إقرار برنامج عمل لتسهيل دمج اقتصاد اليمن مع الخليج

جانب من اجتماع اللجنة الخليجية - اليمنية المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن في الرياض أمس (واس)
جانب من اجتماع اللجنة الخليجية - اليمنية المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن في الرياض أمس (واس)
TT

إقرار برنامج عمل لتسهيل دمج اقتصاد اليمن مع الخليج

جانب من اجتماع اللجنة الخليجية - اليمنية المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن في الرياض أمس (واس)
جانب من اجتماع اللجنة الخليجية - اليمنية المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن في الرياض أمس (واس)

أقر اجتماع يمني - خليجي جملة توصيات وقرارات تهدف إلى تحريك عجلة المشروعات التنموية في المناطق المحررة، ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني، وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي؛ وذلك تنفيذاً لقرارات المجلس الأعلى لمجلس التعاون.
وكشف الدكتور عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بأمانة مجلس التعاون الخليجي، عن رصد أكثر من 15 مليار دولار خلال مؤتمرات المانحين المختلفة، ساهمت دول الخليج بـ70 في المائة منها.
من جانبه، أوضح الدكتور محمد السعدي، وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني لـ«الشرق الأوسط»، عقب الاجتماع الثامن عشر للجنة المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية للجمهورية اليمنية الذي عقد أمس بالرياض، أن المجتمعين اتفقوا على تفعيل المشروعات التي تعلقت خاصة في المناطق المحررة، وترتيب الأولويات للحكومة اليمنية لتتولى الجهات الممولة والصناديق دعمها ووضع تصور استراتيجي للتعاون الاقتصادي بين اليمن ودول الخليج.
ورغم عدم إعطاء أرقام للاحتياجات التنموية في اليمن أو التعهدات الخليجية، فإن السعدي أكد أن دول الخليج ملتزمة بكل التعهدات السابقة، وعلى استعداد لتقديم أو تأخير ما تراه الحكومة اليمنية، وأضاف: «الاجتماع بحث الاحتياجات التنموية الطارئة في الجمهورية اليمنية، ووجدنا تفاعلا إيجابيا من كل الإخوة الحاضرين واهتماما كبيرا بالدعم المادي والاقتصادي، وتوصلنا إلى توصيات وقرارات تهدف إلى تحريك العجلة، وبخاصة المشروعات التنموية الموجودة في المناطق المحررة، ووجدنا التفهم والتفاعل الإيجابي بأكثر مما نتوقع، وبهذه المناسبة نزف بشرى لإخواننا في اليمن أن إخوانهم في مجلس التعاون الخليجي معهم بالدعم التنموي وتحسين الأوضاع الاقتصادية».
ولفت السعدي إلى أن «إخواننا الخليجيين يشاركوننا اليوم في اليمن برجالهم وجنودهم وسلاحهم، وبصفتنا متخصصين في الجانب الاقتصادي نسعى معهم إلى بناء مستقبل كبير وإيجابي لتحريك العجلة التنموية؛ بناءً على توجيهات القيادات العليا التي تهتم باليمن تنمية واقتصاداً وسياسة، وكذلك في تنمية العلاقات اليمنية الخليجية؛ لأن الأصول والدين واللغة واحدة».
وأشار وزير التخطيط إلى أن العامين الماضيين شهدا تعليقا للكثير من المشروعات، وكثيرا من الموارد توقفت، وبعضها تم العبث بها بفعل الانقلابيين، وتابع: «لكن في هذا الاجتماع حرصنا على تشكيل آليات تفعيلية، سواء كانت المشروعات القائمة، أو المشروعات الطارئة ذات الأولوية، ونتوقع خيراً خلال أسابيع قريبة».
وناقشت اللجنة خلال اجتماعها عدداً من الموضوعات، من أهمها استعراض تطورات سير المشروعات الممولة من قبل دول المجلس وصناديقها التنموية، وآليات تمويل الصندوق الاجتماعي للتنمية وبرنامج الأشغال العامة بالجمهورية اليمنية، وغيرها من المؤسسات اليمنية ودعمها لمواصلة القيام بدورها التنموي والإنساني.
إلى ذلك، بيّن الدكتور عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات، أن الاجتماع يأتي في إطار الجهود التي تقوم بها دول المجلس وصناديقها التنموية في دعم الجمهورية اليمنية الشقيقة والتعاون مع الجهات اليمنية المعنية في تقديم المساعدات التنموية والإنسانية، وإيصالها إلى المناطق كافة في الجمهورية اليمنية الشقيقة.
وأردف: «الاجتماع يأتي كذلك من ضمن الخطوات التي تتخذها الأمانة العامة لمجلس التعاون للتحضير للمؤتمر الدولي لإعمار اليمن وتنميته، ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي؛ وذلك تنفيذاً لقرارات المجلس الأعلى لمجلس التعاون بهذا الشأن».
وتحدث العويشق عن التزام دول الخليج بإعادة تأهيل الاقتصاد اليمني، واندماجه في الاقتصاد الخليجي، وما يتطلبه من العمل المشترك مع الإخوة اليمنيين، وقال: «الكثير من المشروعات إما توقفت أو تأخرت في التنفيذ بسبب الانقلاب، أما اليوم فتحررت معظم مناطق اليمن، لكن المجال التنموي ما زال في حاجة إلى تحريك، عمل اللجنة الرئيسي هو تحديد الاحتياجات التنموية؛ تحقيقا لرؤية قادة مجلس التعاون».
ولفت الدكتور عبد العزيز إلى أن من الأهمية بمكان تسريع تنفيذ المشروعات التنموية الملحة، مبيناً أن المبالغ المالية سبق رصدها، وأردف «هناك أكثر من 15 مليار دولار في مؤتمرات المانحين المختلفة، 70 في المائة من دول مجلس التعاون، صرف منها الكثير وبقي الكثير».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.