بوتين يكلف وزارة الدفاع ضمان المصالح الروسية في القطب الشمالي

شدد على ضرورة أن يكون فضاءً للحوار البنّاء وحذّر من الدرع الأميركية

بوتين يكلف وزارة الدفاع ضمان المصالح الروسية في القطب الشمالي
TT

بوتين يكلف وزارة الدفاع ضمان المصالح الروسية في القطب الشمالي

بوتين يكلف وزارة الدفاع ضمان المصالح الروسية في القطب الشمالي

يريد الكرملين أن يكون القطب الشمالي منطقة حوار وتعاون لا منطقة نزاع، وفي الوقت ذاته فهو يؤكد استعداده للدفاع عن مصالح روسيا في تلك المنطقة؛ لذلك يواصل تعزيز تواجده العسكري هناك، ويطمئن دول المنطقة بأن الانتشار العسكري الروسي في القطب يحمل طابعاً محلياً، أي لأغراض حماية الحدود والدفاع عن المصالح الروسية، وعن أمن روسيا. وبرزت الأهمية الخاصة التي يوليها الكرملين لمنطقة القطب الشمالي من خلال مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتدى «القطب الشمالي - فضاء للحوار» الذي استمرت أعماله خلال آخر ثلاثة أيام من شهر مارس (آذار)، في مدينة أرخانغلسك، بمشاركة واسعة لسياسيين ورجال أعمال، بصورة رئيسية من الدول التي تتقاسم القطب الشمالي. وشارك في المنتدى الرئيسان الفنلندي والآيسلندي، إلى جانب الرئيس الروسي. وكان بوتين قد استبق مشاركته في المنتدى بجولة في المنطقة، زار خلالها مركز أبحاث روسياً، ومركزاً لتنظيف مناطق في القطب الشمالي من «البقايا الصناعية». ورافقه في تلك الجولة رئيس الوزراء دميتري مدفيديف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو. وعلى الرغم من عودته من أرخانغلسك، أقصى شمال روسيا، إلى موسكو في ساعة متأخرة من مساء الخميس 30 مارس، فقد ترأس بوتين اجتماعاً صباح أمس31 مارس لمجلس الأمن القومي الروسي، جرى خلاله «بحث بأدق التفاصيل، وتبادل لوجهات النظر، حول مسائل التواجد العسكري الروسي في القطب الشمالي، وتطوير البنى التحتية ذات الصلة»، وفق ما أكد دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، لافتاً في تصريحات يوم أمس إلى أن مجلس الأمن القومي الروسي «بحث تلك المسائل على ضوء جولة بوتين في القطب، ومشاركته في أعمال منتدى (القطب الشمالي - فضاء للحوار)». واستهل الوفد الرئاسي الروسي جولته في القطب الشمالي بزيارة لأرخبيل في المنطقة يُعرف باسم «لاند فرانسيس جوزيف»، وهي في أقصى شمال روسيا. هناك عقد بوتين اجتماعاً شارك فيه رئيس الوزراء دميتري مدفيديف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، وسيرغي إيفانوف، مدير الديوان الرئاسي سابقاً، وحاليا ممثل الرئيس الخاص لشؤون حماية البيئة، وكذلك وزير البيئة الروسية.
خلال ذلك الاجتماع أشار بوتين إلى تقديرات أكاديمية العلوم الروسية التي تؤكد أن «منطقة القطب الشمالي تحتوي على الحصة الأكبر من الاحتياطي العالمي من الخامات، بما في ذلك تحتوي على 40 في المائة من الاحتياطي العالمي من الذهب، و60 في المائة من احتياطي النفط، ومن 60 إلى 90 في المائة من احتياطي الغاز، و90 في المائة من احتياطي معادن مثل الكروم والمنغنيز، و100 من الألماس الأصيل»، كما عرض أهمية تلك المنطقة للتجارة العالمية ونقل البضائع، ليشدد بعد ذلك على ضرورة أن تقوم وزارة الدفاع وهيئة الأمن الفيدرالي وقوات حرس الحدود التابعة للهيئة بـ«تنفيذ خططها لضمان المصالح القومية الروسية في القطب، من وجهة نظر ضمان القدرة الدفاعية، ومن جهة الدفاع عن المصالح الروسية هناك، وضمان عمل طرق النقل البحرية الشمالية». وأشار بوتين في هذا السياق إلى أن احتياطي الخامات والمعادن في المنطقة تصل قيمته وفق التقديرات الأولية نحو 30 تريليون دولار أميركي، وحذر من أن دول الجوار ودولا أخرى لهذا السبب تولي اهتماماً بالمنطقة: «بعضهم عبر نافذة طائرات التجسس، والبعض الآخر عبر القنوات الرسمية، يعملون مع الروس في التنقيب».
وفي استجابة سريعة لما قاله بوتين، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، خلال مؤتمر عبر دارة تلفزيونية مغلقة أمس، أن الإمكانات المتوافرة لدى الحكومة الروسية تسمح بتنفيذ أعمال إنشاء بُنى عسكرية في منطقة القطب وفق الخطط الموضوعة، مؤكداً أن «كل الأعمال في هذا المجال يجب أن تنتهي بحلول عام 2020». في غضون ذلك قام الأسطول الروسي في أقصى الشمال يوم أمس بإنزال غواصة «قازان» النووية الكاسحة للجليد من طراز «ياسين» إلى الماء، بحضور دميتري روغوزين، النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية، المسؤول عن ملف الصناعات الحربية، الذي وصف دخول الغواصة الجديدة الخدمة العسكرية بأنه «حدث مهم للبلاد والقوات المسلحة». ويتوقع أن يتسلم الأسطول الروسية عام 2019 غواصة أخرى، نووية كاسحة للجليد، اسمها «نوفوسيبيرسك» العام المقبل. ويرى محللون عسكريون أن مثل هذه القطع البحرية ستساهم بصورة خاصة في تعزيز ملموس للقدرات العسكرية الروسية في منطقة القطب الشمالي والممرات البحرية الشمالية.
وفي محاولة لطمأنة دول منطقة القطب الشمالي من أن تعزيز روسيا لتواجدها العسكري هناك لا يشكل مصدر تهديد لأحد، أو للأمن والاستقرار في المنطقة، وتوجيه الأنظار في الوقت ذاته نحو مصادر التهديد لأمن المنطقة، وفق الرؤية الروسية، أكد بوتين أن التواجد العسكري الروسي في القطب يحمل طابعاً محلياً، وأن النشاط الروسي هناك مرتبط بفتح طرق نقل بحري في المنطقة، وضمان أمن تلك الطرق؛ الأمر الذي لا يمكن قوله عن الولايات المتحدة، وفق ما يرى بوتين، ولفت بهذا الخصوص إلى أن «ما تقوم به الولايات المتحدة في آلاسكا يحمل طابعاً عالمياً»، وهي «تقوم هناك بتطوير منظومة الدرع الصاروخية الأميركية، المعروف عنها أنها واحدة من المشكلات الجدية للأمن العالمي، وهي ليست مجرد منظومة دفاعية، وإنما جزء من القدرة النووية الأميركية». وشدد بوتين أمام المشاركين في المنتدى على «ضرورة الحفاظ على منطقة القطب الشمالي فضاءً للحوار البنّاء والتعاون متساوي الحقوق».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟