قلق عالمي لاشتداد الصراع الروسي ـ الأميركي في سوريا

صورة من مقطع فيديو نشرته وزراة الدفاع الروسية يظهر حالة قاعدة الشعيرات بعد الضربة الأميركية فجر الجمعة الماضي (إ.ب.أ)
صورة من مقطع فيديو نشرته وزراة الدفاع الروسية يظهر حالة قاعدة الشعيرات بعد الضربة الأميركية فجر الجمعة الماضي (إ.ب.أ)
TT

قلق عالمي لاشتداد الصراع الروسي ـ الأميركي في سوريا

صورة من مقطع فيديو نشرته وزراة الدفاع الروسية يظهر حالة قاعدة الشعيرات بعد الضربة الأميركية فجر الجمعة الماضي (إ.ب.أ)
صورة من مقطع فيديو نشرته وزراة الدفاع الروسية يظهر حالة قاعدة الشعيرات بعد الضربة الأميركية فجر الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

بلغ التوتر في العلاقات الأميركية - الروسية خلال الساعات الماضية مستويات غير مسبوقة منذ زمن، على خلفية عودة واشنطن بقوة إلى ساحة الصراع السوري واستهدافها قاعدة عسكرية رئيسية للنظام وسط البلاد، ردا على اتهامها إياه باستخدام غازات سامة في محافظة إدلب ما أدّى لمقتل العشرات اختناقا. وإن كان قرار روسيا إغلاق «الخط الساخن» للتنسيق العسكري مع الولايات المتحدة، وتأكيد الأخيرة جاهزيتها لاتخاذ «خطوات إضافية إذا اقتضت الضرورة»، بمثابة التطور الأخطر في هذا المجال. إلا أن خبراء يرجحون أن يستوعب الطرفان قريبا هذه المستجدات ويعودان للتعاون بما قد يجعل الحل السياسي للأزمة السورية أقرب من أي وقت مضى.
المعنيون بالملف يعولون على زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، المقررة الأسبوع المقبل إلى موسكو، لإعادة العمل باتفاق التنسيق من أجل تفادي الحوادث بين طائرات البلدين في الأجواء السورية.
في هذه الأثناء، ذكّر الباحث الاستراتيجي اللبناني رياض قهوجي، رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيغما»، بأن التوصل إلى اتفاق لتنسيق الطلعات الجوية فوق سوريا «تم بطلب وإلحاح روسي نظرا لأن التكنولوجيا الأميركية في المجال العسكري تفوق بكثير التكنولوجيا الروسية. وبالتالي، فإن الطائرات الأميركية قادرة على أن ترصد من مسافات بعيدة الطائرات الروسية. كذلك فإن دفاعات موسكو الجوية لا تعني شيئا مقارنة بقدرات واشنطن في هذا المجال». وأضاف قهوجي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً: «تعليق الاتفاق عرض عضلات من قبل موسكو أشبه بحركة عقابية لن تلبث أن تتراجع عنها... والروس لا بد أن يكونوا فهموا الرسالة الأميركية جيدا لجهة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب جاهزة للتصعيد إذا دعت الحاجة، لكنها تركت الباب مفتوحا للتفاوض والوصول إلى حل سلمي للأزمة السورية، لكن ضمن الشروط الأميركية المتعلقة بمصير الأسد».
جدير بالذكر أنه لطالما دعا الرئيس الأميركي الجديد في حملته الانتخابية كما بعد انتخابه إلى تحسين العلاقات مع روسيا بعد توترها خلال رئاسة باراك أوباما بشأن سوريا وأوكرانيا وقضايا أخرى، إلا أن انطلاقة عهده والتطور الحاصل منذ أيام في سوريا لا يوحيان بأنّه يعمل فعليا على تحسين هذه العلاقات. وهنا، يتوقع هادي البحرة، الرئيس السابق لـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تؤدي عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة بقوة، وإعادتها بذلك التوازن الذي فُقد في عهد أوباما، إلى (عقلنة) الدور الروسي تمهيدا لتعاون أكبر بين واشنطن وموسكو يجعل حل الأزمة السورية أقرب من أي وقت مضى».
وهذا رأي يؤيده تماما ماريو أبو زيد، الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي اللبناني، الذي يشدد على أن «عودة التوازن إلى المنطقة وربط النزاع سيسهلان عملية الوصول إلى الحل السياسي المنشود»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «مع غياب الإدارة الأميركية الحازمة فلا مجال للتوصل إلى اتفاق». وأضاف أبو زيد: «لا شك أن الخلاف الروسي - الأميركي ليس ذا أبعاد استراتيجية، والأهم أنّه لا يمكن أن يؤدي إلى صدام أو مواجهة عسكرية بين البلدين، بل بالعكس نرجح أن تتم إعادة تفعيل التنسيق بينهما خاصة أننا على أبواب معركة الرقة».
على صعيد آخر، أعلنت موسكو أن الفرقاطة «الأميرال غريغوروفيتش» غادرت البحر الأسود إلى البحر المتوسط، متوجهة إلى سواحل سوريا، وهي التي كانت أطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 صواريخ «كاليبر» على مواقع تنظيم داعش، واستبعد الخبير العسكري إيغور كوروتشينكو أن تكون روسيا أرسلت الفرقاطة مجددا إلى شواطئ سوريا ردا على الضربة الأميركية على قاعدة الجيش السوري، مشيرا إلى أن الرد الروسي سيتمثل في توطيد وتعزيز الدعم الروسي لسوريا الذي يتضمن ترميم وتطوير ما تملكه سوريا من أنظمة الدفاع الجوي.
ويستبعد خبراء أن تضع التطورات الأخيرة القوة العسكرية الأميركية المنتشرة في سوريا، التي يبلغ عددها 900 مستشار عسكري وعناصر من القوات الخاصة وخبراء مدفعية من مشاة البحرية، في خطر. وقال مسؤول عسكري أميركي كبير أمام صحافيين الجمعة: «اتخذنا بالطبع إجراءات لحماية قواتنا في سوريا». وأضاف المسؤول - الذي طلب عدم الكشف عن هويته - «لكن لا مؤشر حاليا بحصول تصعيد أو هجوم أو أي معلومات استخباراتية بعمل للرد».
وفي هذا السياق، قالت كريستين وورموث، المسؤولة السابقة في البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما التي تعمل خبيرة لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس): «لا أرى في الوقت الحالي مخاطر باستهداف روسيا أو سوريا لمقاتلاتنا». واعتبرت وورموث أن محاولة التعرض للقوات الأميركية المنتشرة في شمال سوريا «سينطوي على مخاطر كثيرة»، لافتة إلى أن تعليق العمل باتفاق التنسيق من أجل تفادي الحوادث بين طائرات البلدين في الأجواء السورية «من شأنه أن يعقد عملياتنا ضد تنظيم داعش». وأكد مسؤول عسكري أميركي الجمعة أن العسكريين الروس لم يقطعوا اتصالاتهم مع العسكريين الأميركيين. وقال: «ما زلنا نستخدم خط الاتصال وهناك شخص ما يرد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.