول فاز بغالبية ساحقة بلغت 78.51 في المائة من أصوات «المجمع»، مقابل أقل بقليل من 13 في المائة لماران، وحاز مرشح ثالث هو ألبير شاتليه على النسبة الباقية.

انتخابات 1965
في الانتخابات الثانية عام 1965 مثّل اليسار المرشح الاشتراكي (الرئيس لاحقاً) فرنسوا ميتران، الذي حصل في الدورة الأولى على 32 في المائة من الأصوات، متخلفاً عن الرئيس الجنرال شارل ديغول - المرشح الأبرز لليمين والوسط - الذي حصل على 45 في المائة، وبالتالي اضطر إلى خوض جولة إعادة ضد ميتران. وفي الجولة الثانية الحاسمة فاز ديغول 55 مقابل 45 في المائة لميتران، ليبدأ فترة رئاسية جديدة. وللعلم، ترشح في الجولة الأولى مرشح يساري ثان هو مارسيل باربو، لكنه لم يحصل سوى على 1.15 في المائة من الأصوات.

انتخابات 1969:
أجريت هذه الانتخابات مبكرة عن موعدها الأصلي إثر استقالة ديغول (78 سنة)، في أعقاب خسارته استفتاءً شعبياً لإجراء تعديلات تتصل بمجلس الشيوخ والإدارات المحلية. ولقد خاض اليسار هذه الانتخابات منقسماً ومتشرذماً خلف مرشحين ماركسيين واشتراكيين عدة، أبرزهم القيادي الشيوعي العتيق جاك دوكلو، وعمدة مدينة مرسيليا الاشتراكي غاستون دوفير (صار وزيراً فيما بعد)، وزعيم الحزب الاشتراكي الموحّد ميشال روكار (صار رئيساً للوزراء فيما بعد)، ومعهم الاشتراكي الراديكالي لوي دوكاتيل، واليساري التروتسكي آلان كريفين.
وبسبب تشرذم اليسار عجز مرشحوه عن بلوغ الجولة الثانية التي حسمها المرشح الديغولي ورئيس الوزراء يومذاك جورج بومبيدو لمصلحته، متغلباً على المرشح الوسطي آلان بوهير، رئيس مجلس الشيوخ ورئيس الجمهورية بالوكالة (بحكم رئاسته مجلس الشيوخ) في حينه، بـ58.2 في المائة مقابل 41.8 في المائة. ولقد تصدّر دوكلو مرشحي اليسار في الجولة بحصوله في الجولة الأولى على 21.27 في المائة، محتلاً المرتبة الثالثة خلف بوهير بفارق بسيط (أكثر بقليل من 2 في المائة).

انتخابات 1974:
أجريت بعد وفاة الرئيس جورج بومبيدو إبان شغله منصب الرئاسة. وهذه المرة كان اليسار أقل انقساماً من قوى اليمين والوسط، وبرز فرنسوا ميتران بعد إعادته توحيد صفوف الاشتراكيين وتنظيمهم الحزبي وسحبه إليه نسبة كبيرة من القاعدة الشعبية للشيوعيين. وفي المقابل، انقسم اليمين والوسط بين مرشحين قويين هما المرشح الديغولي جاك شابان دلماس رئيس الوزراء السابق (ورئيس مجلس النواب لاحقاً) وعُمدة مدينة بوردو (بين1947 و1995) ووزير المالية فاليري جيسكار ديستان زعيم تيار الوسط الجمهوري المستقل (يمين الوسط).
وأخفق شابان دلماس، تحت وقع بعض الفضائح التي أثارتها الصحافة الشعبية، في التقدم من الجولة الأولى إلى الثانية؛ إذ احتل المرتبة الثالثة خلف المتصدر ميتران (43.25 في المائة) وجيسكار ديستان (32.6 في المائة)، ولم يحصل إلا على 15.1 في المائة من الأصوات. وكان بين أبرز مرشحي اليسار الآخرين، بجانب ميتران، كل من البيئي رينيه دومون واليسارية المتشددة آرليت لاغييه والتروتسكي آلان كريفين. وفي المقابل، شهدت هذه المعركة إطلالة مرشح جان ماري لوبان اليمين المتطرّف الذي حصل على أقل من 1 في المائة من الأصوات.
ولكن في الجولة الثانية، عادت قوى اليمين والوسط، هذه المرة، فاصطفت كلها خلف جيسكار ديستان ليفوز على ميتران بفارق بسيط (50.8 في المائة مقابل 49.2 في المائة) ويدخل قصر الإليزيه.

انتخابات 1981
شهدت هذه الانتخابات تطوّراً مفصلياً في الحياة السياسية المعاصرة لفرنسا في عهد «الجمهورية الخامسة»؛ إذ أصبح فرنسوا ميتران، زعيم الاشتراكيين واليسار الفعلي، أول رئيس يساري للجمهورية.
المثير في الأمر أن ميتران احتل المرتبة الثانية في الجولة الأولى خلف الرئيس جيسكار ديستان (25.85 في المائة مقابل 28.32 في المائة)، وجاء ثالثاً المرشح الديغولي جاك شيراك، عمدة باريس ورئيس الجمهورية لاحقاً. ولقد جمع شيراك يومها نسبة 18 في المائة، في حين حصل جورج مارشيه، أمين عام الحزب الشيوعي – كان يومذاك ثاني أكبر الأحزاب الشيوعية في أوروبا بعد الحزب الشيوعي الإيطالي – على 15.35 في المائة من الأصوات. وكان أبرز مرشحي اليسار الآخرين في هذه الانتخابات المرشح البيئي بريس لالوند، واليسارية المتشددة آرليت لاغييه، ومرشح الراديكاليين الاشتراكيين ميشال كروبو.
ومن ثم، تقدم جيسكار ديستان وميتران إلى الجولة الثانية الحاسمة، ولكن هذه المرة حقق ميتران فوزه التاريخي بـ51.76 في المائة مقابل 48.24 في المائة لجيسكار.

انتخابات 1988
جدّد فرنسوا ميتران في هذه الانتخابات، مرشحاً عن اليسار، انتصاره واحتفظ بالرئاسة لفترة ثانية. وتحقق للرئيس الاشتراكي ذلك على الرغم من الانقسامات المعهودة في المعسكر اليساري، ذلك أنه بجانب ميتران رشحت القوى والحركات اليسارية عدداً من المرشحين أبرزهم: آندريه لاجوانيي (الحزب الشيوعي) وأنطوان ويشتير (حزب الخضر البيئي) وبيار جوكان (الحزب الاشتراكي الموحّد والرابطة الشيوعية الثورية) وآرليت لاغييه (حزب الشغيلة). ومع هذا تصدّر ميتران الجولة بفارق مريح وتقدّم إلى الجولة الحاسمة جامعاً 34.1 في المائة من الأصوات.
أما في معسكر اليمين والوسط، فتولّى جاك شيراك (رئيس الوزراء بين 1986 و1988) قيادة الديغوليين، واحتل بدعمهم المرتبة الثانية حاصلاً على 19.94 في المائة، متقدماً بذلك على ريمون بار، مرشح الوسطيين - أنصار جيسكار ديستان - (رئيس الوزراء بين 1976 و1981. ووزير الاقتصاد والمالية سابقاً) الذي حصل على 16.55 في المائة. غير أن المؤشر الخطير حقاً الذي حملته هذه الانتخابات كان التصاعد الكبير والمقلق لأصوات اليمين المتطرف؛ إذ حصل جان ماري ماري لوبان هذه المرة على نحو 14.4 في المائة من الأصوات (مقابل أقل من 1 في المائة في الانتخابات السابقة).
وفي الجولة الحاسمة تغلّب ميتران على شيراك بنحو 54 في المائة مقابل نحو 46 في المائة من الأصوات.

انتخابات 1995
في هذه الانتخابات انقسم اليسار، وكذلك اليمين، في الجولة الأولى. إذ مثّل الاشتراكيين ليونيل جوسبان، وزير التربية والرياضة السابق وأمين أول الحزب الاشتراكي (تولى رئاسة الوزراء لاحقاً)، بينما سار الشيوعيون خلف مرشحهم روبير أو، وخاضت المعركة أيضا شراذم يسارية وبيئية أخرى. وفي المقابل، كان المرشحون الأبرز لليمين المرشح الديغولي جاك شيراك ومنافسه إدوار بالادور (رئيس الوزراء بين 1993 و1995) المتمتع بدعم يمين الوسط، وجان ماري لوبان زعيم «الجبهة الوطنية» عن اليمين المتطرف.
ومع أن جوسبان تصدّر المتنافسين في الجولة الأولى بـ23.3 في المائة مقابل 20.84 في المائة لشيراك و18.58 في المائة لبالادور 15 في المائة للوبان، فإن الجولة الثانية الحاسمة أسفرت عن فوز شيراك بـ52.64 في المائة مقابل 47.36 في المائة. وبالتالي، استعاد اليمين الرئاسة.
هذه الانتخابات شهدت عملياً تراجعاً دراماتيكياً في شعبية الشيوعيين؛ إذ عجز مرشحهم روبير أو عن جمع ما هو أكثر من 8.64 في المائة فقط. في حين حصلت اليسارية المتشددة آرليت لاغييه على أكثر من 5 في المائة، والمرشحة البيئية دومينيك فوانييه على أكثر من 3.3 في المائة.

انتخابات 2002
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأولى التي يشهدها القرن الـ21، كان انهيار اليسار شبه كامل. إذ عجز عن توصيل أي من مرشحيه إلى الجولة الثانية الحاسمة، في حين أكد عنصريو اليمين المتطرف حضورهم. إذ احتل مرشحهم جان ماري لوبان المرتبة الثانية في الجولة، متخلفاً بفارق بسيط نسبياً عن رئيس الجمهورية (16.86 في المائة مقابل 19.88 في المائة لشيراك)، بينما جاء أبرز مرشحي اليسار ليونيل جوسبان (رئيس الوزراء بين 1997 و2002) ثالثاً بفارق ضئيل خلف لوبان؛ إذ جمع 16.18 في المائة من الأصوات.
وفي حين جاء الوسطي فرنسوا بايرو (وزير التربية السابق) رابعاً، حصل عدد من مرشحي اليسار عن بلوغ حاجز الـ6 في المائة، أبرزهم أرليت لاغييه، والوزير الاشتراكي اليساري السابق جان بيار شوفنمان، والمرشح البيئي نويل مامير، والشيوعي الثوري الشاب أوليفييه بيزانسونو. أما المرشح الشيوعي روبير أو ففشل حتى في الحصول على نسبة 4 في المائة.
وفي ضوء نتائج الأولى الكارثية لليسار، وبالأخص للحزب الشيوعي، اصطف اليساريون خلف شيراك لمنع فوز لوبان. وهذا ما حصل؛ إذ فاز شيراك بغالبية كاسحة بلغت أكثر من 82 في المائة من الأصوات، بينما أخفق لوبان في بلوغ الـ18 في المائة.

انتخابات 2007
خاض انتخابات 2007 عن اليسار الوزيرة السابقة سيغولين رويال لتغدو أول امرأة تترشح لرئاسة الجمهورية عن حزب سلطة كبير، ومعها مجموعة من المرشحين اليساريين الآخرين، أبرزهم ماري جورج بوفيه، الأمينة العامة للحزب الشيوعي، وهي أيضاً وزيرة سابقة، والشيوعي الثوري أوليفييه بيزانسونو وآرليت لاغييه وجوسيه بوفيه الناشط ضد العولمة. أما في معسكر اليمين، فكان المرشح الأبرز نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية ووزير المالية السابق، ومعه زعيم «الجبهة الوطنية» جان ماري لوبان عن اليمين المتطرف والمرشح اليميني المناوئ للتكامل الأوروبي فيليب دو فيلييه. وفي الوسط كان هناك الوزير السابق فرنسوا بايرو.
وتصدر ساركوزي تلته رويال الترتيب في الجولة الأولى بـ31.18 في المائة و25.87 في المائة على التوالي، فتقدما إلى الجولة الثانية، التي أسفرت عن فوز ساركوزي جامعاً أكثر بقليل من 53 في المائة من الأصوات مقابل نحو 47 في المائة لرويال.

انتخابات عام 2012
في هذه الانتخابات نهض اليسار من غفوته الطويلة واستعاد الحكم، لأول مرة بعد نهاية فترة فرنسوا ميتران الثانية عام 1995. ولقد تصدر القيادي الاشتراكي فرنسوا هولاند المرشحين المتنافسين في جولة الاقتراع متقدماً على الرئيس نيكولا ساركوزي جامعاً 28.63 في المائة من الأصوات مقابل 27.18 لساركوزي. وكان أبرز مرشحي اليسار الآخرين في هذه الجولة جان لوك ميلونشون الذي جاء رابعاً خلف مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف – التي كانت قد أزاحت أباها جان ماري – عن زعامة «الجبهة الوطنية»؛ إذ حصلت لوبان يومذاك على 17.90 في المائة من الأصوات وميلونشون على 11.10 في المائة. وكان هناك من اليساريين البيئية إيفا جولي وفيليب بوتو المناهض للرأسمالية وناتالي أرتو من اليسار التروتسكي المتشدد.
وفي الجولة الثانية الحاسمة فاز هولاند بالرئاسة لحصوله على 51.64 في المائة مقابل 48.36 في المائة لساركوزي.



بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»
TT

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

متعهداً بـ«استكمال مسيرة من سبقوه»، تسلّم الدبلوماسي المخضرم الدكتور بدر عبد العاطي مهام عمله وزيراً للخارجيّة والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ضمن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي الجديدة التي أدّت اليمين الدستورية في الثالث من يوليو (تموز) الحالي.

عبد العاطي، الذي لقبته الصحافة المحلية بـ«مهندس العلاقات المصرية - الأوروبية»، ووصفه سياسيون بـ«الرجل العصامي المجتهد»، تسلّم زمام الدبلوماسية المصرية في ظرف استثنائي يجعله مضطراً للتعامل مع تحديات عدة؛ بغية «الدفاع عن مصالح بلاده وأمنها القومي». وهو الهدف الذي وضعه الوزير الجديد نصب عينيه، مؤكداً في أول تصريحاته الصحافية بصفته وزيراً للخارجيّة اعتزامه «مواصلة مسيرة تعزيز العلاقات مع شركاء بلاده الإقليميين والدوليين والدفاع عن القضايا العربية والأفريقية في مختلف المحافل»، مقتنعاً بأن «الدبلوماسية المصرية العريقة قادرة على أن ترسو بالبلاد على بر الأمان وسط التحديات الإقليمية والدولية المتفاقمة».

ويقود عبد العاطي دفة السياسة الخارجية المصرية، وسط تعويل كبير على خبراته الدبلوماسية العملية التي امتدّت لنحو 35 سنة، وامتزجت بدراسة أكاديمية للعلوم السياسية، مع توقعات بأن تكون طريقته في الأداء أقرب لمدرسة وزير الخارجية الأسبق rnعمرو موسى.

باحث ودبلوماسي

ولد بدر عبد العاطي في الثامن من فبراير (شباط) عام 1966 في مدينة أسيوط بصعيد مصر، لأسرة متوسطة بسيطة. وكان متفوقاً في كل مراحل دراسته، الأمر الذي أهله للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، التي تعد إحدى «كليات القمة»، نظراً لاشتراطها حصول الطالب على درجات مرتفعة في امتحان الثانوية العامة.

تخرّج عبد العاطي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حاصلاً على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1987. وبدأ حياته المهنية باحثاً في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» خلال الفترة بين1987 و1989، والمركز واحد من أهم مراكز الأبحاث السياسية في الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة كتب عبد العاطي العديد من الأوراق البحثية في مجال السياسة الدولية. غير أن وظيفة الباحث السياسي لم ترض طموحه المهني، ما دفعه للتقدم لاختبارات التوظيف بوزارة الخارجية في عام 1989، وهي الاختبارات التي نجح فيها بتفوق كعادته، وكان «الأول على دفعته رغم عدم امتلاكه واسطة ذات شأن»، بحسب تأكيد أصدقائه.

تنقلات بين القاهرة وعواصم عالمية

عمل بدر عبد العاطي في وظيفة ملحق بوزارة الخارجية المصرية حتى عام 1991، قبل أن ينتقل إلى العمل سكرتيراً ثالثاً في السفارة المصرية بتل أبيب حتى عام 1995، وهناك كان مسؤولاً عن شؤون إسرائيل الداخلية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وعقب انتهاء عمله في تل أبيب عاد عبد العاطي إلى ديوان وزارة الخارجية بالقاهرة، بعدما ترقّى لدرجة سكرتير ثانٍ، وعمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون التعاون الاقتصادي الإقليمي في الشرق الأوسط.

خلال تلك الفترة، حرص عبد العاطي على صقل مهاراته الدبلوماسية العملية بالدراسات الأكاديمية، حيث حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 1996، وقد ركز موضوعها على السياسة الخارجية المصرية تجاه فلسطين. وجاء حصوله على الدرجة العلمية الأكاديمية في العام ذاته الذي كان فيه عضواً في الوفد المصري إلى المؤتمر الاقتصادي للشرق الأدنى والأوسط وشمال أفريقيا بالقاهرة.

وبعدها، عام 1997 التحق عبد العاطي بالسفارة المصرية في طوكيو في وظيفة سكرتير ثاني، وكان مسؤولاً في الوقت ذاته عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط وإيران. قبل أن يعود مرة أخرى إلى ديوان وزارة الخارجية عام 2001، سكرتيراً أول، مع احتفاظه بالمسؤولية عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة استكمل دراسته الأكاديمية، فحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 2003، كما عمل محاضراً في «أكاديمية ناصر العسكرية». وأيضاً، في ذلك العام انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية للعمل مستشاراً سياسياً في سفارة بلاده في واشنطن، وكان مسؤولاً عن ملفي الشؤون الأفريقية والكونغرس. ثم عاد إلى مصر عام 2007، لكن هذه المرة بصفته رئيساً لقسم فلسطين بوزارة الخارجية.

في عام 2008، أصبح عبد العاطي نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في بروكسل، وظل هناك حتى عام 2012، حين عاد إلى مصر ليشغل منصب نائب وزير الخارجية المسؤول عن الاتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية واتحاد التنسيق الوطني في البحر الأبيض المتوسط. ويرى مراقبون أن أسباب تنقل عبد العاطي في هذه المناصب المتعددة تعود أولاً إلى «جهده وعمله الدؤوب»؛ لأنه رجل «غير روتيني»، يمارس عمله بحب.

الناطق الرسمي

من جهة ثانية، على الرغم من كل الوظائف السابقة، لم يبرز اسم عبد العاطي على الساحة المحلية إلا عقب تعيينه ناطقاً باسم وزارة الخارجية في يونيو (حزيران)، وهي الوظيفة التي ظل فيها حتى عام 2015. وهذه الفترة جعلته يحتك بالأوساط الإعلامية، لا سيما مع «حرصه الدائم على التواصل ليلاً ونهاراً»، وفق كلام صحافيين وإعلاميين عاصروه في تلك الفترة. أيضاً، وبينما تثير طريقته الحماسيّة في الاشتباك مع الأحداث السياسية إعجابَ البعض كونها تكسب العمل الدبلوماسي «زخماً إعلامياً»، فإن البعض الآخر ربما يخشون «حدّته» في التعامل مع بعض القضايا أحياناً. وهم في هذا يستندون إلى حوار تلفزيوني أجراه عبر الهاتف عندما كان ناطقاً باسم الخارجية، أظهر خلاله حدة في الرد، في مسعى للتأكيد على سرعة استجابة وزارته لاتصالات المصريين العالقين في ليبيا.

... وسفيراً لدى ألمانيا

في سبتمبر (أيلول) عام 2015، عيّن عبد العاطي سفيراً لمصر لدى ألمانيا، في فترة كانت تشهد فتوراً في العلاقات بين البلدين عقب «ثورة 30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان» في مصر عام 2013. وفي مايو (أيار) 2016، استدعته وزارة الخارجية الألمانية لـ«إبداء عدم فهمها السبب وراء إغلاق مكتب مؤسسة ألمانية في القاهرة». وطالبت بإعادة فتح مكتب مؤسسة «فريدريش نومان» المرتبطة بحزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي.

وبالفعل، عمل عبد العاطي لمدة أربع سنوات أمضاها في ألمانيا بين عامي 2015 و2019 على استعادة العلاقات بين القاهرة وبرلين. وظهر مدافعاً عن صورة بلاده، وموجّهاً انتقادات علنية لمنظمات حقوقية دولية انتقدت أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وبالنسبة لعبد العاطي، فإن العلاقات مع ألمانيا «تقوم على شراكة استراتيجية حقيقية، ووضع مربح يجلب منافع متبادلة، وهي ليست علاقة بين مانح ومتلقٍّ».

وبالفعل، شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً إبان فترة عمل عبد العاطي؛ إذ زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألمانيا أربع مرات. وزارت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل مصر مرتين. كما وُقعت أول اتفاقية بين القاهرة وبرلين لتعزيز التعاون في مجال مكافحة «الهجرة غير المشروعة».

ويبدو أن تقدير نجاح عبد العاطي في ألمانيا لم يكن مقصوراً على المصريين، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2020 منحته ألمانيا وسام «صليب الاستحقاق الأكبر»؛ لأنه «برهن خلال فترة عمله سفيراً لمصر في ألمانيا، على مدى أهمية مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين»، وفق سفير ألمانيا في القاهرة في ذلك الوقت سيريل نون.

حملة انتقادات

في المقابل، تعرّض عبد العاطي خلال فترة عمله سفيراً لمصر في ألمانيا لانتقادات وحملات «تشويه» تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ونقلتها وسائل إعلام محلية، وصلت حد اتهامه بـ«الاختلاس» والادعاء بأنه جرى إبعاده عن منصبه في برلين، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية لإصدار بيان في مايو 2017، أكّدت فيه «نفيها القاطع توجيه أي اتهامات بالاختلاس لسفير مصر في برلين، أو تسجيل إحدى سيارات السفارة باسم السفير المصري»، ليبقى عبد العاطي سفيراً لبلاده لدى ألمانيا سنتين أُخريين بعد هذه الواقعة.

ورداً على تلك الاتهامات، أصدرت الجالية المصرية في ألمانيا بياناً في الشهر ذاته، أعربت خلاله عن «رفضها لحملة التشويه التي يتعرّض لها عبد العاطي»، مؤكدة أنه «أفضل من تولى هذا المنصب الرفيع في توقيت حرج للغاية، ونجح بامتياز في تحسين صورة مصر والمصريين وإعادة العلاقات المصرية - الألمانية إلى سابق عهدها».

الشراكة الأوروبية

ومن ثم، بعد انتهاء عمله في ألمانيا عاد عبد العاطي إلى القاهرة، حيث شغل منصب مساعد الوزير للشؤون الأوروبية. ثم اختير سفيراً لدى بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ، ومندوباً لمصر لدى «الاتحاد الأوروبي» وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، خلال مارس (آذار) 2022. وحقاً، لم تمنعه علاقاته الطيبة مع أوروبا من توجيه انتقادات للغرب ولميوله من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي انتقادات تناقلتها وسائل إعلام غربية أبرزت اتهامه للغرب بالانحياز لإسرائيل، ما يضر بسمعته في الشرق الأوسط.

هذه الانتقادات للسياسات الغربية لم تقف - بدورها - حائلاً دون تحسين علاقات بلاده مع أوروبا، وهي العلاقات التي يعدّها عبد العاطي «مهمة» لاعتبارات عدة؛ ذلك أنه يرى أن «أوروبا تحتاج إلى مصر بوصفها دولة محوَرية وركيزة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وبوابة الدخول إلى القارة الأفريقية، إضافة إلى دورها في مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة. وفي المقابل، تحتاج مصر لأوروبا بوصفها شريكاً مهماً في التنمية والتحديث، ومصدراً رئيساً للاستثمار والتكنولوجيا والتدريب وأكبر سوق مصدر للسياحة إلى مصر». وفعلاً نجح عبد العاطي في تعزيز علاقات مصر مع الاتحاد الأوروبي، وكان له دور بارز في المباحثات التي أدت في النهاية إلى ترفيع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية والشاملة»، خلال قمة مصرية - أوروبية استضافتها القاهرة في مارس الماضي.

إنها حقبة جديدة في العمل الدبلوماسي المصري بدأت بتولي بدر عبد العاطي حقيبة الخارجية، وبينما لا يُنتظر أن تشهد الفترة المقبلة تغيّرات في السياسة الخارجية المصرية، المرتبطة بمدرسة دبلوماسية عريقة وثوابت لا تتغير بتغير الأشخاص، يتوقع مراقبون نشاطاً متزايداً في ملفات عدة على رأسها الشراكة مع أوروبا، إضافة إلى الملفات الرئيسة الأخرى على أجندة السياسة المصرية مثل فلسطين وليبيا والسودان و«سد النهضة» الإثيوبي. القاهرة: فتحية الدخاخني