حفتر يلتقي كوبلر لمناقشة صعوبات الاتفاق السياسي

أميركا تفرض عقوبات على 3 متهمين بتمويل «داعش» ودعمه في ليبيا

مهاجرون أفارقة انطلقوا من شواطئ ليبيا نحو أوروبا خلال عملية إنقاذهم من قبل خفر السواحل المالطي أمس (رويترز)
مهاجرون أفارقة انطلقوا من شواطئ ليبيا نحو أوروبا خلال عملية إنقاذهم من قبل خفر السواحل المالطي أمس (رويترز)
TT

حفتر يلتقي كوبلر لمناقشة صعوبات الاتفاق السياسي

مهاجرون أفارقة انطلقوا من شواطئ ليبيا نحو أوروبا خلال عملية إنقاذهم من قبل خفر السواحل المالطي أمس (رويترز)
مهاجرون أفارقة انطلقوا من شواطئ ليبيا نحو أوروبا خلال عملية إنقاذهم من قبل خفر السواحل المالطي أمس (رويترز)

فيما بدا وكأنه بمثابة تراجع عن رفضه السابق، التقى المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر، في وقت حذر فيه بيان مشترك أصدره سفراء الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا وأميركا المعتمدون لدى ليبيا من أن ما وصف بأعمال العنف الأخيرة بالقرب من قاعدة «تمنهنت» في جنوب ليبيا تنذر بخطر التصعيد إلى صراع مسلح جديد.
وقال مكتب حفتر في بيان مقتضب إنه اجتمع مع كوبلر بمكتبه في مدينة الرجمة القريبة من بنغازي لمناقشة الصعوبات والعراقيل التي تواجه ما يعرف بالاتفاق السياسي المبرم قبل نحو عامين في منتجع الصخيرات بالمغرب برعاية دولية. ومن جانبه وصف كوبلر الاجتماع بأنه «كان جيدا»، مشيرا إلى أنهما ناقشا الصعوبات التي تعترض تنفيذ اتفاق الصخيرات وكيفية المضي قدما.
وهذا هو أول لقاء يجمع هذا العام بين حفتر الموالي لمجلس النواب الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له، والدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر الذي يستعد لمغادرة منصبه.
وكان حفتر الذي التقى كوبلر منتصف ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، عقب توقيع اتفاق الصخيرات، قد رفض لاحقا عقد لقاء آخر، واتهم في تصريحات صحافية سابقة كوبلر بمحاولة ترسيخ سلطات حكومة السراج في طرابلس، معتبرا أن الليبيين لا يحبون كوبلر، ويسمونه «الشيطان».
إلى ذلك، شدد بيان أصدرته الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا وأميركا على إبراز الفرق بين الأعمال ضد التهديدات الإرهابية والأعمال التي يمكن أن تقود إلى تدهور الأوضاع في ليبيا. وطالب البيان بالوقف الكامل للتصعيد، داعيا إلى حوار ليبي شامل وتجنب الأعمال الاستفزازية، مشيرا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وجدد التصميم على دعم تطبيق اتفاق الصخيرات لرفع المعاناة عن الشعب الليبي، والقلق العميق حول خطر الإرهاب في ليبيا.
ميدانيا، أعلن الجيش الوطني الليبي أنه فقد ثمانية من عناصره بعدما تعرضت دورية تابعة لحرس الحدود لهجوم مجموعات مسلحة في جنوب الجغبوب.
وحذر العقيد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش، خلال مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس في بنغازي من دعوات التقسيم التي بدأت تتداول من قبل بعض الدول عبر سياسييها، مؤكداً عدم السماح بتنفيذ مخطط التقسيم، وأبرز أن المعارضة التشادية تقاتل مع ميليشيات تابعة لفائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، مشيرا إلى ما عرضه التلفزيون التشادي الرسمي من صور لعدد من العائدين من معارك في ليبيا، ومؤكدا أن قوات المعارضة التشادية موجودة في الجنوب بموافقة السراج للقتال إلى جانب ميليشيات القوة الثالثة ضد قوات الجيش الوطني.
من جانبه قال العقيد ميلود الزوي، المتحدث باسم القوات الخاصة (الصاعقة) التابعة للجيش الذي يقوده حفتر، إن الأوضاع الأمنية في جنوب البلاد مطمئنة رغم إصابة جنديين من الجيش الوطني بإصابات خفيفة جرّاء غارة جوية تابعة لميليشيات القوة الثالثة على قاعدة براك الشاطئ الجوية.
ونقلت عنه وكالة الأنباء الليبية قوله إن قوات الجيش تحاصر قاعدة تمنهنت الجوية على بعد 30 كيلومترا جنوب شرقي سبها، مشيراً إلى خروج رتل مسلح من منطقة الجفرة باتجاه الجنوب.
في غضون ذلك، أعلنت الولايات المتحدة أمس أنها فرضت عقوبات على مواطنين ليبيين اثنين وثالث جزائري لدعمهم أنشطة تنظيم داعش المتطرف داخل ليبيا.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني الرسمي إن المواطنين الليبيين علي أحميدة الصفراني، وعبد الهادي زرقون، لعبا دورا مهما في العمليات المالية لتنظيم داعش في ليبيا، موضحة أن الصفراني هو أحد أبرز قادة التنظيم في ليبيا، بينما يعد زرقون من أوائل الليبيين الذين تعهدوا بالولاء لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وبموجب البيان فقد ضع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية هذين الشخصين باعتبارهما ممولين ومسيرين للشؤون المالية لتنظيم داعش على لائحة العقوبات التي تمنع الأفراد المستهدفين من القيام بعمليات مع كيانات أميركية، وتحظر جميع ممتلكاتهم ومصالحهم وتجمد أي أصول محتملة لهم في الولايات المتحدة. وقد تم وضع الصفراني وزرقون بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 الذي يستهدف الإرهابيين، والذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو لأعمال الإرهاب، وأما حماني فقد وضع بموجب الأمر التنفيذي 13224 والقرار التنفيذي 13726 الذي يستهدف أولئك الذين يقومون بأعمال أو سياسات تهدد السلام والأمن والاستقرار في ليبيا بما في ذلك توريد الأسلحة أو العتاد ذي الصلة. ونقل البيان عن مدير مراقبة الأصول الأجنبية جون سميث قوله إن من شأن هذه العقوبات عزل الشخصين عن النظام المالي العالمي، وفضح أنشطتهما للعالم، مضيفا أن العمل يستهدف نشاطات «داعش» في شمال أفريقيا، لكنه يدل أيضا على التزام الخزانة الأميركية بمتابعة الإرهابيين أينما كانوا.
ووصفت الخزانة الأميركية المواطن الليبي الثاني زرقون بأنه ممول لتنظيم داعش، وكان واحدا من أبرز قادته في مدينة سرت، وساعد في تأسيس الوجود الأول للتنظيم في المدينة، كما كان أول المتطرفين الليبيين الذين تعهدوا بالولاء لزعيمه البغدادي، مشيرة إلى أنه واعتبارا من منتصف العام الماضي فقد ظل زرقون قائدا رفيع المستوى في «داعش» في ليبيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.