الضرائب تهدد أهم الأعمدة السياحية في لبنان

جاء الإعلان عن برنامج «مهرجانات بيت الدين» للصيف المقبل، مصحوبا بمفاجأة. إذ لم تخف نورا جنبلاط رئيسة لجنة المهرجانات، وقبل أن تعلن عن الحفلات وأسماء الفنانين، أنّها قد تكون المرة الأخيرة إن لم يُتدارك الأمر. تحدثت في المؤتمر الصحافي الذي عقد يوم أمس في الصالة الزجاجية، بوزارة السياحة، إلى يسارها وزير الثقافة غطاس خوري وعن يمينها وزير السياحة أواديس كيدانيان، الشخصان المعنيان بالمهرجانات، ومعهما المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك.
قالت جنبلاط: «قبل أن أتلو البرنامج، أحب أن أطرح عليكم قضية تخصّ بيت الدين وجميع المهرجانات. صناعة الفرح ليست مسألة سهلة. وبالتالي، صناعة المهرجانات ليست مسألة سهلة كما قد يتصورها البعض. منذ 32 عاما، قرّرنا خوض هذا التحدي لمواجهة لغة الحرب والعنف بلغة الحياة والتعددية والتنوع. وبعد انتهاء الحرب أصبحت المصاعب من نوع آخر. مصاعب البقاء والاستمرار في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة».
* الضرائب على المهرجانات تزيد من الصعوبات
كشفت جنبلاط أنّ «الظروف تزداد صعوبة، بسبب تضاعف الضرائب التي تفرض على المهرجانات وقد وصلت إلى 35 في المائة من تكلفة البطاقة». واستدركت: «هذا أمر تعجيزي يفرض علينا، وكأن المطلوب توقف كل المهرجانات وبذلك القضاء على دور لبنان السياحي الثقافي المنفتح على ثقافات العالم». وشرحت أن رسالة من القيمين على المهرجانات كانت قد رفعت إلى المسؤولين عام 2008 بهذا الشأن، إلا أن الأمر ازداد سوءا من حينها.
الغريب أن أيا من الوزيرين المشاركين في المؤتمر لم يجب عما قالته جنبلاط، أو يعلق ولو بكلمة. وكان كل منهما قد ألقى كلمة تقليدية مقتضبة في البداية، كما يحدث في المؤتمرات الصحافية التي يعلن خلالها عن برامج المهرجانات. وأعلم وزير الثقافة غطاس خوري الحضور أن «وزارة الثقافة سترمم قصر بيت الدين بمعاونة وزارة السياحة التي ستتولى إنارة القصر، بالتنسيق مع كل المعنيين»، موضحا أنّ 800 ألف دولار قُدمت من الخارج ستُصرف في الإنارة.
أما وزير السياحة فقال: «آمل أن يكون عندنا موسم صيف سياحي مزدهر وحاشد، وأن تكون سنة خير»، مشيرا إلى أنّ «لبنان في السنوات السابقة شهد عددا كبيرا من المهرجانات، وهذا أمر مهم وأساسي، ولكنّ الأهم بالنسبة إلى وزارة السياحة هو المهرجانات التي تكون على مستوى مهرجانات بيت الدين، لأنّها تعطي صورة حضارية وإيجابية للبنان وتساعد على استقطاب السياح».
هكذا بدت وكأنما رئيسة لجنة المهرجانات في واد والوزيران في وادٍ آخر، خصوصا عندما قالت: «اسمحوا لي أن أطلعكم على البرنامج، متمنية ألا يكون هذا الصيف آخر موسم لمهرجانات انطلقت في صلب الحرب اللبنانية وجاءت كفعل إيمان بدور لبنان الحضاري والثقافي واستمرت 32 عاما، على الرغم من كل الأوضاع التي مرّ بها لبنان، لتستسلم أمام أعباء مالية باهظة وانعدام الرؤية المستقبلية... معالي وزير الثقافة، ترميم قصر بيت الدين مهم جدا، لأنّه على وشك أن ينهار، ومعالي وزير السياحة الرجاء إنارة القصر كسائر المعالم السياحية والأثرية الأخرى». وأضافت: «سمعت من معالي الوزيرين أنّهما يشجعان المهرجانات، ولا شك عندي في ذلك. ولكن هما لا يقبلان أن تنطفئ المهرجانات في عهدهما».
* برنامج ذكي للموازنة
وبعد هذه المقدمة التي لم تكن منتظرة، على الرغم من علم الجميع أنّ المهرجانات في غالبيتها تعاني، ليس فقط كثرة الضرائب التي باتت حملا كبيرا على الجميع أفرادا وجماعات في لبنان، وتتسبب في اعتراضات ومظاهرات، وإنّما أيضا لقلة الإقبال على بعض الحفلات.
وأعلنت جنبلاط عن برنامج ذكي يحاول أن يوازن بين التكلفة المعقولة، ورغبات الجمهور، والمستوى الرفيع الذي حافظ عليه «بيت الدين» طوال أكثر من ثلاثة عقود.
وستكون الفاتحة في الأول من يوليو (تموز) مع الفنان الملقب بـ«فرنك سناترا فلسطين» الموهوب عمر كمال، المعروف بمهارته في الأداء الغنائي، متنقلا بين الطرب العربي على منوال عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب ومن ثم الانتقال السريع إلى الغربي، لما لحنجرته من ليونة، ولما له من ثقافة تعددية. ترافق عمر كمال في هذه الحفلة فرقته الموسيقية والأوركسترا اللبنانية.
وفي الخامس من يوليو حفل لـ«جوردي سافال» على خطى ابن بطوطة في رحلة موسيقية من أفريقيا إلى الشرق الأقصى. ويعتبر سافال اليوم مرجعا في موسيقى القرون الوسطى والنهضة، وموسيقى الباروك، والتراث الموسيقي الإسباني.
يشارك في هذا العمل فنانون من عدة دول، وعلى رأسهم عازفة العود، والمطربة الفنانة القديرة وعد بوحسون، والممثل القدير بديع أبو شقرا بدور الراوي.
ولليلتين متتاليتين 14 و15 يوليو فرقة موريس بيجار، ترقص في بيت الدين تحت عنوان «باليه من الحياة» بمناسبة مرور 10 سنوات على وفاة مؤسسها العبقري. ويكمل خلفه جيل رومان تحقيق رغبته في إنزال الباليه من أبراجه العاجية في هذا العرض الشائق على موسيقى البوب وموزارت.
وفي 19 من يوليو (تموز)، تقدم فرقة «بينك مارتيني» المؤلفة من 15 موسيقيا مزيجا من الإيقاعات والأغاني المختلفة، في مروحة من أماليا رودريغز إلى ميريام ماكيبا، إلى الأغاني الفرنسية.
* أمل مثلوثي «صوت الربيع العربي»
في 21 من يوليو تغني المطربة وكاتبة الأغاني التونسية أمل مثلوثي التي وصلت إلى العالمية، واشتهرت بلقب «صوت الربيع العربي» وبأغنيتها «أنا حرة وكلمتي حرة» باقة من أغنياتها.
تغنّي أمل بعدد من اللغات إلى جانب العربية، مثل الفرنسية والإنجليزية، والكردية والتركية، إذ تجمع بين حضارات مختلفة، وتأثرت بألحان مارسيل خليفة والشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم.
* كاظم الساهر القيصر
وككل سنة، وهو ما بات تقليدا في بيت الدين، يغني كاظم الساهر قيصر الغناء العربي الذي باع أكثر من مليون ألبوم خلال مسيرته الفنية. وبات له في بيت الدين جمهور ينتظره كل عام، وهذه السنة سيغني ليلتي 28 و29 من يوليو، وليلتي 3 و4 من أغسطس (آب) مفاجأة بيت الدين، التي حرصت كل سنة على أن تقوم بإنتاج، تشجيعا للطاقات اللبنانية وحرصا على التجديد.
هذه السنة، سيكتشف الجمهور «السيرك السياسي»، أكثر من 70 فنانا يشاركون في عرض استعراضي غنائي يأخذنا إلى عوالم السيرك والفانتازيا لمهرجان انتخابي فريد من نوعه، حيث تختلط فنون السيرك والمسرح والسحر والموسيقى والغناء مع فنون السياسة.
هذا العمل من إخراج هشام جابر المدير العام، والمخرج الفني لـ«مترو المدينة»، الذي سبق وقدم أعمالا ناجحة على رأسها «هشك بشك» و«بار فاروق».
* ماجدة الرومي مسك الختام
أما مسك الختام يوم 12 أغسطس فهو مع ماجدة الرومي في حفلة تحمل عنوان «لا تسأل». يصاحب المهرجان معرض كمال جنبلاط 1917 - 2017 «رجل الفكر والعلم» بالتعاون مع رابطة أصدقاء كمال جنبلاط.
ومعرض آخر هو مجموعة سامية صعب من أزياء التراث من حقبة الإمارة اللبنانية بعنوان «همسات الزمن الجميل».
الإعلان عن أول مهرجانات الصيف لم يخل من مفاجآت بانتظار برامج المهرجانات الأخرى، وما ستقوله بشأن ضائقتها المادية، وكيف ستعالج أزمتها؟ وهل ستجد آذانا مصغية؟