قائد بالجيش الليبي لـ «الشرق الأوسط»: الحرب ضد متطرفي بنغازي ستحسم لصالحنا

حكومة الثني تنتقد قرار القمة العربية وتعتبره منحازاً لحكومة السراج

قائد بالجيش الليبي لـ «الشرق الأوسط»: الحرب ضد متطرفي بنغازي ستحسم لصالحنا
TT

قائد بالجيش الليبي لـ «الشرق الأوسط»: الحرب ضد متطرفي بنغازي ستحسم لصالحنا

قائد بالجيش الليبي لـ «الشرق الأوسط»: الحرب ضد متطرفي بنغازي ستحسم لصالحنا

قال العميد ونيس بوخمادة، قائد القوات الخاصة (الصاعقة والمظلات) بالجيش الوطني الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن محاولة الاغتيال الفاشلة التي نجا منها، أول من أمس، في مدينة بنغازي، بشرق ليبيا: «لن تثنيه عن مواصلة القتال ضد الجماعات الإرهابية والمتطرفة، والقضاء عليها تماماً».
وقال بوخمادة، في أول تصريحات خاصة هي الأولى له بعد ساعات من الإعلان عن إحباط محاولة اغتياله بسيارة مفخخة، إنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة في مسلسل محاولات تصفيته جسدياً، مؤكداً أن «الحرب الشرسة التي يخوضها المتطرفون ضد الشعب الليبي تستحق من رجال الجيش التضحية في سبيل استعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد (...) والحرب محسومة لصالح الجيش، مهما طال الوقت أو قصر».
وكانت القوات الخاصة قد أعلنت أنها فككت، أول من أمس، سيارة مفخخة كانت مجهزة للتفجير عن بعد، بالقرب من أحد معسكراتها في بنغازي، لاستهداف آمر القوات الخاصة العميد ونيس بوخمادة، مشيرة إلى أنه تم ضبطها عن طريق التحريات والمعلومات الاستخباراتية. وأوضح بوخمادة أن قوات الجيش تواصل تقدمها على الأرض، وتحاصر المتطرفين في آخر معاقلهم في منطقتي الصابر وسوق الحوت، في بنغازي.
وقلل بوخمادة من شأن حملة الانتقادات التي يتعرض لها، هو والجيش، من منظمات معنية بحقوق الإنسان، على خلفية تجاوزت من بعض رجال الجيش الوطني، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بحق أسرى ومدنيين، واعتبر أن «حالة الاحتقان التي يشعر بها رجال الجيش ضد المتطرفين تساهم في صدور بعض الأخطاء البسيطة من بعض المقاتلين»، مشيرا إلى أن «للحرب سلبياتها وإيجابيتها (...) وحتى في بريطانيا، خرج رئيس وزرائها ديفيد كاميرون ليقول عندما يتعلق الأمر بالوطن، لا تحدثني عن حقوق الإنسان؛ هذا أمر يحدث في أكبر دول العالم وأعظم الجيوش».
ومع ذلك، أوضح بوخمادة أن قيادة الجيش أصدرت تعليمات رسمية بالتحقيق في هذه التجاوزات، وردع مرتكبيها، مشيراً إلى أنه تم «تشكيل لجان تحقيق بالفعل تتولى هذه المسألة»، وأن الجيش الوطني الليبي يخوض قتالاً ضد المتطرفين في ظل ظروف صعبة للغاية، رغم حظر التسليح المفروض على قوات الجيش بقرار من مجلس الأمن، بينما يتلقى المتطرفون الأسلحة والعتاد الحربي من دول بعينها لإطالة أمد الحرب».
وبخصوص العلاقات مع مصر، نفى بوخمادة وجود توتر بين الجانبين، موضحاً أن أمن مصر من أمن ليبيا، والعكس بالعكس، وقال بهذا الخصوص: «نحن نرى في مصر النموذج الحقيقي لمواجهة الإرهاب والتطرف، بعدما نجح الشعب المصري في الإطاحة بحكم الإخوان (...) وحربنا واحدة من أجل الأمن واستعادة الاستقرار، وبالتالي نحن نشيد بما يفعله الجيش المصري، وهو عون لنا في حربنا المريرة ضد الإرهاب والمتطرفين».
إلى ذلك، انتقدت وزارة الخارجية بالحكومة الانتقالية، التي يترأسها عبد الله الثني، والتي تعتبر موالية لمجلس النواب في شرق ليبيا، القرار الصادر عن القمة العربية الـ28، التي انعقدت في الأردن، بشأن تطورات الوضع في ليبيا، واعتبرت الخارجية في بيان لها أمس أن هذا القرار جاء منحازاً بالكامل للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس، والتي تحظى بدعم من بعثة الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن هذا المجلس يفتقد إلى الشرعية.
وقالت الخارجية إن حكومة السراج المقترحة «لم تحصل على مصادقة مجلس النواب، وهو إجراء دستوري في مختلف بلدان العالم، في تحدٍ واضح وصريح لإرادة الشعب الليبي التي عبر عنها خلال انتخابات حرة ونزيهة أفضت إلى تشكيلة مجلس النواب الحالية».
وأضافت: «هذا القرار يضرب الوفاق الوطني الذي نسعى إليه، ويهدد حاضر ومستقبل ليبيا، خصوصاً في فقراته التي تجيز لمجلس السراج استدعاء الأجنبي، ودعوة مختلف بلدان العالم لرفع الحظر عن الأموال الليبية المجمدة لإهدارها».
كما أكدت الوزارة عدم اعترافها بما جاء في هذا القرار، معربة عن شكرها وتقديرها للجهود التي بذلتها بعض الدول الشقيقة لتعديل بعض فقرات هذا القرار، بما يسهم في إيجاد حلول توافقية تحفظ وحدة واستقلال ليبيا، وترفع المعاناة على الشعب الليبي جراء الأوضاع التي ترتبت عقب سقوط النظام السابق، وحذرت من أنها «ستكون مضطرة إلى اتخاذ موقف من بعض الدول التي تعمل جاهدة من أجل تعميق الخلافات بين أبناء الشعب الواحد، وتحلم بأن تظل ليبيا ضعيفة خدمة لأهداف خبيثة».
من جهة أخرى، اعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري أن الجيش الوطني، الذي يقوده المشير حفتر في شرق ليبيا، هو السلطة الوحيدة المخولة بمسؤولية الدفاع عن كل المنشآت الحيوية الليبية.
وجاءت تصريحات شكري خلال اتصال هاتفي أجراه أمس مع نظيره الفرنسي جون مارك إيرولت، تطرق خلاله إلى التوتر الأمني الذي شهدته أخيراً طرابلس وسائر المدن الليبية، نتيجة محاولات بعض الميليشيات غير الشرعية تحدي سلطة المؤسسات الوطنية الليبية الشرعية، كالمجلس الرئاسي الليبي والجيش الوطني.
وأعرب المسؤول المصري عن ارتياحه لعودة الاستقرار لمنطقة الهلال النفطي، مما يمكن المؤسسة الوطنية للنفط من القيام بواجبها في الاستمرار في تصدير النفط لمصلحة الشعب الليبي، لافتاً إلى ما وصفه بالزيادة الواضحة التي شهدها إنتاج النفط في ليبيا في أعقاب استعادة السيطرة على الموانئ النفطية من القوات المسلحة الشرعية في ليبيا.
وقال بيان للناطق الرسمي باسم الخارجية المصرية أن الوزيرين اتفقا على أهمية العمل على دعم التوافق بين القوى الليبية والحل السياسي في ليبيا، في إطار اتفاق الصخيرات، وذلك لإنهاء مرحلة عدم الاستقرار، وبدء مرحلة إعادة البناء في ليبيا.
وأكد شكري لنظيره الفرنسي على ضرورة التزام المجتمع الدولي بدعم الجهود الرامية لتنفيذ الحل السياسي في ليبيا، مشيراً إلى المساعي المصرية مع جميع الفرقاء الليبيين لبناء توافق حول صفقة الحل في إطار الاتفاق السياسي الليبي، وشدد على «أهمية أن يكون الحل في ليبيا بيد الليبيين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.