«طه» و«علي» في مركز كينيدي للفنون التمثيلية

أعمال لا تشاهد كثيراً في واشنطن

مشهد من مسرحية «أين أعثر على مثلك يا علي؟»
مشهد من مسرحية «أين أعثر على مثلك يا علي؟»
TT

«طه» و«علي» في مركز كينيدي للفنون التمثيلية

مشهد من مسرحية «أين أعثر على مثلك يا علي؟»
مشهد من مسرحية «أين أعثر على مثلك يا علي؟»

قدم، مؤخرا، مركز كينيدي للفنون التمثيلية مسرحية «طه»، التي يمثلها رجل واحد، هو عامر حليحل، عن الأديب الشاعر الفلسطيني طه محمد علي. تقمص عمرو حياة طه الذي عاصر فترة النكبة في عام 1948، عندما طرد اليهود الفلسطينيين من وطنهم. ظهر حليحل على خشبة المسرح، وهو يتحرك في بطء، ويتكلم بصوت خافت، ويبدو أحيانا مرتبكا، أو تائها.
عن هذا قالت صحيفة «واشنطن بوست»: «كأنه يرمز لموضوع مسرحيته... لهذا، ينتبه المشاهد لما يشاهد، ولمغزى ما يشاهد».
بعد «طه» بأسبوع، قدم مركز كينيدي مسرحية «أين أعثر على مثلك يا علي؟»، التي كتبتها، وأخرجتها، ومثلتها (منفردة أيضا) رائدة طه، بنت علي طه، وهو مواطن فلسطيني استشهد في عملية فدائية.
في عام 2011. توفي طه الأديب الشاعر. وفي عام 2014. بدأ حليحل يمثل مسرحية «طه» التي كتبها هو. يتحدر الاثنان من «عرب عام 1948»، الذين يشكلون اليوم خمس سكان إسرائيل تقريبا.
عن هؤلاء، قال حليحل: «سئم الجيل الجديد من الفلسطينيين داخل إسرائيل من كثرة الحديث عن النكبة كتطور سياسي. يفضلونها تجربة حياتية. ومن هنا تأتي أهمية قصائد طه». وأضاف: «أكثر القصائد تجربة إنسانية، هو طه نفسه». وأشار حليحل إلى حقيبة الملابس القديمة التي ظهر بها على المسرح. وقال إنها ترمز إلى تجربة طه الإنسانية، من أكثر من جانب: التجربة قديمة، لكنها يجب ألا تزول، وصاحب التجربة، لكن بقيت التجربة، التي ترمز أيضا إلى تجارب آخرين (كل واحد عنده حقيبة ملابس قديمة).
يقول حليحل: «تجربة جدي. تكاد تكون صورة طبق الأصل من تجربة طه. لكن، لم يكن جدي يتحدث عنها كثيرا. كان يراها مأساة يجب إلا يقضي بقية عمره يجترها».
وجده حليحل هرب مع عائلته من قرية الصفورية إلى لبنان. وبعد سنوات، عاد مع العائلة، ووجد أن القرية دمرت. فاستقر في مكان قريب منها، وبدأ حياة جديدة.
وتعمد الجد ألا يتحدث عن النكبة: «خوفا من أن يطرد مرة ثانية. اختار الأرض مقابل الصمت».
عاش طه التجربة، وكان عمره أقل من 20 عاما. لكنه لم يكتب قصائده الرئيسية إلا بعد أن وصل عمره إلى 50 عاما. ومما كتب (في عام 1988) عن يوم الهروب، تحت اسم: «لم يكن هناك وداع»: «ليلة المغادرة لم ننم. كانت ليلة بلا نور. وبلا قمر....».
أشادت بمسرحية «طه» صحيفة «موندووايز» اليهودية التقدمية. ونشرت مع مقالها صورا من داخل إسرائيل. منها صورة أبو عرب، أخو طه، وهو يقف في مقابر قرية العائلة: الصفورية. وفي الخلف أشجار غزيرة نمت فوق مكان القرية بعد أن دمرت.
أشارت إلى الصحيفة أنات هوفمان، وهي إسرائيلية تقدمية جاءت خصيصا إلى واشنطن لحضور الأمسية. وفي أسبوع «طه»، تحدثت في مقر الجالية اليهودية في واشنطن عن الحركة التقدمية في إسرائيل (رغم أن أكثر حديثها كان عن مظالم المرأة الإسرائيلية).
وكانت مسرحية «طه» قد عرضت سابقا في مهرجان مركز «سندانس» السينمائي التقدمي في الولايات المتحدة قبل عامين من عرضها في مركز كينيدي. لكن، كان عرض مسرحية «علي» هو الأول في الولايات المتحدة.
في «طه»، الحديث باللغة الإنجليزية أساسا، مع قصائد وعبارات باللغة العربية (مع تراجم وصور وقصاصات صحف على شاشة خلفية). وفي «علي»، الحديث باللغة العربية (أيضا، مع تراجم وصور وفيديوهات وعناوين صحف على شاشة خلفية).
تحكي رائدة، وهي تجلس على كنبة، وتتحدث في هدوء (دائما، تلبس فستانا أزرق طويلا وجميلا). عكس حليحل الذي يتحرك هنا وهناك (دائما، يحمل الحقيبة القديمة). تحكي رائدة قصة عائلة فقدت والدها، وقصة شعب فقد وطنه. صارت يتيمة، وصار الشعب يتيما.
والدها هو علي طه، فدائي فلسطيني استشهد في عملية فدائية في عام 1972 (خطف طائرة «سابينا»). أضاف هذا إلى مأساة حياتها مع والدتها في خيام للاجئين الفلسطينيين في بيروت (عائلة والدها كانت في القدس). وأضاف هذا إلى مأساة 4 بنات تركن والدها (هي الأكبر). لكنها تحدت المآسي، وتفوقت في المدارس، حتى جامعة جورج مايسون الأميركية (ولاية فرجينيا).
عملت، لفترة، متحدثة صحافية للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. (تبدأ المسرحية بواحد من مستشاري عرفات حاول اغتصابها. وكأنها تقول: إن النضال الفلسطيني فيه سلبيات).
في المسرحية إيجابيات وطنية كثيرة. وإشارات إلى «بنات الشهيد» (مع أخواتها). و«أرملة الشهيد» (والدتها فتحية، في بيروت). و«الأم الشجاعة» (عمتها سهيلة، في القدس المحتلة).
كتبت رائدة طه المسرحية، وأخرجتها، ومثلتها. وأدارت المسرحية لينا ابياد. وبعد المسرحية (وجدت إقبالا كبيرا مثل مسرحية «طه»)، تحدثت المرأتان عنها في حلقة نقاش مثيرة (مثل النقاش بعد «طه»، والذي اشترك فيه الممثل حليحل، ومدير المسرحية أمير زوابي).
وذكرت اليشيا آدامز، مسؤولة البرامج العالمية في مركز كينيدي، في الأمسية: «ها نحن نقدم أعمالا من فنانين من الشرق الأوسط، لأن أعمالهم لا تشاهد كثيرا في واشنطن».
أما فيليب همبيرغ، المدير الفني في مركز «سندانس»، الذي تعاون مع مركز كينيدي لعرض المسرحيتين، فقال: «نريد أن نقدم، في أهم مركز تمثيلي في الولايات المتحدة، مسرحيات وأعمالا فنية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.