مهرجان الكويت السينمائي يصيب أهدافه من الدورة الأولى

حضره نقاد ومحاضرون من حول العالم

جانب من حفل ختام مهرجان الكويت السينمائي - جهاد عبدو في «جهاد في هوليوود»
جانب من حفل ختام مهرجان الكويت السينمائي - جهاد عبدو في «جهاد في هوليوود»
TT

مهرجان الكويت السينمائي يصيب أهدافه من الدورة الأولى

جانب من حفل ختام مهرجان الكويت السينمائي - جهاد عبدو في «جهاد في هوليوود»
جانب من حفل ختام مهرجان الكويت السينمائي - جهاد عبدو في «جهاد في هوليوود»

أقيمت ما بين الثالث والعشرين والتاسع والعشرين من مارس (آذار) الحالي الدورة الأولى من مهرجان الكويت السينمائي تحت رعاية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وزير الإعلام بالوكالة ورئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الشيخ محمد عبد الله المبارك الصـباح. وبإدارة شاكر أبل، المخرج السينمائي والمسرحي الذي سبق له وأن قدم فيلماً أخاذا من قبل حوى العالمين الفنيين معاً هو «رتشارد الثالث شخصية مهمة جداً».
اختيرت السينما الكويتية لتقود وتكون نواة هذه الدورة لأسباب عدة. أولها، بالطبع، أنها تحتاج إلى حاضن ثقافي فني يعرض أعمالها المتزايدة في الكويت ذاتها قبل سواها. وثانيها سبب ناتج من الأول؛ فتشجيع الدولة للفيلم الكويتي هو تشجيع مباشر للسينمائيين الشبان منهم والمحترفين القدامى، على حد سواء، وإن كانت الغلبة، العددية بالطبع، للجيل الحالي وهم مجموعة من الشباب والبنات الراغبين فعلاً في استخدام الكاميرا لسرد حكايات أو للتعبير عن أفكار ومسائل تخصهم ومجتمعهم.
* كل جوانب السينما
33 فيلما قصيرا وفيلمان طويلان في المسابقات الثلاث التي استعرضتها لجنة تحكيم خماسية قادها الممثل المعروف محمد المنصور، وضمت أستاذة الأدب في جامعة الكويت مي النقيب، والمخرج التلفزيوني الكويتي خالد النصر الله، والناقد والمثقف السينمائي الفاروق عبد العزيز، والممثل والكاتب المسرحي والتلفزيوني الكويتي ناصر كرماني.
كان من المفترض بها، حسب الخطة الأولى، أن تضم لجنة التحكيم أسماء من خارج الكويت، لكن بما أن الدورة الأولى تخصصت في الإنتاج الكويتي، فإن هذا الداعي حبّذ الاعتماد على الخبرات المحلية.
إذ انطلق المهرجان («أخيراً» كما شدد عدد من الحضور) فتح المجال والأمل لسينمائيين ما زالوا في مطلع الطريق أو عند عتباته الأولى. وكان لا بد من مؤازرة العروض بمحاضرات وورشات عمل تدل وتساعد وتثري التجربة.
وكان من بين هذه المحاضرات، التي قدم بعضها بالعربية وبعضها الآخر بالإنجليزية، محاضرة بعنوان «التمويل الدولي والإنتاج المشترك» ألقاها طلال المهنا، ومحاضرة في السيناريو ونظامه بعنوان «رحلة البطل» قدمها الكاتب والمنتج المصري محمد حفظي. من كندا قدم مدير التصوير دريد المنجّـم محاضرة «الإضاءة في الأفلام». وقام كاتب هذه السطور بإلقاء الضوء على جوانب في قراءة الفيلم السينمائي في محاضرة عنوانها «أدوات نقد الأفلام». المونتيرة غلاديس جوجو، وقدم جان بيير ماغرو محاضرته حول «ما هي وسائل الإعلام العابرة؟» وألقى الأميركي بيتر بلسيتو محاضرة بعنوان «دعم الأفلام المستقلة».
وقام الزميل عبد الستار ناجي بتقديم محاضرة قيّمة حول «مؤسسة الفيلم العربي»، وهي مؤسسة جديدة أعلنت عن نفسها في مؤتمر صحافي تم في الدورة الأخيرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ورشات العمل كانت مختلفة، كل منها أيضاً أحاط بجانب مفصلي في حركة الصناعة السينمائية. المنتج اللبناني بول بابودجيان قدّم ورشة حول «الإنتاج الإبداعي»، بينما عمد سعود الرسلاني إلى تقديم ورشة بعنوان «أساسيات الألوان في الأفلام»، وقام الكاتب السوري غسان عبد الله بتقديم ورشة حول «الكتابة السينمائية».
* جوائز للمبدعين
هذه المحاضرات والورشات وسواها دعمت هذا الكيان الجديد في ظل غياب مهرجان يأخذ على عاتقه مهام تشجيع السينما الخليجية. هذا بعد توقف «مهرجان السينما الخليجية» الذي كان يقام في دبي، وضم بعض أعماله إلى مسابقات مهرجان «دبي» السينمائي.
لكن الواقع يقول إنه لا غنى عن مهرجان متخصص خليجياً. الفارق بين مهرجان يقبل أفلاماً خليجية، وآخر متخصص بها، هو أن المهرجان المتخصص يجعلها خامته ومادته الوحيدة؛ ما يشجع السينمائيين على مجاراة هذه الخطوة، في حين أنه، ومع الإقبال على مهرجان عام، سيجد نفسه جزءاً من كل.
الأفلام التي شوهدت في هذه الدورة الأولى تمتع معظمها بأفكار وثّابة ورغبات في الإجادة والتجديد، لكنها، في شكل عام، عانت من تغليب الاختيارات التقنية بصفتها أسلوبا على الاختيارات الفنية.
الفارق بين الناحيتين كبير جداً، والناتج هو استخدام الكاميرا ومرحلة ما بعد التصوير لاستعراضات زينة تحاول أن تقتحم قناعة المشاهد بأن هذا الاستخدام هو نمط فني، في حين أن الفن هو التكامل النوعي للمادة وللأسلوب المختار في التعبير عنها.
كذلك، فإن بعض الأفلام التي عرضت كانت روائية من دون رواية تُروى. تستند إلى أفكار وحالات و«طروحات» من دون أن تلتزم بقواعد مبدئية يحتاج إليها كل فيلم روائي، أهمها وجود قصة.
وهناك ملاحظة أخرى مهمة، وهي أن الكثير من الأفلام دارت حول غزو العراق للكويت وما تخلله أو نتج منه، وهذا طبيعي جداً على أساس أن الكويت دولة لها كيان فاعل وحقيقي، وشعبها تمتع، قبل ذلك الغزو المُدان وبعده، بثقافته واستقلاليته، ونمط حياته السياسية المختلفة. لكن البادي أن بعض المخرجين يمزج بين مادة تستحق أن تُروى وتُعاش مجدداً، وبين الفعل الدعائي والعاطفي وحده.
مهما يكن من أمر، وجدت لجنة التحكيم ما يكفي من الأعمال المقدمة لاختيار تسعة أفلام في ثلاثة أقسام مختلفة، بمعدل ثلاثة أفلام في كل قسم. هذه الأقسام وزعت الأعمال نسبة إلى الفئات التي انتمت إليها، وهي مسابقة الفيلم الوثائقي القصير، ومسابقة الفيلم الروائي القصير، ومسابقة الفيلم الوثائقي الطويل.
في القسم الأول، خلصت لجنة التحكيم لمنح ثلاثة أفلام كويتية الإنتاج صدف أنها جميعاً تدور حول نشاطات وموضوعات خارج الكويت. الجائزة الأولى لفيلم «جهاد في هوليوود» حول المصاعب التي واجهها الممثل جهاد عبدو لشق طريقه في عاصمة الأحلام. الثانية لـ«خارج الكويت» عن عدد من الفنانين الكويتيين الذين عرضوا أعمالهم الفنية في لندن. والثالثة، بعنوان «من المدينة إلى المدينة» دار حول فرقة موسيقية تراثية مغربية.
في قسم الفيلم الروائي القصير «أرياتا» لأحمد التركيت، والثانية ذهبت إلى «لمياء خوندة» لخالد الريس، والثالثة لـ«شاي حليب» للمشعل الحليل. وكان لا بد للجائزة الأولى، في الفيلم الوثائقي الطويل، أن تذهب للفيلم الذي نال المديح كثيرا قبل عرضه؛ لمكانة مخرجه حبيب حسين، وعنوانه «الفن خلف الأبواب المغلقة».
إلى ما سبق، تم تقديم جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى فيلمين تناصفا الجائزة، وهما «في داخلي» لعبد العزيز القلاب و«العضو غير المفقود» لأحمد الخضري. وتحمل الجائزة اسم المخرج الكويتي خالد الصديق صاحب الفيلم الروائي الطويل الأول «بس يا بحر» سنة 1971.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز