غياب السوق العقارية المنظمة يرفع أسعار السكن في السودان

ورشة عمل بالخرطوم تناقش تحديات القطاع

نظم الصندوق القومي للإسكان ورشة عمل في العاصمة الخرطوم لمناقشة مشاكل ومعوقات الاستثمار العقاري في السودان (غيتي)
نظم الصندوق القومي للإسكان ورشة عمل في العاصمة الخرطوم لمناقشة مشاكل ومعوقات الاستثمار العقاري في السودان (غيتي)
TT

غياب السوق العقارية المنظمة يرفع أسعار السكن في السودان

نظم الصندوق القومي للإسكان ورشة عمل في العاصمة الخرطوم لمناقشة مشاكل ومعوقات الاستثمار العقاري في السودان (غيتي)
نظم الصندوق القومي للإسكان ورشة عمل في العاصمة الخرطوم لمناقشة مشاكل ومعوقات الاستثمار العقاري في السودان (غيتي)

يشكل غياب السوق العقارية المنظمة والمهيكلة في السودان أحد أكبر أسباب ارتفاع أسعار المساكن الاقتصادية وسكن المواطنين، الذين زادت تكلفتهم في السكن خلال العام الماضي، إلى أكثر من 18 في المائة من صافي دخولهم الشهرية.
كما تسبب غياب السوق العقارية المنظمة؛ والقائمة حاليا بواسطة شركات تطوير عقاري محدودة، بأن جعل الاستثمار في العقارات محفوفا بعقبات وتحديات، منها زيادة معدلات التضخم وتذبذب سعر الصرف للعملة المحلية مقابل الدولار.
ويقول مالك علي دنقلا، رئيس اتحاد العقاريين، وهو حديث التكوين لكنه عضو في اتحاد العقاريين العرب الذي يوجد مقره بالخرطوم، لـ«الشرق الأوسط»، إنه رغم غياب السوق المنظمة للعقار في السودان، فإنه استطاع في فترة وجيزة جذب كثير من الاستثمارات الخارجية، خصوصا الاستثمار في مجال التمويل المصرفي والبنوك بصورة عامة والشركات العقارية في الخليج والسعودية.
وأضاف أن الاستثمار العقاري في السودان يمثل حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية، ويتصف بأنه استثمار طويل الأجل، وفي حاجة إلى رأسمال ومواعين ومحافظ تمويلية كبيرة وثبات في السياسات الاقتصادية، أما القطاعات العقارية الأكثر نشاطا في السودان، فهي القطاعات السكنية والمكتبية والفنادق، ورغم صغر حجم السوق، فإن حجمه مقارنة بدول عربية أخرى يعتبر كبيرا.
وشهدت الخرطوم الأسبوع الماضي ورشة عمل كبري نظمها الصندوق القومي للإسكان مع الاتحاد العربي للاستثمار والتطوير العقاري، لمناقشة مشاكل ومعوقات الاستثمار العقاري في السودان، حيث أجمع المشاركون في الورشة أن السودان يعاني من غياب السوق العقارية المنظمة والمهيكلة، وأن الاستثمار في العقارات محفوف بعقبات وتحديات، منها زيادة معولات التضخم وتذبذب سعر الصرف للعملة المحلية مقابل الدولار.
وقدم في الورشة المهندس الخلوتي الشريف، وهو مستشار سابق لصندوق «القومي للإسكان والتعمير»، ورقة عن العقبات التي تواجه الاستثمار العقاري في السودان، والتي أظهرت أن زيادة الأسعار وتكلفة السكن أساهما فيها بجانب غياب السوق المنظمة، وارتفاع تكلفة مواد البناء وشح المعلومات عن كمية المعروض من السكن مقابل الطلب، وعدم وجود بنى تحتية في المناطق الريفية في الولايات، واختلاف سعر الدولار الذي تستورد به مستلزمات البناء.
وطرح الخلوتي في ورقته بعض التحديات والمشاكل التي تواجه صناعة التشييد والاستثمار العقاري، والتي تتمثل في التشريعات والقوانين والنظم الإدارية مثل قوانين ضبط المباني وتسجيل الأراضي، مشيرا إلى أنها في حاجة ماسة إلى تغيير، خصوصا تصاريح البناء إضافة إلى قانوني المجاورة والارتدادات.
ووصف الخلوتي القانون بأنه «قانون معيق ومهدر للمساحات»، كذلك قانون تسجيل الشقق والمنازل، حيث إنه حسب القانون فإن المساحة التي يمكن أن تسجل بها الشقة تبلغ 120 مترا مربعا، والأراضي مائتي متر مربع... وتساءل عن الأسباب الفنية والهندسية التي تحول دون تغيير القوانين، مبينا أن كثيرا من الدول سهلت من تسجيل الشقق والأراضي، وضرب مثلا بإثيوبيا التي تسجل مساحة 30 مترا للشقق. ووفق رأي الخلوتي، فإن المساحة المسموح بها للمنزل تجعل من المحال تسجيل كثير من المساحات وتوزيعها لمستحقيها بغرض الاستفادة منها.
وتطرق الخلوتي إلى المشاكل التي يتعرض لها المستثمرون والمواطنون عند تسجيل الأراضي وامتلاكها في السودان. وأشار إلى النزاع الدائر في مشروع «دريم لاند» شمال الجزيرة منذ عام 2002 لتشييد 25000 وحدة سكنية، وتحدث عن العقود الهندسية والضمانات المطلوبة من المقاول لتنفيذ المشاريع.
ودعا الخلوتي إلى الاستفادة من شركات التأمين لتقوم بعمل الضمانات المطلوبة بهدف تقليل التكلفة إلى ثلاثة في المائة بدلا من سبعة في المائة، كما طالب أن تتبنى الحكومة تطبيق عقود مرنة في مشروعاتها المختلفة، وتشجيع وتسهيل التمويل العقاري مع ضرورة تقليل هامش التمويل لأقصى ما يمكن وزيادة فترة التمويل، خصوصا في مشروعات الإسكان الكبرى. وأيضا الاستفادة من تجربة الجزائر في تكوين شركة الرهن العقاري وتشجيع المقاولين المستثمرين في مجال البناء، والاستفادة من الاحتياطي النقدي في البنك المركزي لتقليل تكلفة التمويل، والاهتداء بتجربة الصندوق القومي للإسكان مع تشجيع المستثمرين وبيوت التمويل الخارجية للتمويل العقاري في السودان وتهيئة المناخ المطلوب لهم، وتسهيل استخراج الضمانات المطلوبة وتأمين استرجاع أموالهم واستثماراتهم لمواكبة التطور.
وكان بنك السودان المركزي وافق بالسماح بالتمويل المصرفي العقاري للمغتربين والإسكان الفئوي الذي يشمل المهنيين بمختلف تخصصاتهم. وفرض السودان حظر التمويل العقاري لجميع القطاعات منذ 2004، ما خلف آثارا سلبية على القطاع.
يذكر أن المؤتمر العربي الرابع للاستثمار والعقارات، سيتم عقده بالخرطوم خلال أبريل (نيسان) الحالي، والذي ينظمه الاتحاد العربي للاستثمار العقاري بالتعاون اتحاد العقاريين السودانيين، بحضور عدد كبير من شركات العقارات والمزادات والمساهمات العقارية في السعودية ودول الخليج، وذلك لمناقشة إنشاء مدن سكنية للمغتربين السودانيين بتمويل خارجي.
وتجدر الإشارة إلى أن الأمين العام لاتحاد المستثمرين والعقاريين العرب في زيارة للخرطوم الشهر الماضي، قد بحث اختيار المقر الدائم للاتحاد، والذي فازت به الخرطوم، كما بحثت الزيارة الترتيبات لعقد الملتقى السنوي العقاري الاستثماري العربي، والذي يعول عليه في إحياء التفاهمات والاتفاقيات التي تمت بين السودان والدول الأعضاء قبل رفع الحظر الاقتصادي عن السودان.



«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
TT

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء

في وقت تجري فيه الاستعدادات لعقد اجتماع بين الصندوق القومي للإسكان ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان، لبحث سبل توفير تمويل لمشروعات الإسكان للمواطنين عبر قروض طويلة الأجل، ألغت الحكومة أول من أمس، وأوقفت، إجراءات تسليم المساكن للموطنين والتقديم لها، خوفاً من حدوث إصابات بـ«كورونا»، أثناء الاصطفاف للتقديم والتسلم.
وكان الصندوق القومي للإسكان قد طرح مباني سكنية جاهزة للمواطنين في معظم المناطق الطرفية بالعاصمة الخرطوم، وبقية الولايات، وذلك ضمن مشروع السودان لتوفير المأوى للمواطنين، الذي سيبدأ بـ100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. وقد بدأ المشروع بفئة العمال في القطاعات الحكومية في جميع ولايات السودان العام الماضي، بواقع 5 آلاف منزل للمرحلة الأولى، تسدد بالتقسيط على مدى 7 سنوات. ويتضمن مشروع إسكان عمال السودان 40 مدينة سكنية في جميع مدن البلاد، لصالح محدودي الدخل، ويستفيد من المشروع في عامه الأول أكثر من مليونين.
وقد أقام المواطنون مواقع أمام مقر الصندوق القومي للإسكان، وباتوا يتجمعون يومياً بأعداد كبيرة، ما سبب إزعاجاً لدى إدارة الصندوق والشارع العام، وذلك بعد قرار سياسي من والي ولاية الخرطوم، لدعوة المواطنين للتقديم للحصول على سكن شعبي.
ووفقاً للدكتور عبد الرحمن الطيب أيوبيه الأمين العام المكلف للصندوق القومي للإسكان والتعمير في السودان لـ«الشرق الأوسط» حول دواعي إصدار قرار بوقف إجراءات التسليم والتقديم للإسكان الشعبي، وعما إذا كان «كورونا» هو السبب، أوضح أن تلك التجمعات تسببت في زحام شديد، حيث نصب المتقدمون للوحدات السكنية خياماً أمام مقر الصندوق في شارع الجمهورية، بعد قرار الوالي في وقت سابق من العام الماضي بدعوة المواطنين للتقديم. وظلت تلك التجمعات مصدر إزعاج وإرباك للسلطات، ولم تتعامل معهم إدارة الصندوق، إلى أن جاء قرار الوالي الأخير بمنع هذه التجمعات خوفاً من عدوى «كورونا» الذي ينشط في الزحام.
وبين أيوبيه أن الخطة الإسكانية لا تحتاج لتجمعات أمام مباني الجهات المختصة، حيث هناك ترتيبات وإجراءات للتقديم والتسلم تتم عبر منافذ صناديق الإسكان في البلاد، وعندما تكون هناك وحدات جاهزة للتسليم يتم الإعلان عنها عبر الصحف اليومية، موضحاً أن كل ولاية لديها مكاتب إدارية في كل ولايات السودان، وتتبع الإجراءات نفسها المعمول بها في العاصمة.
ولم يخفِ أيوبيه أزمة السكن في البلاد، والفجوة في المساكن والوحدات السكنية، والمقدرة بنحو مليوني وحدة سكنية في ولاية الخرطوم فقط، لكنه أشار إلى أن لديهم خطة مدروسة لإنشاء 40 ألف مدينة سكنية، تم الفراغ من نسبة عالية في العاصمة الخرطوم، بجانب 10 آلاف وحدة سكنية.
وقال إن هذه المشاريع الإسكانية ستغطي فجوة كبيرة في السكن الشعبي والاقتصادي في البلاد، موضحاً أن العقبة أمام تنفيذها هو التمويل، لكنها كمشاريع جاهزة للتنفيذ والتطبيق، مشيراً إلى أن لديهم جهوداً محلية ودولية لتوفير التمويل لهذه المشاريع.
وقال إن اجتماعاً سيتم بين الصندوق القومي للإسكان وبنك السودان المركزي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لتوفير الضمانات بالنسبة للتمويل الخارجي واعتماد مبالغ للإسكان من الاحتياطي القانوني للمصارف المحلية.
وأكد الدكتور عبد الرحمن على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية لإنفاذ المشروع القومي للمأوى، وتوفير السكن للشرائح المستهدفة، مجدداً أن أبواب السودان مشرعة للاستثمار في مجال الإسكان. وأشار إلى أن الصندوق القومي للإسكان سيشارك في معرض أكسبو في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك بجناح يعرض فيه الفرص الاستثمارية في السكن والوحدات السكنية في السودان، وسيتم عرض كل الفرص الجاهزة والمتاحة في العاصمة والولايات.
وقال إن هناك آثاراً متوقعة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد، ومن المتوقع أن يسهم كثيرا في إنعاش سوق العقارات واستقطاب رؤوس أموال لصالح التوسع في مشروعات الإسكان. وأبان أن الصندوق استطاع خلال السنوات الماضية إحداث جسور للتعاون مع دول ومنظمات واتحادات ومؤسسات مختلفة، وحالت العقوبات دون استثمارها بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن جهودهم ستتواصل للاستفادة من الخبرات والموارد المالية المتاحة عبر القروض والمنح والاستثمارات.
وأكمل الصندوق القومي للإسكان في السودان تحديد المواقع والدراسات لمشروع المأوى القومي ومنازل العمال، حيث ستشيد المنازل بأنماط مختلفة من السكن الاقتصادي، الشعبي، الاستثماري، الريفي، والمنتج، بتمويل من البنوك العاملة في البلاد، وفق خطة الصندوق.
وقد طرحت إدارة الصندوق عطاءات منذ بداية العام الجاري لتنفيذ مدن سكنية، كما دعت المستثمرين إلى الدخول في شراكات للاستثمار العقاري بالولايات لتوفير المأوى للشرائح المستهدفة، إلا أن التمويل وقف عثرة أمام تلك المشاريع.
وطرح الصندوق القومي للإسكان في ولاية الخرطوم أن يطرح حالياً نحو 10 آلاف وحدة سكنية لمحدودي الدخل والفئويين والمهنيين في مدن العاصمة الثلاث، كما يطرح العديد من الفرص المتاحة في مجال الإسكان والتطوير العقاري، حيث تم الانتهاء من تجهيز 5 آلاف شقة و15 ألفا للسكن الاقتصادي في مدن الخرطوم الثلاث.
وتم تزويد تلك المساكن بخدمات الكهرباء والطرق والمدارس وبعض المرافق الأخرى، بهدف تسهيل وتوفير تكلفة البناء للأسرة، حيث تتصاعد أسعار مواد البناء في البلاد بشكل جنوني تماشياً مع الارتفاع الذي يشهده الدولار مقابل الجنيه السوداني والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد حالياً.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان لديه خطة لتوسيع قاعدة السكن لمحدودي الدخل، عبر الإسكان الرأسي، الذي يتكون من مجمعات سكنية، كل مجمع يضم بناية من 7 أدوار، ويتكون الطابق من 10 شقق سكنية، بمساحات من 180 إلى 300 متر مربع.
ويتوقع الصندوق أن يجد مشروع الإسكان الرأسي والشقق، رواجاً وإقبالاً في أوساط السودانيين محدودي الدخل، خاصة أنه أقل تكلفة وأصبح كثير من السودانيين يفضلونه على السكن الأفقي، الأمر الذي دفع الصندوق لتنفيذ برامج إعلامية لرفع مستوى وعي وثقافة المواطنين للتعامل مع السكن الجماعي والتعاون فيما بينهم.
ووفقاً لمسؤول في الصندوق القومي للإسكان فإن برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي، يتضمن كيفية المحافظة على خدمات البناية، ورفع وعيهم بهذا النوع من البناء، حتى تتحول الخرطوم إلى عاصمة حضارية وجاذبة. وأضاف المصدر أن برنامج التوعية بالسكن في الشقق ودوره في تقليل تكلفة السكن، سيتولاه فريق من اتحاد مراكز الخدمات الصحافية، الذي يضم جميع وسائل الإعلام المحلية، مما سيوسع قاعدة انتشار الحملات الإعلامية للسكن الرأسي.
تغير ثقافة المواطن السوداني من السكن التقليدي (الحوش) إلى مساحات صغيرة مغلقة لا تطل على الشارع أو الجيران، ليس أمرا هينا. وبين أن خطوة الصندوق الحالية للاعتماد على السكن الرأسي مهمة لأنها تزيل كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن السكن في الشقق السكنية.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان عام 2018 بدأ بالتعاون مع شركة هيتكو البريطانية للاستثمار، لتنفيذ مشروع الإسكان الفئوي الرأسي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بالعاصمة الخرطوم، وكذلك مشروع لبناء أكبر مسجد في السودان، بمساحة 5 كيلومترات، وبناء 3 آلاف شقة ومحلات تجارية.