عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين

موجة جديدة من التطرف في منطقة غير آمنة تشهد اضطرابات

عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين
TT

عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين

عودة الإرهاب للساحل والصحراء الأفريقيين

أسهمت عدة عوامل متداخلة في عودة تنظيم القاعدة في الساحل والصحراء للضوء من جديد، وهذه المرة باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». وتأتي هذه العودة ضد مجريات التاريخ الانشطاري للحركات الإرهابية التي عرفت انقسامات حادة منذ 2002. كما تأتي هذه العودة بعد التراجع الجغرافي لدولة البغدادي في العراق وسوريا. فقد استطاع الزعيم التاريخي الطارقي إياد أغ غالي قبل أسابيع قليلة بداية الشهر الماضي، توحيد 4 فصائل إرهابية قدمت بيعتها لتنظيم القاعدة بقيادة الظواهري. ويبدو أن هذا الاندماج بين كلٍّ من «جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطين»، سيشكل بداية لموجة جديدة من الفعل الإرهابي في منطقة غير آمنة، وتشهد اضطرابات سياسية وتناحرات عرقية وإثنية؛ وتشير أول عملية للتنظيم لما يمكن أن يحدث في المستقبل، حيث نفذ التنظيم الإرهابي الوليد أول عملية له بعد ثلاثة أيام من ولادته بهجوم على موقع عسكري في مالي قرب الحدود مع بوركينا فاسو بداية الشهر الماضي، وأدى إلى مقتل 11 جندياً من مالي والاستيلاء على بعض العتاد العسكري المهم.
ضمن هذا المسار الجديد، يمكن الحديث عن تطور في وعي التنظيم الجديد؛ ذلك أن اختيار إياد أغ غالي، زعيم «جماعة أنصار الدين»، قائداً للتنظيم الجديد يدخل لأول مرة عامل الرمزية التاريخية و«جانب التحرر» ليدمج في فكري ديني قتالي. فإياد أغ غالي وهو يخوض «حربه المقدسة» اليوم عمد في خطاب إعلان الولادة، إلى الاستحضار المكثف لمطلب الطوارق في الاستقلال والتحرر؛ واعتبر نجاحه في توحيد الجماعات الإرهابية، بداية لمرحلة جديدة من معركة شعب الطوارق والعرب المتضررين من الأنظمة السياسية المحلية والدول الأجنبية التي جاءت بجيوشها للمنطقة. من جهة أخرى لم تخل كلمة زعيم التنظيم الجديد «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، من الإعلان عن الاختيار العقدي والمذهبي الذي لخصه في رؤية تنظيم القاعدة بقيادة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود، وأمير حركة طالبان الملا هيبة الله.
* رجل يظهر وقت الحرب
يعتبر إياد غالي المولود سنة 1954 بمدينة كدال بمالي واحداً من أبرز القادة التاريخيين للطوارق المنتمين لقبيلة إيفوغاس ذات الثقل الاجتماعي والسياسي. كان الزعيم وهو طفل شاهداً على الصراع السياسي الذي خاضه الرئيس السابق موديبو مع المشيخات القبلية، وهو صراع انتهى بتنحية قبيلة إياد غالي من السلطة. ونظراً لما كانت تلعبه قبيلته سياسيا وعسكريا من دور مهم شمال مالي وخاصة بمنطقة كيدال، فقد كان غالي منذ تسعينات القرن العشرين واحداً من الشباب الذين انخرطوا في العمل العسكري ضد السلطة المركزية بمالي، خاصة بعد التهميش الذي لحق بالطوارق من دولتي النيجر ومالي في ثمانينات القرن الماضي. في هذه الفترة استغل معمر القذافي الوضع الأمني المضطرب في الساحل والصحراء، فكوّن مجموعات طوارقية مسلحة تابعة له، وكان إياد أغ غالي ضمن المجموعة التي أرسلها القذافي للقتال في لبنان ضد القوات الصهيونية إلى جانب نائبه في قيادة التنظيم الوليد سنة 2017 «الشيخ أوسا» بداية ثمانينات القرن الماضي في جنوب لبنان. بعد عودته كان إياد غالي من أبرز قادة «الجبهة الشعبية لتحرير أزواد»، المطالبة بالاستقلال عن مالي، في مرحلة تسعينات القرن الماضي. غير أن التمرد انتهى بوساطة جزائرية سنة 1992؛ وعاد من جديد إياد أغ غالي للعب دور مركزي في إخضاع حركات رافضة للاتفاق، مما أكسبه مزيدا من الشعبية.
صقلت تجربة غالي الشخصية، واكتسب خبرة حربية في مشاركته إلى جانب الجيش الليبي في الحرب الليبية التشادية، وهو ما طبع حياته بالطابع العسكري، سواء في الفترة التي كان يتبنى فيها بعض الأطروحات القومية، أو الفترة التي تبنى فيها الفكر «الجهادي العالمي».
ظل غالي قيادة من رموز الطوارق الذي يتوارى وقت الاستقرار ويعود للسطح بقوة في وقت الأزمة والصراع العسكري؛ وهذا ما يجعل من الرجل واحداً من مفاتيح ومشعلي الأزمة في شمال مالي خاصة. ولعل خلفيته وإرثه في التمرد على الدولة، وفي الوقت نفسه قدرته على لعب دور الوسيط السياسي بين القبائل والسلطة المركزية تجعل منه شخصية غير عادية. يظهر ذلك في الدور المركزي الذي لعبه الرجل في تهدئة واستتباب الأمن بشمال مالي بعد اتفاق 1992 بين الطوارق والدولة المالية.
فقد عمل إياد غالي، بالإضافة لمجموعة من القيادات المنتمية لقبيلة إيفوغاس والمتزعمين للحركة الأزوادية المطالبة بالاستقلال عن مالي، على الاستفادة من اتفاقية السلام بخلق وضع جديد على المستوى الاقتصادي؛ حيث استفاد الرجل وزعماء قبليون آخرون من النشاط التجاري الذي يمر عبر أراضٍ لا تخضع للسيطرة التامة للسلطة الموريتانية والمالية والنيجرية. غير أن وصول «القاعدة» للقارة الأفريقية وضربته القوية سنة 1998 بمدينتي نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا، عجلت من انتعاش الفكر المتطرف على مستوى دول الساحل والصحراء، كما خلقت وضعاً معقداً جديداً يتمثل في التداخل بين التيارات الإرهابية ومنظمات المافيا العالمية المتاجرة في تهريب المخدرات والبشر والأسلحة.
* الوسيط التاجر
وفي خضم هذا التطور النوعي ظهر مرة أخرى غالي «أسد الصحراء» كما تلقبه قبيلته، ليلعب دورا بارزا في الوساطة بين المجموعات الإرهابية وبعض الدول مثل فرنسا وألمانيا؛ حيث أثمرت تدخلاته بداية من عام 2000، بالإفراج عن رهائن غربيين، كانت تنظيمات تابعة لـ«القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي» قد اختطفتهم بالمنطقة. وعاد الرجل من جديد للعب دور الوساطة، حيث ساعد سنة 2003 في إطلاق 14 رهينة أوروبية أغلبهم من الألمان، اختطفتهم «القاعدة» بجنوب الجزائر. وهنا أدرك الرجل بحكم خبرته في الصحراء وخلفيته العسكرية، وثقله القبلي، أن التيارات الإرهابية أصبحت عنصرا فاعلا على مستوى دول الساحل والصحراء، وأن فكرها المتطرف وصل لشباب الطوارق، والقبائل العربية المدافعة عن المناطق الأزوادية.
في سنة 2006 شهدت منطقة شمال مالي تمردا جديدا للطوارق، انتهى باتفاق جديد بين المتمردين والسلطة ببماكو، ولضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة وافق الرئيس المالي على تشكيل مجموعة عسكرية نظامية مشتركة من العرب والطوارق ترأسها محمد آغ غامو، من قبيلة إيفوغاس. في هذه المرحلة سيشهد نشاط التيارات الإرهابية تزايدا محموماً، مستغلاً بذلك ضعف سيطرة الدول المجاورة لمالي على حدودها، وكذلك قدرة «القاعدة في الغرب الإسلامي» على كسب الأنصار في مختلف القبائل الممتدة من جنوب الجزائر إلى مالي والنيجر وتشاد.
كما أن الولايات المتحدة الأميركية تنبهت للوضع وقدمت للسلطات بمالي مساعدات عسكرية، وأرسلت فرقة خاصة سنة 2007 بهدف محاصرة تحركات «تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي دخلت في علاقة مناصرة مع «القاعدة».
غير أن غالي على ما يبدو لم يتحول لزعيم ديني، لسبب رئيسي وهو علاقته القديمة بمعمر القذافي، ودور غالي في منظومة التهريب التي رعاها الرئيس الليبي السابق، للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الدولية لما بعد لوكيربي، والتي ظلت صامدة لليوم، رغم تحول الفاعلين فيها.
ويكفي أن نشير على سبيل المثال إلى أن تهريب السجائر إلى أسواق شمال أفريقيا عبر مناطق الأزواد تطور منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، وسيطر عليه تجار كبار عبر موريتانيا - عبر بنين والتوغو - وعبر النيجر وبوركينا فاسو، إلى ليبيا والجزائر والمغرب. وتشير الأمم المتحدة في عام 2009 إلى أن نحو 60 في المائة من سوق التبغ الليبية تأتي عبر سوق التهريب هذه، والذي تستفيد منه القبائل والزعامات القبلية.
في ظل هذه التطورات استطاع «أسد الصحراء» أن يستغل سيطرة قبيلته على كيدال وعدة مناطق؛ خاصة بعد رحيل الشيخ أغ باهانغا ومقتل القائد بركة شيخ، في 11 أبريل (نيسان) 2008 قرب مدينة كيدال. ومن تلك الفترة تعتبر الحركات الأزوادية، إياد أغ غالي زعيم «نصرة الإسلام والمسلمين»، أقدم وأبرز زعيم للمتمردين الطوارق.
بعد هذه الأحداث بدأ إياد أغ غالي يظهر توجهه الديني الذي كان يحسب على تنظيم «الدعوة والتبليغ»؛ غير أنه سرعان ما تبين أن الزعيم الطوارقي متأثر بأفكار «القاعدة»، وأنه يمنحها طابعا محليا يراعي ما هو قبلي وإثني. وظهر هذا جليا بعد سقوط القذافي، وبالضبط في سنة 2011. حيث أسس غالي «جماعة أنصار الدين»، التي كانت تهدف إلى بعث الحالة الدينية الإسلامية للشعب الأزوادي، وتطبيق الشريعة وإقامة حكم إسلامي في شمال مالي خاصة. وضمت المقاتلين الطوارق القادمين من ليبيا، والمنشقين عن الجيش المالي، كما استفادت الجماعة من تدفق أنواع مختلفة من الأسلحة المنهوبة من الخزائن بعد انهزام القذافي وأنصاره.
تحول الوضع بمالي بشكل سريع وتدخلت فرنسا ومجموعة من الدول لمحاصرة الوضع المتدهور وسيطرة الحركات التابعة لـ«القاعدة» على مالي؛ غير أن هذا التدخل الفرنسي (عملية سرفال) الذي يشرف عليه أكثر من 4000 جندي فرنسي، بالإضافة لقوات ألمانية وبريطانية؛ وإضافة للولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2013، وإضافة اسم غالي إلى قائمة الإرهاب لم يحل دون رجوع إياد أغ غالي للساحة من جديد وهذه المرة باعتباره رمزاً تاريخياً وموحداً لتيارات إرهابية كانت إلى حدود شهرين متنازعة وتخترقها خلافات فقهية وإثنية وعرقية.
ويمكن القول إن التحول الجديد في مسار التنظيمات الإرهابية وقدرتها على الاندماج، يشكل مرحلة جديدة من مراحل المواجهة المفتوحة بين الإرهاب ودول الساحل والصحراء والقوى الغربية المعنية بالمنطقة. ويبدو أن هذه المرحلة ستعرف مراجعات من قبل عدة تنظيمات بما يراعي قدرتها على الصمود وإعادة الانتشار، ولعل ميلاد تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين»، هو تعبير عن قدرة مهمة لهذه التنظيمات على التكيف مع ظروف المواجهة وسياقاتها، في وضع إثني وعرقي شديد الحساسية، مزقته تاريخيا الصراعات المسلحة، ولا يجمعه إلا الدين.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس (الرباط)



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».