لا مكان لمظاهرات ضد الفساد على الشاشات الرئيسية في روسيا

الكرملين نفى فرض قيود على أخبار الاحتجاجات

المظاهرات في المدن الروسية موضوع برنامج حواري على القناة الروسية الأولى وسط اتهامات لوسائل الإعلام الغربية
المظاهرات في المدن الروسية موضوع برنامج حواري على القناة الروسية الأولى وسط اتهامات لوسائل الإعلام الغربية
TT

لا مكان لمظاهرات ضد الفساد على الشاشات الرئيسية في روسيا

المظاهرات في المدن الروسية موضوع برنامج حواري على القناة الروسية الأولى وسط اتهامات لوسائل الإعلام الغربية
المظاهرات في المدن الروسية موضوع برنامج حواري على القناة الروسية الأولى وسط اتهامات لوسائل الإعلام الغربية

شكلت تغطية وسائل الإعلام الروسية، وبصورة خاصة قنوات التلفزة والوكالات الحكومية الرسمية للمظاهرات التي شهدتها مدن روسية يوم 26 مارس (آذار) موضوعاً إضافياً أثير حوله، إلى جانب المظاهرات ذاتها جدلاً واسعاً في أوساط النخب الروسية. وشهدت أكثر من 100 مدينة روسية احتجاجات بنسبة مشاركة متفاوتة ما بين عشرات المتظاهرين في مدن والآلاف في مدن أخرى، احتجاجاً على الفساد في الدولة، وبصورة خاصة وجه المعارضون انتقادات لرئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، حيث أعدوا تحقيقاً صحافياً مصوراً حول ما يقولون إنها ممتلكات لدى رئيس الحكومة لا تتناسب مع راتبه الشهري. وعلى الرغم من خروج المتظاهرين في قلب العاصمة الروسية واعتقال كثيرين منهم، فإن وسائل الإعلام الرسمية لم تتناول الحدث ولا بأي شكل يومها، الأمر الذي دفع الصحافيين إلى عرض هذا الأمر وتوجيه أسئلة بهذا الخصوص على ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين.
وحسب صحيفة «آر بي كا» الإلكترونية، قال بيسكوف في تعليقه على غياب المظاهرات عن شاشات الإعلام الممول حكومياً، إن «الكرملين لا يصوغ السياسة التحريرية لتلك القنوات»، وهي «تعرض ما تعتقد أنها حدث هام ذو قيمة»، ولفت في الوقت ذاته إلى توفر الكثير من القنوات التلفزيونية البديلة للحصول على المعلومات، واعتبر «الحديث عن فرض قيود ما على تلك القنوات، حديث غير عادل».
وكانت إذاعة «صدى موسكو» قد أشارت إلى أن القنوات الفيدرالية لم تقم بتغطية ما جرى في موسكو، أي مظاهرات المعارضة والاعتقالات خلالها، وقالت: «لم يكن هناك أي ذكر في نشرات الأخبار النادرة للاحتجاجات في موسكو». من جانبه ذكر موقع «ياندكس. تيليبروغرام» أن شبكة بث القناة الروسية الأولى، وقناة «روسيا - 1» وقنوات «إن تي في» و«رن تي في»، كانت تبث أثناء المظاهرات في موسكو مسلسلات تلفزيونية وأفلاماً وبرامج ترفيهية. وعلى وضع الخصوص، يوضح موقع «ياندكس» الروسي، كانت قناة تلفزيون «الأولى» تبث مسلسلاً تاريخياً حول سلالة «رومانوف»، ومن ثم عرضت الفيلم السوفياتي الكوميدي «الأسيرة القوقازية»، كما عرضت قناة «روسيا 1» مسلسل «غورودسكايا راسبسوديا»، وبرنامج «الجميع يرقصون»، ولم يختلف الأمر بالنسبة للقنوات الأخرى.
وحسب قناة تلفزيون «دوجد» الروسية المعارضة، فإن الإشارة الوحيدة في قنوات التلفزة الفيدرالية للمظاهرات، كانت خلال برنامج «المساء مع فلاديمير سولوفيوف» على قناة «روسيا - 1»، حيث قال مقدم البرنامج إن «اليوم لم يكن يوماً سهلاً في روسيا»، وأضاف أن «المظاهرات لا تشكل انتهاكاً للقانون، بحال حصلت على الترخيص»، وشدد على أنه «من الضروري التصدي للفساد. ويجب أن يجيب الجميع على التساؤلات بشأن الفساد، بغض النظر عن المنصب والوضع في المجتمع»، داعياً إلى أن يجري هذا «على أساس اتهامات واضحة وعادلة وفي إطار الآليات المتوفرة»، محذراً: «وإلا فإن الجميع قد شاهدوا ما الذي جرى في أوكرانيا».
من جانبها قالت صحيفة «فيدوموستي» الليبرالية الروسية إن مستخدمي الإنترنت اشتكوا من غياب الأخبار حول المظاهرات في المدن الروسية ضد الفساد غابت عن الشريط الإخباري لموقع «ياندكس» الروسي الشهير، والمعروف بنقله لكل الأخبار بمهنية وسرعة عالية. وتضيف الصحيفة أن مراقبة بعض موظفيها لموقع «ياندكس» يوم 26 مارس، أكدت بالفعل أن التقارير عن المظاهرات غابت عن قائمة الأخبار الرئيسية للموقع منذ الساعة الثانية بعد الظهر وحتى الخامسة، أي في الساعات التي جرت فيها المظاهرات. إلا أن إدارة الموقع أكدت في ردها على صحيفة «فيدوموستي» أن التقارير حول المظاهرات في المدن الروسية ظهرت على الشريط الإخباري عدة مرات، وكانت بين الأخبار الرئيسية، وأوضحت أن ظهور الخبر لا يتصل فقط بعدد التقارير والمعلومات حول الحدث ذاته، بل ويعود اختيار الأخبار كذلك لطبيعة وعدد المصادر التي تنقل الخبر ذاته. وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة العامة الفيدرالية للرقابة كانت قد طالبت وسائل الإعلام التي تغطي المظاهرات في المدن الروسية بتوخي الموضوعية.
وقال فاديم أمبيلونسكي، المتحدث الرسمي باسم الهيئة لوكالة «إنتر فاكس» إن الهيئة طلبت من الصحافيين أن يكونوا موضوعيين، وأن يعرضوا على متابعيهم وجهة النظر الرسمية حول المظاهرات.
ومقابل غياب شبه تام في وسائل الإعلام الفيدرالية للأنباء حول المظاهرات يوم 26 مارس، ذهبت تلك القنوات إلى تخصيص مساحات من بثها في الأيام التالية، للحديث عما جرى في وسط العاصمة الروسية، وفي مدن أخرى من البلاد في ذلك اليوم. إذ أصبحت المظاهرات التي دعا إليها أليكسي نافالني، أحد رموز المعارضة الروسية، موضوعاً رئيسياً للبرامج الحوارية على تلك القنوات، بمشاركة ضيوف من البرلمان، ومحللين سياسيين وصحافيين أجانب. وفي واحد من تلك البرامج الحوارية على القناة الأولى، واسمه «الأستوديو الأول» استهل مقدم البرنامج الحوار من عرض تقارير حول أطفال سقطوا نتيجة القصف الروسي في سوريا، وكيف عرضت وسائل الإعلام الغربية تلك الحوادث، إلا أنها لم تعرض بالشكل المناسب ما جرى في الموصل، حسب قوله، ورد عليه صحافي أميركي مشارك في البرنامج، لافتاً إلى عشرات المقالات في الصحافة الأميركية يومياً حول تلك الجريمة. ولم يكن مقدم البرنامج مديراً للحوار بين الضيوف بل مشارك فيه بنسبة أكبر من الآخرين، حيث حرص على اتهام الإعلام الغربي بعدم الحياد واللاموضوعية، فضلا عن اتهامات لمنظمي المظاهرات، والمشاركين فيها.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».