عبد الرحمن الوابلي... مثقف تشير بوصلته دوماً نحو الوطن

شهدت جمعية الثقافة والفنون بالدمام، أمسية لتكريم الكاتب السعودي الراحل الدكتور عبد الرحمن الوابلي، التي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف، وسط حضور غفير من الوسط الثقافي والفني والإعلامي والشخصيات الاجتماعية. كما حضر المناسبة عقيلة الراحل وأفراد أسرته.
وجاءت الأمسية تقديراً ووفاءً للعطاء الفكري الذي قدمه الدكتور الوابلي للساحة الثقافية والفنية السعودي.
وقد شارك في هذا الأمسية التي أدارها عاطف الغانم، جعفر الشايب وعبد الله الوابلي والدكتور عبد السلام الوايل، والفنان ناصر القصبي ومنسي حسون، والشاعر هاشم الشخص والزميل ميرزا الخويلدي. كما تخلَّل الحفل فيلم تصويريّ لمقاطع من لقاءات ومقابلات مع الراحل الوابلي تستعرض بعض أفكاره وآرائه.
راعي منتدى الثلاثاء الثقافي جعفر الشايب، قال: «إننا نحتفي اليوم بمثقف تنويري تفاعل مع قضايا مجتمعه الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية مجسداً في مسيرته قيماً إنسانية ومواقف ثابتة، موظِّفاً ما يمتلك من أدوات في تنمية الوعي الوطني والاجتماعي لمواجهة الفكر الظلامي واتجاهات التطرف عبر طرح أفكار تميزت بالبساطة في العرض والعمق في المضمون أسهمت في تشكيل وعي نقدي وبناء ضد مختلف أشكال الممارسات الإقصائية».
أما عبد الله الوابلي، فتحدث عن قربه من أخيه الراحل عمراً وفكراً حيث أورد بعضاً من قصص الطفولة التي قرأ من خلالها شخصية الراحل التي اتسمت منذ صباه بالصدق ومحبة الناس ومساعدة ذوي الحاجة. كما أشار إلى أن مسيرته الدراسية داخل وخارج الوطن ومن خلال تداخله مع طلبة من خارج بيئته كشفت من وقت مبكر عمق الانسجام الاجتماعي لديه وتجاوز الفوارق المصطنعة بين الأطياف في شخصيته، وفي كلمة أخيرة معبرة قال: «كان مبتسماً دائماً رغم ما كان يعانيه من آلام».
أما الدكتور عبد السلام الوايل أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود، فتحدث عن دور المثقف في المجتمع، واصفاً الراحل الوابلي بأنه من القلائل الذين انطبق عليهم مصطلح «المثقف العضوي» الذي نظر له الفيلسوف الإيطالي غرامشي، حيث تجلى ذلك في اهتماماته الاجتماعية وكتاباته.. فمشاركته حلقات «طاش ما طاش» تركزت على هم الوحدة الوطنية ومنطلقاتها الإنسانية، كما تناولت قضايا المرأة التي سببت له بعض اللغط الاجتماعي بسبب الفهم السطحي والموروث المنغلق ولكنه لم يتأثر بها لوضوح الرؤية ونضوج الفكرة لديه.
المهندس منسي حسون، الصديق المقرب من الراحل تحدث عن علاقته بالدكتور الوابلي، مشدداً على أنه يتمتع بشخصية وطنية تجاوزت الحدود المناطقية والعرقية، واصفاً الراحل الوابلي بأنه كاتب يتتبع معاناة الناس ويتفاعل معها بشكل لافت، كما يسعى لمعالجتها فكرياً وعملياً من منطلق تفكير حر يحمل همّ المسؤولية الاجتماعية. أما الشاعر هاشم الشخص فشارك بقصيدة رثاء بعنوان «فقيد المجد».
كما تحدث الزميل ميرزا الخويلدي عن عبد الرحمن الوابلي، واصفاً إياه بأنه كانت «بوصلة تشير دوماً نحو الوطن»، مضيفاً: «كان الوابلي واضحاً منحازاً بالكليّة والمطلق لقيم العدالة والحرية والمواطنة والتسامح والتعايش والإصلاح والتآخي والحداثة أيضاً... وفي كل الأحوال كان منحازاً لصلاح الأرض ونهضة الإنسان، وللبسطاء يحمل آلامهم ويعبر عن آمالهم... ويرى أن أمانة الكلمة أن تدفع العجلة نحو الأعلى وأن تصوّب نحو الحقيقة».
وأضاف: «في ذروة الاشتباك الثقافي، كان عبد الرحمن الوابلي مبادراً لتفكيك العقد قبل أن تتحول إلى أزمات، وسط انقسامات في عموم المشهد العربي لا يكتفي المثقفون بالتفرج عليها، بل إن بعضهم يزيد النار زيتاً، بدخولهم الأعمى حلبة الصراعات ومساهمتهم في تكريس ثقافة القطيعة والانقسام والاحتراب. وثمة مثقفون تغافلوا عن مسؤوليتهم في صيانة وحدة بلادهم ومجتمعاتهم، وتعميم ثقافة السلام، وممارسة دورهم في تعميم ثقافة الحوار والتواصل وردم الفجوة بين التباينات والانقسامات التي تفرزها السياسات أو تصنعها الآيديولوجيات، أو تراكمها الأهواء والمصالح، وهم ينكفئون حتى ليبدو غيابهم مريباً ومتواطئاً ومتهماً».
ومضى يقول: «كان عبد الرحمن الوابلي بوصلتنا نحو الوطن، شعوراً، ومسؤولية، وقضية، وهمّاً... كان يشير بسبابته إلى حيث يجب أن نكون موحدين خلف راية هذا الوطن الذي يتسع للجميع ويستعصي على الاستملاك والاستحواذ، كما يستعصي على الانكسار».