انتعاش قطاع العقارات مؤشر قوي على ازدهار الاقتصاد الأميركي

زيادات قياسية بالإنفاق والمبيعات... و«ديون الطلاب» أحد المخاطر

مبيعات قطاع البناء الأميركي عند مستويات قياسية (رويترز)
مبيعات قطاع البناء الأميركي عند مستويات قياسية (رويترز)
TT

انتعاش قطاع العقارات مؤشر قوي على ازدهار الاقتصاد الأميركي

مبيعات قطاع البناء الأميركي عند مستويات قياسية (رويترز)
مبيعات قطاع البناء الأميركي عند مستويات قياسية (رويترز)

في أحدث الدلائل القوية على الازدهار القوي الذي يشهده الاقتصاد الأميركي عقب فترة طويلة من التعافي البطيء من الركود الذي بدأ منذ عام 2008، زاد الإنفاق في قطاع البناء بالولايات المتحدة مقترباً من أعلى مستوى في 11 عاماً في فبراير (شباط) الماضي، وذلك بالتوازي مع تسجيل مبيعات المساكن القائمة في الولايات المتحدة في فبراير أيضاً أعلى مستوى في 10 أشهر، مما يشير إلى طلب قوي في سوق الإسكان وضخ الاستثمارات على الرغم من ارتفاع الأسعار وفوائد القروض العقارية... لكن تلك المؤشرات القوية لم تنفِ وجود عدد من المخاطر، لعل أبرزها ارتفاع ديون قروض الطلاب، مما قد يؤثر بشكل أو آخر على التملك العقاري، بحسب رأي أحد أعضاء «الفيدرالي الأميركي» البارزين.
ويرى كثير من المحللين وخبراء الاقتصاد أن ازدهار القطاع العقاري في الولايات المتحدة أحد أقوى المؤشرات المتخصصة التي تدلل على انتعاش الاقتصاد الأميركي بشكل عام.
ويقول مارتن فيلدشتاين، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد الأميركية، في مقال له الأسبوع الماضي، إن الاقتصاد الأميركي يشهد فترة ازدهار حالياً، مشيراً إلى عدة نقاط في القياس، من بينها: «تسجل ثروة الأسر أيضاً زيادة ملموسة. فقد ارتفعت أسعار المساكن، وهي الأصل الأكثر أهمية للأسر الأميركية، بنسبة 5 في المائة خلال الأشهر الـ12 الأخيرة». وأيضاً: «تتسابق شركات بناء المساكن لمواكبة الطلب، وهو ما انعكس في زيادة تجاوزت 6 في المائة في عدد مساكن الأسر المنفردة الجديدة في الأشهر الـ12 الماضية»، مستنتجاً في مقاله أن «كل هذا يشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) سوف يرتفع بسرعة أكبر في عام 2017 مقارنة بارتفاعه في السنوات الأخيرة».
لكن فيلدشتاين في مقاله لم ينسَ أن يحذر من جوانب المخاطر، قائلاً: «لكن على الرغم من صحة الاقتصاد حالياً، فإنه يعاني أيضاً من بعض الهشاشة. فقد شهدت الولايات المتحدة عقداً من أسعار الفائدة المفرطة الانخفاض، وهو ما دفع المستثمرين والمقرضين إلى السعي إلى الحصول على عائدات أعلى من كل أنماط الأصول من خلال المزايدة على الأسعار وتقديم القروض عالية المخاطر. ومكمن الخطر هنا هو أن الأصول المبالغ في تقدير أسعارها (ومن بينها الأصول العقارية) والقروض عالية المخاطر من الممكن أن تفقد قيمتها وتتسبب في انكماش الاقتصاد».
وقالت وزارة التجارة الأميركية الأسبوع الماضي إن الإنفاق على البناء في شهر فبراير زاد 0.8 في المائة إلى 1.19 تريليون دولار. وهذا أعلى مستوى منذ أبريل (نيسان) 2006، ويأتي بعد هبوط بلغ 0.4 في المائة في يناير (كانون الثاني).
وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا ارتفاع الإنفاق على البناء 1.1 في المائة في فبراير، بعد أن انخفض واحداً في المائة في القراءة الأولية للشهر السابق. وزاد الإنفاق على البناء 3 في المائة مقارنة مع مستواه قبل عام.
وفي فبراير، ارتفع الإنفاق الخاص على البناء 0.8 في المائة إلى أعلى مستوياته منذ مايو (أيار) 2006، بعدما استقر في يناير. وزاد الإنفاق على تشييد المساكن 1.8 في المائة إلى أعلى مستوياته منذ يوليو (تموز) 2007. ويزيد الاستثمار في بناء المساكن حالياً للشهر الخامس على التوالي.
وهبط الإنفاق على تشييد البنايات الخاصة غير السكنية 0.3 في المائة في فبراير، لينخفض للشهر الثاني على التوالي. وفي فبراير أيضاً، ارتفع الإنفاق العام على البناء 0.6 في المائة بعد 3 أشهر من الانخفاضات.
وقبل نحو أسبوعين، أشارت تقارير إلى أن مبيعات المساكن القائمة في الولايات المتحدة سجلت في فبراير أعلى مستوى في 10 أشهر، مما يشير إلى طلب قوي في سوق الإسكان على الرغم من ارتفاع الأسعار وفوائد القروض العقارية.
وقالت الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين في نهاية الشهر الماضي إن مؤشرها لمبيعات المساكن القائمة، على أساس العقود التي وقعت في شهر فبراير الماضي، قفز 5.5 في المائة، إلى 112.3، وهي أعلى قراءة منذ أبريل من العام الماضي. وهي أيضاً ثاني أفضل قراءة منذ مايو 2006.
وكان خبراء اقتصاديون قد توقعوا أن ترتفع مبيعات المساكن القائمة بنسبة 2.4 في المائة خلال شهر فبراير الماضي. وسجلت المبيعات زيادة بلغت 2.6 في المائة في فبراير من عام 2016.
لكن رغم ذلك التفاؤل العام بانتعاش الاقتصاد والقطاع العقاري، فإن أحد أكبر صناع السياسة بالبنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، حذر خلال الأسبوع الماضي، من أن ارتفاع ديون قروض الطلاب في الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي بوجه عام إلى الإضرار بمسألة ملكية المسكن والإنفاق الاستهلاكي، إضافة إلى أنه يضعف قدرة الكليات والجامعات على الارتقاء بالطلاب ذوي الدخل المنخفض.
وأشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ويليام دادلي، وهو من أحد الصناع المؤثرين بالسياسة النقدية الذي كان يستشهد بأبحاث من مؤسسته، إلى أن ارتفاع تكاليف التعليم العالي وأعباء ديون الطلاب باعتبارها علة المشكلة في الاتجاه المقلق.
وخلال الحقبة الأخيرة، تحول الأميركيون بعيداً عن الديون المتصلة بالسكن، إلى ديون قروض السيارات وقروض الطلاب، حيث بلغت أرصدة قروض الطلاب الإجمالية 1.3 تريليون دولار في نهاية العام الماضي، بزيادة 170 في المائة عن عام 2006.
وأشار دادلي، الذي يراقب بنكه الاحتياطي الفيدرالي المؤشرات الاقتصادية، ولكنه ليست له أي سيطرة على السياسات المالية مثل التمويل الجامعي، إلى أن معدلات الجنوح الإجمالية «لا تزال مرتفعة بشكل كبير»، وقد تباطأت عمليات السداد، حتى في الوقت الذي تحسنت فيه سوق العمل في السنوات القليلة الماضية.
وقال في مؤتمر صحافي يوم الاثنين قبل الماضي، إن هناك «آثاراً سلبية محتملة على المدى الطويل لديون الطلبة على ملكية المنازل وأنواع أخرى من الإنفاق الاستهلاكي»، متابعاً أن «الزيادات المستمرة في تكاليف الكلية وأعباء الديون يمكن أن تمنع قدرة التعليم العالي على العمل كمحرك مهم لحركة الدخل المتزايد، وهذه التطورات مهمة وتستحق مزيداً من الاهتمام».
وأظهرت بيانات بنك الاحتياطي الفیدرالي في نیویورك تحولاً بین المقترضین ذوي الدخل المنخفض لقروض السیارات وقروض الطلاب، بعیداً عن الرهون العقاریة، وأن ارتفاع مستویات الدین یؤدي إلی انخفاض أسعار المساکن.
وأضاف دادلي أن الارتفاع الحاد في قيمة أسعار المساكن والأسهم ونمو الوظائف والقوة المعتدلة في الأجور يعني عموماً أن «الوضع المالي لقطاع الأسر المعيشية اليوم في وضع جيد بشكل غير عادي لهذه المرحلة في الدورة الاقتصادية».



السعودية: توقع «طفرة سكنية» يصحبها تراجع جديد في أسعار العقارات

تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
TT

السعودية: توقع «طفرة سكنية» يصحبها تراجع جديد في أسعار العقارات

تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة

بعد سلسلة من المتغيرات التي شهدها قطاع الإسكان السعودي، يتجه القطاع إلى التوازن مع انخفاض التضخم الحاصل في الأسعار بمختلف فروع القطاع العقاري، وسط مبادرات سعت إليها وزارة الإسكان السعودية؛ الأمر الذي قلص الفجوة بين العرض والطلب خلال السنوات الماضية، حيث حققت الوزارة القيمة المضافة من خلال تلك المبادرات في رفع نسب التملك بالبلاد.
وتوقع مختصان أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من النجاح الحكومي في مجال الإسكان، مشيرين إلى أن المواطن سيجني ثمار ذلك على مستوى الأسعار وتوافر المنتجات، التي تلبي مطالب جميع الفئات. ويمثل هذا النجاح امتداداً لإنجازات الحكومة، في طريق حل مشكلة الإسكان، عبر تنويع المنتجات العقارية وإتاحتها في جميع المناطق، مع توفير الحلول التمويلية الميسرة، والاستفادة بالشراكة مع القطاع الخاص.
وأشار المختصان إلى أن أداء الحكومة، ممثلة في وزارة الإسكان، كان وراء خفض أسعار المساكن بشكل كبير، وذلك بعد أن وفرت للمواطنين منتجات عقارية متنوعة تلبي أذواق جميع المستفيدين من برامج الدعم السكني. وقال الخبير العقاري خالد المبيض إن «وزارة الإسكان تمكنت من إيجاد حلول عقارية ناجعة ومتنوعة، أدت إلى تراجع الأسعار بنسب تشجع جميع المواطنين بمختلف مستوياتهم المادية، على تملك العقارات»، مضيفاً أن «الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من النجاح في هذا الجانب».
وتابع: «أتذكر أن أول مشروع تسلمته وزارة الإسكان، كان يتعلق ببناء 500 ألف وحدة سكنية، بقيمة 250 مليار ريال (133.3 مليار دولار)، ما يعني أن قيمة الوحدة السكنية 500 ألف ريال (133.3 ألف دولار). أما اليوم، فقد تمكنت الوزارة من إيجاد وحدات جاهزة بقيمة تصل إلى نصف هذا المبلغ وهو 250 ألف ريال (66.6 ألف دولار)»، لافتاً إلى أن «الفرد يستطيع الحصول على هذه الوحدات بالتقسيط، مما يؤكد حرص البلاد على إيجاد مساكن لجميع فئات المجتمع السعودي».
وأضاف المبيض: «تفاوت أسعار المنتجات العقارية يمثل استراتيجية اتبعتها الوزارة في السنوات الأخيرة، ونجحت فيها بشكل كبير جداً». وقال: «أثمرت هذه السياسة زيادة إقبال محدودي الدخل على تملك المساكن، بجانب متوسطي وميسوري الدخل الذين يقبلون على تملك مساكن ومنازل وفيلات تناسب قدراتهم المادية، وهذا يُحسب لوزارة الإسكان ويمهد لإنهاء مشكلة السكن التي لطالما أرقت المجتمع في سنوات ماضية».
وتوقع الخبير العقاري أن تشهد المرحلة المقبلة طفرة في قطاع الإسكان. وقال: «يجب أن نضع في الاعتبار أن منتجات الوزارة التي تعلن عنها تباعاً، تحظى بإقبال الأفراد كافة، لا سيما أنها تراعي خصوصية الأسرة السعودية، كما أنها تلبي احتياجاتها في الشكل والمساحات».
وأضاف: «تمكنت الوزارة من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة، ومنازل مستقلة، وفيلات، ومنح أراضٍ وقروض لمن يرغبون في البناء بأنفسهم». وتابع «كل هذه الخيارات وفرتها الوزارة في صورة مبادرات متعددة، موجودة في برنامج (سكني)، وروجت لها بشكل جيد، ووصلت بها إلى المواطنين».
من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي علي الجعفري أن شراكة الوزارة مع شركات العقار السعودية تمثل خطوة استراتيجية تُحسب للحكومة في السنوات الأخيرة. وقال: «إحقاقاً للحق؛ أضاعت الوزارة عقب تأسيسها، بعض الوقت والجهد للبحث عن آليات تمكنها من بناء 500 ألف وحدة سكنية، لكنها عوضت ذلك بالشراكة مع القطاع الخاص».
وأضاف الجعفري: «الوزارة في بداية عهدها لم تتعاون مع شركات التطوير العقاري السعودية لتنفيذ مشاريع السكن، ولو أنها سارعت بهذا التعاون، لكان لدينا اليوم عدد كبير من المنتجات العقارية التي تساهم في حل مشكلة السكن».
واستطرد: «الوزارة تداركت في السنوات الأخيرة هذا الأمر، واعتمدت على شركات التطوير السعودية، التي أصبحت بمثابة الذراع التنفيذية لتصورات الحكومة وتوجهاتها لحل مشكلة السكن»، مضيفاً: «اليوم الوزارة ترتكن إلى حزمة من المبادرات النوعية، التي وفرت كثيراً من التنوع في المنتجات العقارية، وهو ما أشاع جواً من التفاؤل بإمكانية حل مشكلة السكن في المملكة في وقت وجيز».
وأكد الجعفري ثقته باستمرار نجاح البلاد في إدارة ملف الإسكان. وقال: «أنا واثق بأن مؤشرات السكن اليوم أفضل بكثير منها قبل 8 سنوات مضت، بعد طرح الوزارة آلاف المنتجات العقارية وتسليمها إلى مستحقيها، بل ودخول عدد كبير منها إلى حيز الاستخدام».
وختم الجعفري: «نجاحات وزارة الإسكان تحقق مستهدفات (رؤية المملكة 2030)، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى نسبة تمليك بين المواطنين تصل إلى 70 في المائة» على حد وصفه.
وكانت «مؤسسة النقد السعودي (ساما)» أشارت إلى أن عقود التمويل العقاري السكني الجديدة للأفراد واصلت صعودها لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مسجلة أعلى معدلات إقراض في تاريخ البنوك السعودية من حيث عدد العقود ومبالغ التمويل بنحو 23 ألفاً و668 عقداً مقارنة بنحو 9 آلاف و578 عقداً في يناير 2019، من إجمالي القروض العقارية السكنية المُقدمة من جميع الممولين العقاريين من بنوك وشركات التمويل.
وأوضح التقرير الخاص بـ«ساما» أن النمو في عدد عقود التمويل العقاري السكني وصل لنحو 147 في المائة مقارنة مع يناير 2019، فيما سجل حجم التمويل العقاري السكني الجديد في يناير 2020، نمواً بمقدار 112 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2019، والذي سجل نحو 4.766 مليار ريال (1.270 مليار دولار)، كما سجلت قروض يناير السكنية ارتفاعاً بنسبة اثنين في المائة عن الشهر السابق ديسمبر (كانون الأول) 2019، والذي وصل حجم التمويل خلاله إلى نحو 9.86 مليار ريال (2.6 مليار دولار)، فيما ارتفع عدد العقود بنسبة 1.5 في المائة عن شهر ديسمبر 2019، والذي شهد توقيع نحو 23 ألفاً و324 عقداً.
وأشار التقرير إلى أنه تم إبرام 94 في المائة من قيمة هذه العقود عن طريق البنوك التجارية، بينما أبرمت 6 في المائة منها عن طريق شركات التمويل العقاري، فيما بلغ عدد عقود المنتجات المدعومة من خلال برامج الإسكان في شهر يناير 2020 عن طريق الممولين العقاريين 22 ألفاً و432 عقداً وبقيمة إجمالية بلغت 9.4 مليار ريال (2.5 مليار دولار).