الشاعر محمد الدميني: الحداثيون قاوموا إرادة المحو.. والمشهد الأدبي يعود لمساره التنويري

يرى أن إحدى فضائل الربيع العربي الكشف عن مدى تجذر القبلية والعصبية والطائفية

محمد الدميني
محمد الدميني
TT

الشاعر محمد الدميني: الحداثيون قاوموا إرادة المحو.. والمشهد الأدبي يعود لمساره التنويري

محمد الدميني
محمد الدميني

ظل الشاعر السعودي محمد الدميني منحازا لقضايا الإنسان، ومعبرا عن همومه، وكانت قصائده تنقّب عن انكسارات الإنسان وخيباته بأكبر قدر من الكثافة الانفعالية واللغوية. وبدأ الدميني حياته الشعرية «تفعيليا»، لكنه سرعان ما وجد ضالته في قصيدة النثر. وأصدر مجموعته الأولى «أنقاض الغبطة» (1989)، والثانية «سنابل في منحدر» (1995)، والأخيرة «أيام لم يدخرها أحد» (2014). وكان الانتقال من كتابة قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر «عسيرا بالنسبة لشاعر مبتلى بفضاءات الشعر القديم وهيمنته على القلب والذاكرة والمخيلة»، كما يقول.
ودرس الدميني، وهو الحداثي شعرا ومنهجا، في جامعة الإمام، لكنه لم يكن الوحيد، كما يقول، الذي درس في هذه الجامعة وتخرج فيها وهو «أكثر تشبثا بسارية التجديد والانحياز إلى أشكال الأدب الجديد». التقينا الشاعر السعودي محمد الدميني في الظهران، حيث يعمل في شركة «أرامكو السعودية»، ويسكن هناك، وأجرينا معه الحوار التالي:

* مرّ نحو ربع قرن منذ أصدرت ديوانك الأول «أنقاض الغبطة» (1989) حتى مجموعتك الأخيرة «أيام لم يدخرها أحد» (2014)، وبينهما صدرت مجموعتك «سنابل في منحدر» (1995).. هل هناك ثمة خيط يجمع هذه التجربة الشعرية؟
- يستطيع القارئ قراءة كل مجموعة مستقلة ومتصلة مع الأخرى. فاللحظة الشعرية التي رافقت كل إصدار مختلفة في زمنها وفي نواتجها الجمالية وفي صداها لدى القارئ. لكنني أحسب أن الخيط الذي يجمع أطراف هذه التجربة هو انخراطها في التنقيب عن انكسارات الإنسان وخيباته بأكبر قدر من الكثافة الانفعالية واللغوية، وإضاءة العنف الموجه إلى وجوده وعصبه وطاقته.
* هل للزمن تأثير على نتاجك الشعري.. بمعنى هل يمنحك مزيدا من الوقت للتأمل؟
- أعتبر نفسي كاتبا خاسرا على هذا الصعيد. لم أفهم طبيعة الزمن ولا تأثيراته على الكتابة ونموها وتوسعها. ورغم هذا فإن للزمن أثره على ما كتبت لا شعرا فقط بل ونثرا أيضا. التأمل هو أحد أسلحة الشاعر لصقل تجربته ونقدها، لكنه أيضا السبيل إلى قراءة مظاهر الحياة اليومية وتمثّلها والخروج على الأنساق الثقافية الكامنة بحثا عن أرض جمالية جديدة.
* كشاعر كانت تسكن قصائده تفاصيل القرية وسهولها.. هل تغيرت نظرتك وأنت تفتقد القرية الآن؟
- لا أستطيع الفرار من فضاء القرية وسلطتها الأولى. هناك تكوّنت طفولتي ولغتي ومشاهداتي الأولى وأحاسيسي المبكرة تجاه كل مفردات الحياة، تجاه المشاعر والأحلام. لقد بني الشغف بكل شيء هناك، ولعل في قصائدي طيفا من الرموز والصور والأمكنة التي عشت فيها، لكن الحديث هنا ليس نوستالجيا ولا رومانسيا، إذ توجب علي أن أدمج كل ذلك الماضي في عالم المدينة المتشابك والمضطرب. ورغم أن فضاء المدينة عندنا لا يزال مطوقا بقيم ومفاهيم قروية مكبرة فإننا نسير باتجاه صياغة المدن كما هو حال مدن العالم، فعالم القرية يتآكل تحت زحف العولمة بكل شرورها وحسناتها!
* هل فكرت يوما في أن تكتب «رواية»؟
- الرواية هي حلم كل كاتب، وما زلت أعتبر الرواية العظيمة، والعمل السينمائي الفريد، المثالين الحقيقيين القريبين من روح إنسان هذا العصر، وأذكر أنني فكرت مع عبد العزيز مشري يوما ما أن نغامر برواية مشتركة على طريقة منيف وجبرا في روايتهما «البحث عن وليد مسعود»، لكن الفكرة تبخّرت سريعا كتبخّر النجاح الطفيف التي حققته تلك الرواية. بحكم قراءاتي المنتظمة للروائيين الكبار فقد كتبت اجتهادات سردية لكنني لم أقتنع بنشرها يوما.
* هل يحتاج الشاعر إلى «حافز» يشده، أو «وجع» يثيره.. هل تحتاج القصيدة إلى نار المعاناة فعلا؟
- أعتقد أن الناس شركاء في نار المعاناة، فأين هو الشخص السعيد اليوم؟ والأسوأ أن يصاب الجيل الجديد مبكرا بالتعاسة والنقمة، أي أن التطور العلمي والتقني والتواصلي لم يوسع أبواب السعادة كما كنا نحلم. القصيدة وكل قطعة أدبية أو فنية ستبقى وليدة الآلام والمشقات، لكنها لا تستهدف تدوير العذاب على الناس بل صناعة لحظة فرح أو توقد إنساني أداته اللغة والمعنى والمخيلة، وهنا تبدأ مهمة الشاعر.
التجربة الشعرية
* بدأت شاعرا تفعيليا، لكن سرعان ما أرسيت مراكبك في شاطئ قصيدة النثر.. ماذا وجدت في قصيدة النثر؟
- مناهجنا الدراسية في الثانوية والجامعة كانت تتمترس حول الدين واللغة والتراث الأدبي. لربما سهّل هذا طريقي إلى قصيدة التفعيلة، التي كتبتها كثيرا ثم استخلصت منها مجموعتي «أنقاض الغبطة». الانتقال من كتابة قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر لم يكن يسيرا. كان عسيرا بالنسبة لشاعر مبتلى بفضاءات الشعر القديم وهيمنته على القلب والذاكرة والمخيلة. إنها عملية تشبه إعادة البرمجة بالمفهوم الحاسوبي المعاصر.
* ماذا تعني لك قصيدة النثر؟
- قصيدة النثر كانت أحد المراكب التي جرّبت عبرها الخوض في بحر ما، ولم أكن أعرف ماذا سأصادف. كنت أجرّب خلاصا ما من اشتراطات الوزن والقافية، ومن هيمنة اللغة المعجمية، وأحاول اكتشاف أرض لم تدسها الخيول كثيرا، ووجدت هذا الطريق.
* في أي سياق تضع هذه التجربة؟
- أضع هذه التجربة في سياق إحياء قصيدتنا المحلية وإحالتها إلى الفضاء الحداثي العربي. لا أملك الحس العصابي تجاه أي شكل شعري. أزمتي الدائمة هي مع الشكل الذي لا ينتج شعرا، ولا يمنحنا صفة أخرى لنوقف مراكبنا في هوائها.
الحداثة والتجديد
* كيف رأيت ما واجهته الحداثة خلال الثمانينات من هجوم كاسح؟
- الهجوم الكاسح على الحداثة ومضامينها تبين أنه هجوم ذكي، بحيث إنه استثار الحساسية الدينية ضدها، لكنه ضالّ من حيث إنهم لم يدركوا أن الحاجة إلى التجديد والنهوض والحداثة لا في الأدب وحده هي حاجة فطرية، والآن يتعرف الناس على جناية التطرف الديني، لا على الأدب والفن اللذين خيّم فيهما لعقود طويلة، بل على مقوّمات المجتمع تعليما وفكرا ومعرفة. قاوم الحداثيون إرادة المحو تلك، ودفعوا ثمنا باهظا لتهم التكفير، لكن المشهد الأدبي يعود مرة أخرى إلى مساره التنويري.
* أليس غريبا أن تكون شاعرا حداثيا وأنت أحد طلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض (حصل منها على بكالوريوس المكتبات 1980)؟
- لست وحدي من تخرج في جامعة الإمام وهو أكثر تشبثا بسارية التجديد والانحياز إلى أشكال الأدب الجديد، وإلى أطروحات النهوض الاجتماعي، وإعلاء الحريات. لي صديق يمازحني بهذه التهمة بين وقت وآخر لكنني أسرد له أسماء في القصة والشعر والنقد والصحافة تخرجت في تلك الجامعة ثم أصبحت نجوما لامعة في صحافتنا الثقافية في الشرقية والرياض وجدة. فضاء الجامعة ذو الصبغة الدينية الغالبة كان حاضنا لطلاب ذوي ميول شتى، بينهم المتشدد الأعمى الذي لا ينتمي إلى المملكة فقط بل إلى جنسيات آسيوية وأوروبية وأفريقية تلقت منحًا للدراسة، وبينهم قوميون وتنويريون، لكن هذه الجامعة ألقتنا دون أن تدري إلى الشاطئ الآخر!
* هل يمكن أن تنمو قصيدة النثر في مجتمع قبلي محافظ؟
- المجتمع القبلي ليس حكرا علينا، إحدى فضائل الربيع العربي هي الكشف عن مدى تجذر القبلية والعصبية والطائفية في بنية مجتمعاتنا. قصيدة النثر توجد في هذه المجتمعات، لكنه وجود نسبي يرتبط بمدى حرص الأجهزة الثقافية والتعليمية في تلك الدول على نشر مفاهيم التجديد والنهضة والحداثة. كتبتُ في مجلة «دارين» أن مواصلة عزل النصوص الأدبية الحديثة عن المناهج التعليمية التي تدرسها الناشئة ستؤدي إلى غربة قاسية بين الجيل الجديد وتذوقه الأدبي والجمالي. لو كان بعض أدب حمزة شحاتة ومحمد حسن عواد وغازي القصيبي ومحمد العلي يدرّس في فصولنا ألا يمكن أن نكون في صحة أدبية أفضل؟
* الناقد الدكتور سعد البازعي اعتبر أن عقد التسعينات الذي بزغت فيه تجربتك الشعرية كان «على المستوى الشعري عقد قصيدة النثر بامتياز».. كيف كان حضور هذه القصيدة في المشهد الشعري آنذاك؟
- هذه القصيدة بدأت بالحضور مبكرا في مشهدنا الشعري وتجسدت في تجربة فوزية أبو خالد الرائدة، وفي تجارب لاحقة كان أبرزها محمد عبيد الحربي. لكن فترة التسعينات كانت الأكثر احتضانا لتلك القصيدة، والسبب هو أن خارطة هذه القصيدة عربيا كبرت، فيما تحالفت مجموعة شعراء ضمنا وبلا تخطيط لمنح قصيدة النثر حقها في المشهد المحلي، وقد ترافق هذا مع فتور في قصيدة التفعيلة التي قدم أبرز رموزها تجاربهم الفارقة في الثمانينيات، ثم تنمطت تجاربهم أو عادت إلى الشكل التقليدي لاستمالة القارئ. لكن هذه المرحلة الشعرية لم تكن لتتقدم لولا إيمان عدد من النقاد بها، فكتبوا عنها بإخلاص وتحفيز، وأعتقد بصدق أن الأساتذة البازعي والسريحي ومعجب الزهراني قد منحوها ذلك الأفق.
* يقول الناقد محمد الحرز إن انحيازك لقصيدة النثر لم يشغلك بالشكل أو الصياغة «قدر الاشتغال بمراقبة القصيدة وهي تقول ما يقبض عليه الزمن تحت مخالبه».. بصراحة ماذا يبقى من الشعر إذا أهمل الشاعر الشكل والصياغة؟
- ليست لدي أي خصومة مع العصور الأدبية أو الأشكال الشعرية، فأنا أقرأها بكل غبطة منذ امرئ القيس وحتى عباس بيضون. هكذا تبقى القصيدة في مكانها كفنار يضيء خطوط الملاحة، رغم تبدل الأشكال، وانزياح اللغة، ولعل هذا ما قصده الصديق محمد الحرز. منذ «جلجامش» و«ألواح الموتى عند الفراعنة»، مرورا بالملاحم، والشعر يتعدد ويرحل عبر الزمن. هل يهمّ ما إذا كان أبو تمام أمينا لقصيدته العروضية، أو أن السياب غامر بقصيدته التفعيلية، أو أن أنسي الحاج تطرّف في قصيدته النثرية لكي نتعرف على ما صنعوه من ذائقة جمالية جديدة؟
مرثية الروح
* في مرحلة ما اتسمت قصائدك بنفس تشاؤمي فاقع، نلحظ ذلك في قصيدتك «ملاك الحسرة»، وقصيدتك «كتابة نهارية عن ليل نيويورك»، والعديد من القصائد الأخرى.. إلامَ تعزو ذلك؟
- كتبت «ملاك الحسرة» تحت دخان حرق الآبار النفطية في الكويت 1991، وكانت مرثية للروح والجسد والأحلام المغدورة في تلك اللحظة. كانت تلك الواقعة الضخمة مفصلا قاصما في رؤيتي الفكرية والسياسية وحتى الإبداعية، على غرار ما خلّفته نكسة 67 على الجيل الذي سبقني. أما قصيدة «كتابة نهارية عن ليل نيويورك» فكانت محاولة لقراءة هذه المدينة من الداخل، ومحاولة لاستنطاق تاريخها ورمزيتها، لكن زمن المناخ الغاضب على الرمزية الأميركية في تلك الحقبة، ولذا تناثرت عبارات الغضب المطعّم بنفحات آيديولوجية، لكنها المدينة الأكثر ترحيبا بكل أنواع القراءات. التشاؤم ليس موقفا يمكن تمثيله أو استعارته، هو حالة تكمن في النسيج النفسي لأي كاتب يحاول قراءة مجتمعه بأعلى قدر من الشفافية.
* انتقدت في مقال لك ما سميته «جنسنة الأدب والفكر وتقسيمه إلى إناث وذكور»، كأنك تدعو لحياة ثقافية مشتركة بين المبدعين.. في مجتمع قائم على الفصل الجسدي بين الجنسين..
- كتبتُ هذا في مقال غاضب «الأدب والحيطان» عن ولع بعض دوائرنا الثقافية والأكاديمية بتقسيم الأدب وفقا لجنس من يكتبه، وما يثير الحيرة هو دفاع بعض الأديبات والكاتبات عن الصالونات الأدبية النسائية التي سميتها «حلقات الذكر النسائية»، ومناداتهن بضرورة العزل في قاعات الأدب والفنون، وفي فصول الدرس الأكاديمي. ليس هذا سوى انفصام جامعي حين يسجن المحاضر في غرفة ليلقي محاضرته عبر كاميرا داخلية إلى صفوف من الدارسات، ويتلقى عبرها الأسئلة والملاحظات. إذا لم يكن الحرم الأكاديمي السامي حارسا للأستاذ وطالباته، والعكس، فإلى أين يتجه مجتمعنا؟ وفقا لهذا المسلك، فإن الأمهات والسيدات يسهمن عن علم أو جهل في صنع جيل يحارب الفنون والآداب.
* انتقدت اشتغال وزارة الثقافة بالنشر وتساءلت «لماذا نحاول أن نعرض على شعوب الدول الأخرى بضاعة لا ترقى أن تكون تمثيلا ثريا لمعطانا الأدبي والفكري؟».. لكن هناك من ينتقد الوزارة لتقصيرها في دعم المنتج الفكري والأدبي السعودي وتعريفه للعالم..
- أحسد أحيانا وزارة الثقافة على اتساع هامشها للنقد، لكنني أعرف أن هناك إنجازات أدبية وفنية محلية لم تكرس لها الوزارة بعض الوقت والضوء، وهي لم تقدمها كما يليق إلى الخارج. وكان هناك مسؤول في الوزارة يعتقد أن خصوصية ثقافتنا الوطنية لا تجسدها سوى فرق العرضات الشعبية وإيقاعات الطبول وبعض الأزياء التي يجوب بها عواصم العالم، هل حاسبه أحد على تلك السياسة؟ برامج الوزارة للأسف تعيش في عزلة عن جيل جديد ومتغير يحقق وجوده عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال العالم الرقمي الذي بلا حدود. كل من زار معرض الرياض للكتاب فوجئ باستخفاف الوزارة بإصدارات الأندية الأدبية التي كدستها في جناح صغير تعمه الفوضى وتصيب الزائر بالنفور.
* خلال عضويتك في نادي الشرقية الأدبي، كيف تقيم تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية.. ما الذي كان ينقص هذه التجربة لكي تنجح؟
- الانتخابات تجربة فاشلة، وقد أسست لهذا التخبط الذي تعيشه الأندية الأدبية كلها منذ سنوات. معايير الانضمام لهذه الأندية كانت فضفاضة وغير مقننة منذ البداية، ولا تقبل بها أي مؤسسة منظمة ومنضبطة. فغياب المعايير سمح بدخول من لا صفة أدبية له إلى رحاب الأندية، وهكذا قادت التكتلات ذات المنزع الديني المؤدلج إلى احتلال عضوية الأندية وشل أنشطتها أو تحويلها إلى قاعات لدروس الوعظ الديني أو الاستعادات التراثية. أما الأسوأ فهو إحالة جملة من مشكلات الأندية وشخوصها إلى ساحات القضاء.

* سيرة ذاتية

* مواليد قرية محضرة، منطقة الباحة.
* يحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات من جامعة الإمام محمد بن سعود، وقضى سنة في دراسة اللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة.
* يعمل في «أرامكو السعودية». وأسهم مسؤولا ومحررا في مطبوعات الشركة الأسبوعية والشهرية والفصلية، وتولى تحرير مجلة «القافلة».
* عمل في تحرير ملحقي «المربد» ثم «اليوم الثقافي» اللذين كانت تصدرهما جريدة «اليوم».
* نشر مجموعة من نصوصه الأدبية ومقالاته في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية. وشارك في عدد من الأمسيات الأدبية في المملكة ومهرجانات شعرية في ألمانيا وفرنسا.
* يعمل نائبا لرئيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي، وهو رئيس تحرير مجلة «دارين» التي يصدرها النادي.
* صدرت له ثلاث مجموعات شعرية هي:
- «أنقاض الغبطة» دار «الشروق»، عمان – الأردن 1989.
- «سنابل في منحدر»، دار «السراة»، لندن – بريطانيا 1994.
- «أيام لم يدخرها أحد»، عن دار «أثر» للنشر والتوزيع - السعودية (2014).
* ترجم عددا من قصائده إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية.



جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
TT

جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)

أعلنت جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، عن إطلاق الدورة الثالثة عشرة للجائزة، المخصصة للعمانيين فقط، وتشمل فرع الثقافة (في مجال دراسات الأسرة والطفولة في سلطنة عُمان)، وفي فرع الفنون (في مجال الخط العربي)، وفي فرع الآداب في مجال (القصة القصيرة).

وجاء الإعلان في ختام حفل توزيع جوائز الدورة الـ12 للجائزة، الذي أقيم مساء الأربعاء بنادي الواحات بمحافظة مسقط، برعاية الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة، بتكليفٍ سامٍ من السُّلطان هيثم بن طارق.

وتمّ تسليم الجوائز للفائزين الثلاثة في مسابقة الدورة الثانية عشرة، حيث تسلّمت «مؤسسة منتدى أصيلة» في المغرب، عن مجال المؤسسات الثقافية الخاصة (فرع الثقافة)، وعصام محمد سيد درويش (من مصر) عن مجال النحت (فرع الفنون)، والكاتبة اللبنانية، حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب).

واشتمل الحفل على كلمة لمركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ألقاها حبيب بن محمد الريامي رئيس المركز، استعرض فيها دور الجائزة وأهميتها، مؤكداً على أن الاحتفال اليوم يترجم استحقاق المجيدين للثناء، ليكونوا نماذج يُحتذى بها في الجد والعطاء.

حبيب بن محمد الريامي رئيس مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم (العمانية)

وأشار إلى أن المدى المكاني الذي وصلت إليه الجائزة اليوم، والاتساع المستمر للحيز الجغرافي الذي يشارك منه المبدعون العرب على مدار دوراتها، يأتيان نتيجة السمعة الطيبة التي حققتها، واتساع الرؤى المعوّل عليها في مستقبلها، إلى جانب الحرص المتواصل على اختيار لجان الفرز الأولي والتحكيم النهائي من القامات الأكاديمية والفنية والأدبية المتخصصة، في المجالات المحددة للتنافس في كل دورة، ووفق أسس ومعايير رفيعة تكفل إقرار أسماء وأعمال مرموقة تليق بنيل الجائزة.

كما تضمن الحفل أيضاً عرض فيلم مرئي تناول مسيرة الجائزة في دورتها الثانية عشرة وآلية عمل اللجان، إضافة إلى فقرة فنية قدمها مركز عُمان للموسيقى.

يذكر أن الجائزة تأتي تكريماً للمثقفين والفنانين والأدباء على إسهاماتهم الحضارية في تجديد الفكر والارتقاء بالوجدان الإنساني، والتأكيد على الإسهام العماني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في رفد الحضارة الإنسانية بالمنجزات المادية والفكرية والمعرفية.

الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة العماني يكرم ابنة الفائزة حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب) (العمانية).

وتُمنح الجائزة بالتناوب بشكلٍ دوري بحيث تخصّص في عام للعُمانيين فقط، وفي العام الذي يليه تكون للعرب عموماً، ويمنح كل فائز في الدورة العربية للجائزة وسام السُّلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره مائة ألف ريال عُماني (260 ألف دولار)، أما في الدورة العُمانية فيمنح كُل فائز بالجائزة وسام الاستحقاق للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره خمسون ألف ريال عُماني (130 ألف دولار).

وأنشئت الجائزة بمرسوم سلطاني، في 27 فبراير (شباط) 2011، اهتماماً بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيداً على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي، ودعماً للمثقفين والفنانين والأدباء خصوصاً، ولمجالات الثقافة والفنون والآداب عموماً، لكونها سبيلاً لتعزيز التقدم الحضاري الإنساني.


إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم
TT

إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم

قد تكون العلاقة العاطفية التي جمعت بين كلّ من الكاتب والمعالج النفسي الأميركي إرفين يالوم، ومواطنته مارلين كونيك، الباحثة في شؤون الأدب المقارن والمرأة والحب، واحدة من أنجح العلاقات التي جمعت بين باحثين كبيرين في القرن المنصرم، وبداية القرن الحالي. على أن ثبات العلاقة بين الطرفين في وجه الزمن لم يكن ليتحقق لولا تصميمهما الراسخ على تخليص ارتباطهما الزوجي من طابعه النمطي الرتيب، وجعله مساحة للصداقة والتكامل الفكري وتشاطر النجاحات والخيبات.

الأرجح أن العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن المنصرم، واللذين جمعهما الحب في سن مبكرة، يتمثل في دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه ومشروعه الفكري والإبداعي. ففي حين عملت مارلين في جامعة ستانفورد الأميركية، باحثةً في شؤون المرأة والحب وتاريخ النساء والأدب المقارن، عمل إرفين في الجامعة نفسها، منصرفاً إلى التعليم والطب النفسي والكتابة الروائية. والأهم في كل ذلك أن أحدهما لم ينظر إلى الآخر بوصفه خصماً أو منافساً ينبغي تجاوزه، بل بوصفه شريكاً عاطفياً وإبداعياً، ومحفزاً على المزيد من التنقيب المعرفي والإيغال في طلب الحقيقة.

إرفين يالوم

وإذا لم يكن بالمستطاع التوقف المتأني عند أعمال مارلين المهمة، وبينها «شقيقات الدم» و«تاريخ الزوجة » و«ميلاد ملكة الشطرنج»، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعمال قد لاقت رواجاً واسعاً في أربع رياح الأرض، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 20 لغة عالمية، فيما نال كتابها الشيق «كيف ابتكر الفرنسيون الحب» جائزة المكتبة الأميركية في فرنسا.

أما كتاب مارلين المميز «القلب العاشق»، فهو واحد من أفضل الكتب التي تصدت لموضوع القلب، سواء من حيث كون هذا الأخير عاصمة الجسد ومركزه ومنظم شؤونه، أو من حيث اعتباره عبر التاريخ منزل الحب ومقر الروح، والدريئة التي يسدد إليها كيوبيد سهام الحب، وفق الأسطورة اليونانية. ولأنه كذلك فقد تم تكريس دوره العاطفي المركزي في مختلف الأديان والفلسفات والمجتمعات، واحتفى به الشعراء والفنانون، وبات الشفرة الموحدة لعيد العشاق وهدايا المحبين. وفيما حرص إرفين من جهته على استثمار شغفه بالطب النفسي في الانغماس بالكتابة الروائية، فقد آثر عدم الابتعاد عن دائرة اختصاصه، ليصدر أعمالاً عميقة وفريدة في بابها، من مثل «علاج شوبنهاور» و«مشكلة سبينوزا»، ولينال جوائز عدة أهمها «جائزة سيغموند فرويد للعلاج النفسي».

وإذا كانت رواية إرفين المميزة «حين بكى نيتشه» قد حققت قدراً عالياً من الذيوع والانتشار، فليس فقط لأن مؤلفها تصدى لأحد أبرز فلاسفة الغرب النابغين بالقراءة والتحليل، بل لأن ذلك العمل دار على محورين بالغي الأهمية، محور العلاقة العاطفية الأحادية واليائسة التي جمعت بين نيتشه والكاتبة الروسية الجميلة على ذكاء مفرط لو سالومي من جهة، ومحور اللقاء الافتراضي بين صاحب «غسق الأوثان»، الغارق في تصدعه النفسي وآلامه الجسدية ويأسه الانتحاري، والطبيب النفسي اللامع جوزف بروير من جهة أخرى. وإذ عثر عالم النفس الشهير في مريضه الاستثنائي على واحد من أبرز فلاسفة الغرب وأكثرهم فرادة وجرأة، فقد عرض عليه صفقة رابحة للطرفين، تقضي بأن يعمل الطبيب على شفاء الفيلسوف من آلام الجسد، فيما يعمل الفيلسوف على شفاء الطبيب من آلام الروح.

وفي كتابه «التحديق في الشمس» الذي يستهله بمقولة دو لاروشفوكو حول تعذر التحديق في كلٍّ من الشمس والموت، يقدم إرفين لقرائه كل الحجج والبراهين التي يمكنهم من خلالها تجاوز مقولة الفيلسوف الفرنسي، والتغلب على رعبهم من الموت بوسائل عديدة ناجعة. وفي طليعة هذه الحجج تأتي حجة أبيقور ذات المنطق المحكم، ومفادها أن خوفنا من الموت لا معنى له، لأننا لا نوجد معه في أي زمان أو مكان، فحيث نكون لا يكون الموت، وحيث يكون الموت لا نكون نحن.

ويطرح يالوم في السياق نفسه فكرة الموت في الوقت المناسب، وعيش الحياة بالكامل، بحيث «لا نترك للموت شيئاً سوى قلعة محترقة»، كما فعل زوربا اليوناني. وإذ يذكّرنا المؤلف بقول هايدغر «إن الموت الحقيقي هو استحالة وجود احتمالية أخرى» يدعونا في الوقت نفسه إلى فتح أبواب الحياة أمام ضروب كثيرة من احتمالات العيش وخياراته، وعدم حصر الحياة في احتمال واحد. كما يخصص إرفين الجزء الثاني من كتابه للحديث عن الجهود الشاقة التي بذلها في مساعدة مرضاه، بخاصة أولئك الذين طعنوا في المرض والعمر، على التخلص من رهاب الموت وفكرة العدم، مشيراً إلى أنه حقق نجاحات ملموسة في بعض الأحيان، وأخفق في أحيان أخرى.

العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن الماضي دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه

إلا أن إصابة مارلين بسرطان نقي العظم بدت بمثابة الحدث الزلزالي الذي كان إرفين يظن نفسه بمنأى عنه، كما هو حال البشر جميعاً، حتى إذا وقع في بيته وإلى جواره، بدت المسافة بعيدة بين النظرية والتطبيق، وأوشك بناؤه البحثي على التهاوي. وفي أوج الوضع الحرج للطرفين، اقترحت مارلين على زوجها، وبضربة ذكاء حاذقة، أن يقوما بمراوغة الكوابيس السوداء للمرض، من خلال القيام بوضع عمل سردي مشترك، يعرضان فيه ليوميات المواجهة الضارية مع السرطان، فيما يتكفل العمل من ناحية أخرى بحفظ اسميهما وتجربتهما العاطفية المشرقة في ذاكرة الأجيال.

وإذا كانت أهمية الكتاب المذكور الذي وضعا له عنوان «مسألة موت وحياة»، قد تجسدت في ما أثاره الزوجان من أسئلة وهواجس متصلة بقضايا الحب والصداقة والحياة والمرض والموت، وصولاً إلى معنى الوجود على الأرض، فإن المفارقة الأكثر لفتاً للنظر في الكتاب، لا تتمثل في تناوبهما الدوري على إنجاز فصوله فحسب، بل في الطريقة الهادئة والعقلانية التي تقبّلت بها الزوجة المريضة فكرة الموت، مقابل حالة الهلع والإنكار التي بدت على إرفين، وهو الذي طالما نصح مرضاه بأن يتقبلوا الزائر الثقيل بروح رياضية وتفكير رصين.

وفيما يتابع الزوجان في الكتاب ما تكابده مارلين من آلام، وما يطرأ على وضعها من تغيرات، يعمدان في بعض الأحيان إلى الهروب مما يحدث على أرض الواقع، عبر نقل المشكلة إلى إطار آخر يتعلق بمشكلات نظرية شائكة، أو الانكفاء باتجاه الماضي بحثاً عن الأطياف الوردية لسنوات زواجهما الأولى. كما يتبدل عصب السرد وأسلوبه تبعاً لحالة الزوجة، التي تقع فريسة القنوط القاتم في بعض الأحيان، فيما تحاول تجاوز محنتها أحياناً أخرى، عبر اللجوء إلى الدعابة السوداء والسخرية المُرة، فتكتب ما حرفيته «إننا نشكل زوجاً جيداً، فأنا مصابة بالسرطان النقوي، وهو يعاني من مشكلات في القلب واضطراب التوازن. فنحن عجوزان في رقصة الحياة الأخيرة».

أما المفارقة اللافتة في الكتاب، فلا تتمثل في سعي الزوجة المتألمة إلى إنهاء حياتها بواسطة ما يعرف بالموت الرحيم، أو بمكاشفة إرفين لمارلين برغبته في إنهاء حياته معها، وهو المصاب ببعض أعراض النسيان وبمرض في القلب، بل في رد مارلين المفعم بالدعابة والتورية اللماحة، بأنها «لم تسمع في كل أنحاء أميركا عن تابوت تقاسمه شخصان اثنان». والأرجح أن الزوجة المحتضرة، التي ما لبثت أن رحلت عن هذا العالم عام 2019، كانت تهدف من خلال إجابتها تلك لأن توصل لزوجها الخائف على مصيره رسالة مبطنة مفادها أنه لن يلبث أن يفعل إثر رحيلها ما يفعله الرجال في العادة، وهو الارتباط بامرأة أخرى تخفف عنه أثقال الوحشة والعجز والتقدم في السن. ومع أن الزوج الثاكل قد برر تراجعه عن فكرة الانتحار، برغبته في عدم خذلان مرضاه أو خيانة مسيرته المهنية، فإن لجوءه بعد رحيل زوجته إلى الزواج من الطبيبة النفسية ساكينو ستيرنبرغ، وهو في الثالثة والتسعين من عمره، كان سيقابل من قبل مارلين، لو قُدِّر لها أن تعلم، بأكثر ابتسامات النساء اتصالاً بالحيرة والإشفاق والدهشة الساخرة.


«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني
TT

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

تستحضر الكاتبة العمانية شريفة التوبي في روايتها «البيرق... هبوب الريح»، التي وصلت مؤخراً إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية 2026، التاريخ بوصفه عنصراً رئيساً في مجمل أعمالها، مستلهمة الكثير من الحكايات التراثيّة، وقد أُعيد تشكيلها وبثّ الروح فيها من جديد.

تسبر التّوبي، في روايتها الجديدة، وهي خاتمة ثلاثية بعنوان البيرق، أغوار السّرد الشفاهي العُمانيّ، وتبحث في دهاليزه وعوالمه عن حكايات تتواءم مع الأفكار التي تريد مشاركتها مع القارئ، مقدمة نموذجاً في اشتباك الروائي المعاصر مع التاريخ والموروث الشفاهي.

في هذه الرواية التي صدرت هذا العام عن «الآن ناشرون وموزعون»، في عمّان، وجاءت في نحو 600 صفحة، بغلاف من تصميم الفنانة العُمانية بدور الريامي، تعود التّوبي إلى تلك الحكايات التي كان يرويها جدّها عن ذلك التاريخ القديم لعُمان.

تصوّر الروائيّة في الجزء الأول مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، في خمسينات القرن الماضي، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائيّةُ خيوطها، وقدّمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفنيّ فقدمت وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس.

وتتناول التّوبي في الجزء الثاني أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، التي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959». إذ تقوم حبكة هذا الجزء على وقع الحرب التي دارت رحاها في خمسينات القرن العشرين وستيناته، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.

وتستكمل التّوبي في الجزء الثالث «هبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضاً إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلّق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجاً آيديولوجيّاً أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.

تعتني التّوبي في روايتها الجديدة بالجانب الاجتماعي، بالمرأة، بالعائلة، بزوجة السجين أو المناضل وأمه، في النصف الثاني من عمر القرن الماضي، وقد سلّطت الضوء على المشاعر الداخلية التي يعيشها ذلك الإنسان الفقير الذي تغرّب في بقاع الأرض، باحثاً عن لقمة العيش وعن التعليم، وتفاجأ أن الحياة خارج الحدود لا تشبه داخل الحدود.

تحكي الرواية عن ذلك الإنسان الحالم بالتغيير في مرحلة زمنية كانت تعج بالأفكار الثورية التي سيطرت على مختلف أنحاء العالم، في مرحلة صعبة عاشها مجتمعنا العُماني، مرحلة لاقى فيها الفكر الشيوعي لدى الشباب العربي والخليجي قبولاً في تلك الفترة، وكان من السهل انسياق هؤلاء الشباب المغتربين لهذه الأفكار الجديدة.

وترصد الرواية الأسباب التي دفعت ثلّةً من الشباب للانضمام إلى «الفكر الجديد»، والتي كانت نابعة من حلمهم بالتغيير، فضلاً عن أن لكلٍّ منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: «أحمد سهيل»، و«عبد السلام»، و«أبو سعاد»، و«باسمة»، و«طفول» الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.

ويجد المتلقي نفسه يخوض في «هبوب الريح» تفاصيل الأحداث المفصلية كما خاضها الأبطال مع مجتمعهم وعائلاتهم وأنفسهم، وسيعيش أحداث تلك المرحلة من تاريخ عُمان، وسيعثر على إجابات لأسئلة حول مصائر الشخصيات التي التقاها في الجزأين، الأول (حارة الوادي)، والثاني (سراة الجبل).