* في عدد اليوم، تركز الوثائق البريطانية على الجوانب الأخرى لزيارة اللورد كارينغتون لمنطقة الشرق الأوسط، واجتماعاته مع المسؤولين العرب في السعودية والكويت والعراق والأردن. ومع أن «الشرق الأوسط» قد غطت قبل سنتين الوثائق التي تعود لتلك الفترة، أي عام 1982، والأحداث التي كانت تمر بها منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت مثل الحرب العراقية الإيرانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن بعض ملفات وزارة الخارجية البريطانية بقيت قيد السرية.
زيارة اللورد كارينغتون تناولت بالأمس الأذى الذي كان من الممكن أن يلحق بالعلاقات البريطانية العربية بسبب المقال الذي نشرته جريدة «الشرق الأوسط»، يتهم الحكومة بعلاقات سرية مع إسرائيل والتعاون معها في برنامجها النووي. لكن كان هناك بعض القضايا الساخنة التي كان على اللورد كارينغتون أن يتباحث حولها مع العرب، مثل الوفد العربي الذي كان سيحضر إلى لندن للتباحث مع بريطانيا حول فرص السلام، خصوصا بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. الوفد كان يضم ممثلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا سبب إحراجا لبريطانيا التي كانت لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني. وتلكأت بريطانيا في استقبال الوفد لتحدد مستوى الاستقبال الرسمي الذي يمكن منحه له، أي أن يلتقي الوفد مع رئيسة الوزراء ووزير الخارجية اللورد كارينغتون، أم فقط مع وزير الدولة للعلاقات الخارجية دوغلاس هيرد. كما تتضمن الوثائق لقاء اللورد كارينغتون في الكويت التي اعتبرت المحرض الرئيس في حملة المقاطعة العربية، وكذلك المراسلات بين أمير الكويت ورئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر.
* حسب محضر جلسة الاجتماع في 21 ديسمبر (كانون الأول)، أطلع وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون وزير الدولة دوغلاس هيرد على جولته الشرق أوسطية، ولخص له رد الفعل العربي تجاه «السياسة البريطانية بخصوص استقبال الوفد العربي في لندن». وقال له إن «المزاج في تونس عكس خيبة الأمل وعدم قدرة العرب على استيعاب موقفنا».
وقال اللورد كارينغتون لهيرد إنه لم يحاول التأكيد للعرب أن رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر مستعدة للقاء الأمين العام للجامعة العربية الشاذلي القليبي، إذا قرر الأخير زيارة لندن. دوغلاس هيرد كرر نفس الموقف البريطاني خلال لقائه (في هذا اليوم) مع محمود المستيري، وزير الدولة التونسي للعلاقات الخارجية في حكومة بورقيبة. وأضاف اللورد كارينغتون أن النقاشات مع الأردنيين كانت لا بأس بها. واعتبر لقاءه مع مروان القاسم، وزير الخارجية الأردني، مثيرا للانتباه، خصوصا النقاش حول زيارة الوفد العربي لموسكو. وقال الوزير الأردني للورد كارينغتون إنه شعر بان الرئيس السوفياتي أندروبوف يريد أن يفشل خطة ريغان بخصوص السلام في الشرق الأوسط، مضيفا أن الوزير الأردني يعتقد أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط كان الهدف من ورائها التحضير لخلق إسرائيل الكبرى، وأن الخطة هي احتلال الأردن حتى تصبح لإسرائيل حدود مشتركة مع السعودية.
وقال اللورد كارينغتون إن زيارته التي أخذته إلى السعودية والكويت والعراق والأردن «كانت لا بأس بها، باستثناء زيارته للعراق التي اعتبرها بغيضة، وأن حسن علي وزير التجارة كان مزعجا وهدد بالانتقام التجاري». ومع أن كارينغتون قال إنه لم يحس بأن بريطانيا خسرت من الناحية التجارية بسبب رد الفعل العربي تجاه الموقف البريطاني بسبب الخلاف حول زيارة الوفد العربي، فإنه أكد أن «الزيارة يجب أن تتم في المستقبل القريب، حتى نتفادى رد فعل عربيا معاكسا». وقال دوغلاس هيرد «علينا أن نعمل من أجل أن تتم الزيارة في فبراير (شباط) المقبل».
وفي رسالته إلى وزارة الخارجية، قدم السفير البريطاني تقييما لزيارة اللورد كارينغتون للكويت، يقول فيه «لا اللورد كارينغتون ولا أي من العاملين في السفارة الكويتية يعرف الأسباب التي جعلت الكويت تكون أحد المحرضين الرئيسين، إن لم نقل المحرض الرئيس، في حملة المقاطعة ضد (جنرال إليكتريك). لكننا مقتنعون بأن علينا أن ننجح في الكويت من أجل تفادي المقاطعة العربية». وتبين الرسالة كيف أن صندوق الاستثمار الكويتي قام بخطوات ضد «جنرال إليكتريك» واستهدفها في نشاطاته المالية مما أغضب البريطانيين.
اجتمع اللورد كارينغتون مع وزير المالية الكويتي لمدة 45 دقيقة ووجده «واسع المعرفة وذكيا جدا وذا حنكة ومتعاطفا مع الموقف البريطاني.. ووعد بأن يعمل ما بوسعه من أجل إخراج (جنرال إليكتريك) من المأزق». المحادثات مع الشيخ سعد العبد الله، الذي من الواضح أنه لم يكن على دراية كاملة بالموضوع، تناولت الحرب العراقية الإيرانية والدعم الكويتي للعراق. كما طلب الشيخ سعد من الغرب بأن يعمل باتجاه طرد القوات الإسرائيلية من لبنان.
أما ما قام به اللورد كارينغتون من عرض لبيع طائرات «هوك» والصفقة الدفاعية للكويت فقد كان ناجحا، قال السفير «لكن الشيخ سعد لم يعلق، لكنه لاحظ أهمية الموضوع بالنسبة لنا». ويضيف السفير البريطاني لدى الكويت قائلا إن «لقاء الشيخ صباح تناول الكثير من التفاصيل. كما أن الشيخ صباح صحح لوزير الخارجية بخصوص ما يجري على الجبهة بين العراق وإيران، قائلا إن العراق ما زال مسيطرا على الموقف، وإن الكويت ملتزمة التزاما كاملا إلى جانب العراق، وإن الحرب كلفته لحد الآن ستة مليارات دولار، إضافة إلى دعم مادي آخر»، مضيفا «لقد آن الأوان لأن يتخذ الغرب خطوات عملية، ويدعم وضع قوة حفظ سلام على الحدود العراقية الإيرانية».
أما بخصوص النزاع العربي الإسرائيلي فقد اتخذ الشيخ صباح موقفا صارما، بخصوص استقبال لندن للوفد العربي ورفض تضمينه ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
* مراسلات بين أمير الكويت ورئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر
* في صيف 1982، وعلى خلفية الاجتياح الإسرائيلي للبنان، كتب أمير الكويت رسالة احتجاج إلى رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، وردت هي عليه بالمثل. لكن رئيس مكتب قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية بعث برسالة إلى السفير البريطاني لدى الكويت في 16 أغسطس (آب) 1982، عبر فيها عن استغرابه من عدم تقديم القادة العرب أي مقترحات بناءة بخصوص الأزمة في لبنان. وقال في الرسالة «أرفق طي هذه الرسالة المراسلات بين أمير الكويت الشيخ جابر ورئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر بخصوص الأزمة في لبنان.. لقد خاب أملي قليلا لأن أمير الكويت، مثله مثل القادة العرب المعتدلين، لا يتقدم بأي اقتراحات عملية لحل الأزمة اللبنانية».
وقدم أمير الكويت الشيخ جابر في رسالته (31 يوليو/ تموز 1982) الموجهة لمارغريت ثاتشر نبذة تاريخية عن معاناة الفلسطينيين وطردهم من بلادهم، وكيف أن إسرائيل «تلاحقهم الآن في لبنان» وتنكل بهم على مسمع من العالم. «إن إسرائيل التي ملأت الدنيا بكاء وشكوى من أيام الشتات، لا ترضى للفلسطينيين إلا بالشتات.. إن أحدث الأسلحة المحرمة أصبحت الآن في يد الجيش الإسرائيلي يقتل بها الأبرياء.. إن مجزرة لبنان سجل دموي تغتال فيه إسرائيل حقوق الإنسان وتدمر بقذائفها حقه في الحياة والأمن وتزحف بدباباتها على كل مقدساته.. إن الإنسانية وكل محب للسلام مؤمن بكرامته وحقه في الحياة يتطلع إليكم لإيقاف هذه المجزرة الرهيبة».
ويختتم الشيخ جابر الأحمد الصباح رسالته قائلا «أرجو أن تكون استجابة فخامتكم إيجابية وعاجلة».
وبعثت مارغريت ثاتشر بردها إلى أمير الكويت بتاريخ 11 أغسطس 1982، تقول فيها «إنني أشاطرك الرأي حول معاناة الشعبين الفلسطيني واللبناني. الغزو الإسرائيلي هو خرق للقانون الدولي. لقد شجبناه بقوة وأوضحنا للإسرائيليين من خلال القنوات المتاحة أن يلتزموا بوقف النار، وأن يسحبوا قواتهم من حول بيروت، كخطوة أولى لسحب كامل قواتهم من لبنان.. وقررنا مع حلفائنا في المجلس الأوروبي في يونيو (حزيران) عدم تزويد إسرائيل بالأسلحة حتى إشعار آخر.. إننا ندعم جهود المبعوث الأميركي فيليب حبيب لتحقيق سلام عادل وانسحاب جميع القوى من لبنان الموجودة هناك ضد رغبات الحكومة اللبنانية.. المشكلة الفلسطينية، كما تفضلت، هي في قلب النزاع في لبنان، وعملنا دائما من أجل سلام عادل يمكنهم من خلاله ممارسة حق تقرير المصير، وعلى الرغم من المأساة اللبنانية فإنه لا يجب التخلي عن هذه الجهود. علينا جميعا أن نلعب دورا لجلب جميع القوى المتنازعة لقبول حقوق الآخرين، ومن دون هذه الخطوة الأساسية الأولى فإنه من الصعب البدء بالمفاوضات».