«كيف كان العشا؟»... قصص صغيرة تكشف خفايا القفص الذهبي

الصراع بين الرغبة والتعقّل، الخيانة والوفاء، ومشاكل أخرى تكتنفها عادة العلاقات الزوجية، تتناولها مسرحية «كيف كان العشا؟» للمخرج كارلوس شاهين.
ويعدّ العمل الذي انطلقت عروضه من على خشبة «مسرح مونو» في منطقة الأشرفية في بيروت، الثالث من نوعه لمخرجها المعروف باقتباساته المسرحية بعد أن قدّم «مجزرة» لياسمينا ريزا عام 2014 و«بستان الكرز» لتشيكوف في العام الذي يليه. فهي ترجمة لواحدة من مسرحيات الأميركي دونالد مارغوليس (Dinner with friends)، التي حازت على جائزة (البوليتزر) في عام 2000.
وتحكي المسرحية بأسلوب مؤثّر وهزلي معا قصة ثنائيين متزوجين (غابي وكارن وطوم ولينا)، اللذين تربطهما علاقة وطيدة منذ أيام دراستهما الجامعية، فهما يشكّلان أسرتين سعيدتين ومتّحدتّين مع أولادهما إلى أبعد حدود.
إلا أن المفاجأة تبرز خلال دعوة إلى العشاء تلبّيها لينا إلى منزل الأولين فتعلن لهما فيها أن زوجها (طوم) سينفصل عنها بسبب وقوعه في حبّ امرأة أخرى. ينصدم الصديقان (غابي وكارن) بالخبر بعدما خاب ظنّهما بالزوج الصديق مزعزعا الفكرة التي كانا قد كوّناها عنه بأنه رجل ملتزم بمسؤولياته ويشكّل مع زوجته ثنائيا سعيدا.
منذ اللحظة الأولى لمجريات المسرحية التي تستهلّ بجلسة دافئة يقضيها الزوجان غابي وكارن (جوزف زيتوني وسحر عساف) على طاولة العشاء مع صديقتهما لينا (سيرينا الشامي) وليطلّ بعدها زوجها طوم (ألان سعادة) في مشهد آخر، يشعر مشاهدها بنوع من الحميمية تولد بينه وبين الممثلين الأربعة، الذين لا خامس لهما على الخشبة سوى أصوات أولاد نسمعها من وراء الكواليس، للإشارة إلى أن صداقتهما توارثها الأبناء أيضا. فكانوا يتسلوّن في مشاهدة فيلم «ليون كينغ» في غرفة أخرى دون أن يقدّروا مصيرهم المجهول في ظلّ الخلاف الناشب بين والديهم. فهم سينطبق عليهم المثل المعروف «الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون» بين لحظة وأخرى.
وفي ديكورات بسيطة يتم تغييرها على الخشبة مباشرة بعد إطفاء الإضاءة، تنقلنا المسرحية إلى خمسة أجزاء أساسية تفتتح بمشهد العشاء وإفشاء الزوجة بسرّها ولننتقل بعدها إلى غرفة نوم هذه الأخيرة التي نتابع فيها مشهدا جريئا يجمع ما بينها وبين زوجها الضائع بين علاقتين عاطفيّتين، للإشارة لاحقا إلى أنه حتى علاقتهما الحميمة تحسّنت في ظلّ أزمة الانفصال التي يعيشانها. وفي الجزء الثالث من المسرحية ننتقل إلى ما قبل فترة زواج (طوم ولينا) وذكريات أول لقاء بينهما في ليلة صيف، وكيف كان الحماس والإعجاب ببعضهما طريقا مفروشا بالزهور أوصل بعلاقتهما إلى القفص الذهبي.
لنعود في جزئها الرابع إلى واقعهما الحالي وكيف اختار كلّ منهما الذهاب في طريقه بعد أن وجدا نصفيهما الآخرين في شخصين آخرين. وفي الجزء الأخير يطرح السؤال الأهم حول العلاقة الزوجية المهتزّة، فهل يجب أن نتّبع رغباتنا وننساق وراء رغباتنا، أم أنه يجب أن نسيطر على أنفسنا وفقا لالتزامنا بمسؤوليتنا في هذه الشراكة الشائكة؟ إلا أن الجواب الشافي على هذا السؤال والذي يطرحه المخرج من خلال نقاشات حادة تجري ما بين الزوجين الصديقين (غابي وطوم) والزوجتين اللدودتين (لينا وكارن)، حيث يفشيان على الملأ رأيهما ببعضهما متناولين نقاطا حسّاسة في العلاقة الزوجية، فيحاول كلّ من الطرفين إقناع الآخر بوجهة نظره. لن يأتينا الجواب بالتأكيد، نظرا إلى اختلاف وجهات النظر في هذا الموضوع، والذي تبقى خيوط حلوله معلّقة بمبادئ وقيم اجتماعية، إما نتمسّك بها أو العكس.
وعلى مدى نحو الساعتين وهو الوقت الذي يستغرقه عرض «كيف كان العشا؟»، يشعر المشاهد وكأنه يتابع فيلما ممسرحا بعد أن نجح مخرجها بربط أحداثها بشكل سلس بعيدا كل البعد عن نمطية الخشبة الجامدة، فينسجم بمجريات القصص الصغيرة التي ترويها كاشفة عن قطب مخفيّة في مجتمعاتنا من ناحية، وبالممثلين الذين استطاعوا زجّنا في هذا الصراع تلقائيا من خلال أدائهم الطبيعي، من ناحية أخرى. فلقد نجحوا بتحويل الخشبة إلى صالون كبير جمع ما بين المستضيفين وزوّارهم، سامحين لهم بالاطلاع على خفايا غرفهم الحميمة، وتاركين لهم فسحة تأمل ومحاسبة الذات يمارسونها على أنفسهم مع انتهاء الفصل الأخير.