«زمن تحية كاريوكا»... سيرة فن وسياسة تجلت في مصر

طارق الشناوي يوثق تاريخها السينمائي ونضالها الإنساني منذ الأربعينات وحتى رحيلها

كاريوكا أمام بوستر دعائي لفيلم «شباب امرأة» في مهرجان كان بالجلباب البلدي المصري  -  تحية كاريوكا في الزي العسكري
كاريوكا أمام بوستر دعائي لفيلم «شباب امرأة» في مهرجان كان بالجلباب البلدي المصري - تحية كاريوكا في الزي العسكري
TT

«زمن تحية كاريوكا»... سيرة فن وسياسة تجلت في مصر

كاريوكا أمام بوستر دعائي لفيلم «شباب امرأة» في مهرجان كان بالجلباب البلدي المصري  -  تحية كاريوكا في الزي العسكري
كاريوكا أمام بوستر دعائي لفيلم «شباب امرأة» في مهرجان كان بالجلباب البلدي المصري - تحية كاريوكا في الزي العسكري

صدر الأسبوع الماضي كتاب مميز للناقد الفني طارق الشناوي عن الفنانة الراحلة تحية كاريوكا يروي مسيرتها الفنية وذكرياتها مع عمالقة الفن السابع في مصر بداية من الأربعينات وحتى التسعينات وذلك عبر 160 صفحة. تكمن قيمة الكتاب الصادر عن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بدورته السادسة في أنه يأتي في إطار تكريم المهرجان لاسم كاريوكا التي تركت بصمة في عالم الفن المصري، وكونه يقدم بانوراما لعالم الفن آنذاك وعلاقات الفنانين ببعضهم وكيف كانت نظرتهم للفن، بل ويتضمن مقالات عن كاريوكا تعكس الجانب الإنساني لها الذي لم تظهره شاشة السينما.
* بدوية والسادات
ولدت كاريوكا في فبراير (شباط) عام 1919 بمدينة الإسماعيلية، ويشير المؤلف إلى أن اسمها الأصلي «بدوية محمد كريم» لكنها لم تحب أن يناديها أحداً بهذا الاسم، وعاشت بالإسماعيلية 12 عاما. وقد روت للشناوي في أحد اللقاءات أن الرئيس الأسبق أنور السادات أثناء سنوات كفاحه كان يختبئ في مزرعة أسرتها. تركت كاريوكا أسرتها بعد أن كان أخوها يعذبها وحلق لها شعرها، فسافرت إلى القاهرة لتذهب للسيدة سعاد صديقة أسرتها التي ساعدتها في أن تأخذ أدوار الكومبارس في عدد من المسرحيات على مسارح الإسكندرية، وقبل أن تغادر إلى سوريا عرفتها على بديعة مصابني التي ساندت كاريوكا ووضعتها على أول طريق الفن والشهرة.
* تحية المتمردة
يقول الشناوي إن كاريوكا قدمت للسينما 119 فيلماً روائياً بدأتها عام 1935 بفيلم «الدكتور فرحات» مع المخرج توجو مزراحي، حيث قدمت تابلوهات راقصة وأصبحت من بعدها نجمة صاعدة في هذا المجال. ويشير المؤلف إلى أن تحية تمردت على هذا التصنيف الذي حصرها فيه المخرجون فأنشأت شركة إنتاج أطلقت عليه «أفلام الشباب» مع كل من المخرج حسين فوزي والفنان حسين صدقي، وكان باكورة إنتاجهم فيلم «أحب الغلط» عام 1942، وفي هذا العام قدمت للسينما ثلاثة أفلام أخرى هي: «الستات في خطر»، و«أخيراً تزوجت»، و«أحلام الشباب» ويؤكد الشناوي أن تلك الأفلام أظهرت إجادتها للتمثيل، لافتاً إلى أن فيلم «لعبة الست» عام 1946 كان علامة فارقة في تاريخها الفني.
* باليه وغناء
تتذكر كاريوكا أول مرة وقفت أمام الريحاني وأنها لم تنطق بكلمة واحدة لكنه ظل يحاول أن يهدئ من روعها وتأخر التصوير يومين، وحتى أثناء تصوير الفيلم كان يظهر للمخرج أن أي خطأ تقترفه كاريوكا أنه هو السبب فيه.
ويذكر الشناوي جزءا من حواره معها عن دور نجيب الريحاني في حياتها، فقالت: «قبل أن أصل إلى الأستاذ نجيب الريحاني أتذكر أستاذي سليمان نجيب فقد كان هو الأب الروحي والموجه لي، كان يعلم أن الفنان لا يمكن أن يستغني عن العلم، ولهذا شجعني على دراسة الفرنسية والإنجليزية والباليه وهذا ما فعلته، بل إنه اتفق مع مدام (رطل) التي كانت وإلى مطلع الثمانينات تتولى تدريب الأصوات الغنائية على فن الأداء... ولم يكن في نيتي أن أغني... لكنه رشحني لمشاركة نجيب الريحاني في بطولة (لعبة الست)، ورفضت في البداية الوقوف أمام هذا العملاق وقلت له إنني مشغولة بتصوير فيلم آخر لحساب توجو مزراحي، فظن سليمان بك نجيب أنني أعترض على العقد، وتعاقدوا معي على 2500 جنيه، وهو أعلى رقم بمقياس تلك الأيام عام 1946!».
* أعمال استعراضية
يشير الشناوي إلى أن كاريوكا شاركت في بطولة أفلام كبار مطربي الأربعينات، والبداية كانت مع فريد الأطرش زميلها القديم في صالة بديعة مصابني فيلم «أحلام الشباب» للمخرج كمال سليم عام 1942... وتعاود التجربة مع الأطرش في فيلم «ما أقدرش» للمخرج أحمد بدرخان، وأفلام «نجف» و«يحيا الفن»، كما شاركت المطرب محمد فوزي في فيلم «حب وجنون»، وكارم محمود «عيني بترف» عام 1950. ويشير إلى أن كاريوكا قدمت أجمل الأفلام الاستعراضية ولم تقف في البطولة أمام مطرب بعينه مثل سامية جمال بل مثلت مع جميع مطربي ذلك الوقت.
ويقول الشناوي: «ذروة أعمال تحية هو فيلم (شباب امرأة) عام 1956 للمخرج صلاح أبو سيف الذي حصلت من دورها فيه على جائزة الدولة، فقد قدّمت تحية الدور دون أن تسقط في فخ الفجاجة والنمطية... لقد صار دور (شفاعات) ترمومتر أداء دور بنت البلد».
* جلباب في «كان»
وينقل المؤلف عن لسان كاريوكا أن المخرج والمؤلف أمين يوسف غراب قال لها إنهم «لا يملكون أجوراً للممثلين، لكنها بعد أن قرأت القصة تحمست وطلبت من الفنانة شادية أيضا المشاركة في الدور المساند لها فلم تمانع»، وتروي كاريوكا أنها ذهبت إلى مهرجان كان مع الفيلم وارتدت الجلباب البلدي مع نجوم العالم. ونفت كاريوكا ما أشيع وقتها بأنها رفعت الحذاء في وجه «ريتا هيوارث» المعروفة بتوجهاتها الصهيونية.
لم تفقد كاريوكا بريقها كما تشير سيرتها السينمائية، ولكنها تألقت في دور الأم في فيلم «أم العروسة» لعاطف سالم عام 1963، فمنحت الدور صدقاً وخصوصية لم تشاهده السينما من قبل... ولم تتوقف تحية عن العطاء في السبعينات، وشاركت في موجة السينما السياسية، ومنها أفلام: «زائر الفجر»، و«الكرنك» و«السقا مات»، ثم انتقلت مرة أخرى للأفلام الرومانسية الاجتماعية وقدمت دور «نعيمة ألماظية» في «خلي بالك من زوزو» عام 1973 إلى أن التقت مع يوسف شاهين في فليم «إسكندرية كمان وكمان»، ويضفها الشناوي أنها كانت بمثابة «الجندي الحارس على صدق إيقاع الحياة السينمائية».
* سياسة وإضراب عن الطعام
ويكشف المؤلف الدور السياسي لكاريوكا الذي يجهله الكثير من جمهورها، فيقول: «ظلت تمارس الحياة السياسية حتى سنواتها الأخيرة، فلقد تزعمت اعتصام الفنانين، وكانت هي الفنانة الوحيدة التي أضربت عن الطعام عام 1988، ولم يوقف إضرابها عن الطعام سوى تدخل الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي اتصل بها في نقابة السينمائيين مقر اعتصام الفنانين وداعبها قائلا: «عايزة يقولوا يا ست تحية إنك عشت تأكلين في عهد فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتي جوعانة في عهد مبارك؟!».
يروي الشناوي أن علاقته بكاريوكا بدأت أثناء دراسته للإعلام بجامعة القاهرة، حينما أجرى معها حواراً ونشر على صفحات جريدة «صوت الجامعة» وعلى صفحات «روزااليوسف». كنت أذهب إليها في بيتها 16 شارع النيل بالجيزة قبل أن يطردها منها زوجها فايز حلاوة، ثم انتقلت لشقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار أمام سينما التحرير، ولكنها لم تتغير بل كانت تملأ البيت مرحاً وبهجة».
* زواجات وإخفاقات
يضم الكتاب أربعة فصول، الفصل الأول يحتوي على ثلاثة حوارات، اثنان أجراهما المؤلف مع كاريوكا، والثالث كان حوار أجراه معها المخرج الرائد محمد كريم تتحدث في الحوارات عن حياتها الشخصية ومواقفها مع كبار الفنانين والمطربين. وكيف أنها تزوجت من يهودي أميركي يدعى «جلبرت ليفي» بعد إسلامه أسمى نفسه «محمد المهدي»، وسافرت معه لأميركا كي تدخل لعالم هوليوود لكنها لم تنجح. وكانت كاريوكا قد تزوجت 17 مرة وكانت دائما تذكر أن رشدي أباظة كان أفضل أزواجها في معاملته الراقية معها.
في الفصل الثاني يقدم الشناوي رؤية نقدية لأعمال تحية يرصد خلالها أهم مراحل عطائها السينمائي، أما الفصل الثالث فيقرب القراء من عالم تحية كاريوكا الإنسانة من حيث حكايات يرويها الفنان الكبير محمد صبحي عنها، والفنانة نجوى فؤاد، والمؤلف طارق الشناوي، ومن أكثر المواقف الإنسانية هي تبنيها لطفلة يتيمة أسمتها «عطية الله» أغدقت عليها حنان الأم والجدة، وكانت في الثمانين من عمرها، وطلبت من زملائها الفنانين أن يعينوها على تأمين مستقبل جيد لابنتها بالتبني.
* بقلم إدوارد سعيد
كما يضم الفصل الثاني مقالاً للمفكر العربي الراحل إدوارد سعيد عن تحية كاريوكا ورؤيته له حينما كان في الرابعة عشر من عمره في كازينو بديعة مصابني مع زملائه من كلية فيكتوريا كوليدج القاهرة، وانطباعاته عن فن الرقص الشرقي فيقول: «كان رقص تحية أشبه بأرابيسك متطاول تحكم صنعه من حول شريكها الجالس» يقصد به المطرب عبد العزيز محمود. وفي جزء آخر من المقال يشير إلى أن «كاريوكا تنتمي لعالم النساء التقدميات اللواتي يتفادين الحواجز الاجتماعية أو يزلنها. فقد ظلت تحية مرتبطة بمجتمع بلادها ذلك الارتباط العضوي، نظراً لما اكتشفته لنفسها كراقصة ومحيية للحفلات من دور آخر أكثر وهمية».
ويروي سعيد: «أخبرني عالم اجتماع مصري شهير أن تحية كانت على صلة وثيقة بالحزب الشيوعي في الأربعينات والخمسينات، كانت تلك الفترة كما قال فترة تجذر الراقصات الشرقيات... وفي عام 1988 علمت أنها كانت في أثينا مع مجموعة من الفنانين والمثقفين المصريين والعرب الذين عزموا على ركوب «سفينة العودة» في رحلة إياب إلى الأراضي المقدسة. وبعد أسبوعين فجرت المخابرات الإسرائيلية ذلك القارب وتم التخلي عن المشروع».
ويشير سعيد إلى أنه حينما زارها في شقتها الصغيرة طلب منها أن تروي تاريخها السياسي ويقول: «ما روته كان مفاجئاً بالنسبة لي، إذ علمت لأول مرة أنها كانت على الدوام منتمية لليسار الوطني، حيث سجنها عبد الناصر في الخمسينات لانتسابها لعصبة السلام المنظمة الموالية لموسكو». ويختتم إدوارد سعيد مقاله بمغامرته في البحث عن تاريخ الفنانة في أرشيف السينما المصرية فلم يجد توثيقاً لمسيرتها أو حياتها فكتب قائلاً: «وجدت أن تحية هي تاريخها ذاته، تاريخ غير موثق إلى حد بعيد لكنه لا يزال مهيب الحضور».
أما الفصل الرابع فعنوان «فيلموغرافيا أعمال تحية كاريوكاً»، فهو يضم توثيقاً كاملاً لجميع أفلامها السينمائية حتى آخر أفلامها فيلم «يا تحب يا تقب» عام 1994. ويذيل الكتاب بمجموعة رائعة من صور تحية كاريوكا وأهم محطاتها السينمائية ومع عمالقة الفن من بينهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم ويوسف وهبي وغيرهم. رحلت كاريوكا في 20 سبتمبر (أيلول) عام 1999. ورحل معها عبق الزمن الجميل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».