هل حان وقت تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لحصار الارهاب؟

في ظل تصاعد عنف المتطرفين

هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)
هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)
TT

هل حان وقت تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لحصار الارهاب؟

هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)
هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)

«نفذ السهم» كما قال يوليوس قيصر ذات مرة، وبات على الإنسانية مواجهة التطرف العنيف، الذي غيّر حال العالم من الأمن والأمان إلى الخوف والقلق. وصار الإرهاب العنيف أداة عابرة للحدود والسدود... إرهاباً يتصل بالأفكار، وكذا بالجماعات. وأضحى يمثل حربا عالمية غير معلنة... حيث ما من بقعة أو رقعة في شرق البسيطة أو غربها إلا وتشهد في السنوات الأخيرة عمليات قتل وترويع وسفك دماء.
ولعل ما جرى في لندن خلال الأيام القليلة الماضية قد أرسل أكثر من إشارة للقابضين على جمر حماية الحريات الإنسانية، مفادها أن حروبهم ضد عقول شديدة الذكاء، وإن كانت من أسف شديد تستغله في الدمار والمرار، فاختيار موعد تنفيذ العملية، لم يكن عشوائيا، بل تذكير متجدد لما جرى في العاصمة البلجيكية بروكسل قبل سنة.
لم يعد الإرهاب الأسود يداري أو يواري نفسه، سواء تلبس الأمر مشهد «الذئاب الفردية»، أو أعلنت منظمات بعينها، وفي المقدمة منها تنظيم داعش المتطرف الإرهابي مسؤوليتها عن تلك الحوادث. فمنفذ عملية دهس المارة في لندن «هو جندي لـ(داعش)، نفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول للتحالف الدولي...»... هكذا تحدث بيان «داعش» الذي أعلن من قبل مسؤوليته تجاه ثلاث عمليات عشوائية، دهست من خلالها مركبات أتباعه وأشياعه، مواطنين أوروبيين أبرياء.
ثم أنه وطوال عقد أو أكثر، وتحديدا منذ السابع من يوليو (تموز) من عام 2005، والإرهاب «القاعدي» ثم «الداعشي» يطارد الآمنين، ويؤدي إلى مقتل العشرات والمئات، كما رأينا في نيس وبرلين. ولهذا؛ أضحت الحاجة ملحة إلى جهود دولية وتنادٍ عالمي للمجابهة والمواجهة، على أكثر من صعيد... بدءاً من معارك القتال المسلح على الأرض، كما هي الحال في الرقة والموصل، وصولا إلى المعارك «السيبرانية» (الإنترنت) خلف الشاشات وفي الغرف المغلقة.
أليس هذا هو الوقت القيّم لتفعيل خطة العمل من أجل منع التطرف العنيف التي قدّمها الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون» للجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 فبراير (شباط) 2016 وقوبلت بالترحاب؟
ربما تكون المنظمة الأممية الآن أمام أحد أهم الاستحقاقات التي يرتبط بها وجودها، ذلك أنه إن قدّر لها بلورة نهج كامل وفاعل على الأرض لمحاربة الإرهاب، فإنها بذلك تكتب شهادة ميلاد جديدة لحضورها الأممي. هذا نهج لا يتخذ من التدابير الأمنية فقط أساسا لمكافحة الإرهاب، بل يبدع ويبتكر أيضا في اتخاذ خطوات وقائية منهجية لمعالجة الظروف الكامنة التي تدفع الأفراد إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة.
الأمم المتحدة في هذا التوقيت الملتهب، تدافع عن جوهر كيانها؛ إذ إن التطرف العنيف إساءة مباشرة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها؛ لأنه يقوّض السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ولا يسلم أي بلد أو منطقة من إثارة. على أن ثمة قائلا يقول إن واشنطن شهدت الأيام القليلة الماضية مؤتمرا شارك فيه وزراء خارجية 68 دولة بهدف واضح، هو محاربة «داعش»، وربما هذا يكفي في الحال؛ ذلك أن الخلاص من «داعش» يعني الخلاص من الإرهاب حول العالم.
ولكن هنا يبقى التوضيح أمراً حتمياً، ذلك أن القضاء على «داعش» عسكرياً لا يعني نهاية حضوره فكرياً، ولا سيما أنه يتستّر وراء حواجز دوغماتية لا تغيب عن ناظري المتابعين للمشهد؛ فالأفكار لا تموت، وإنما تطير بأجنحة. والشاهد أن مؤتمر واشنطن على أهميته لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون أداة بديلة للإجماع الأممي.
إذ ربما أقصى ما يمكن أن يتوصّل إليه المجتمعون في واشنطن هو طرح خطة سياسية عسكرية للقضاء على «داعش»، وهذا أمر جيد في حد ذاته، وواشنطن ماضية فيه قدماً. فلقد أعلن الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة نهار الخميس 23 فبراير الماضي، أن خطة تقودها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لهزيمة «داعش»، من المقرّر أن تظهر سريعاً في شكل مسوّدة تتجاوز أطرها اللوجيستية حدود العراق وسوريا لتشمل الخطر الذي يمثله المتشددون حول العالم في إذكاء الصراعات.
وفق «البنتاغون» اجتذب «داعش» نحو 45 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 100 دولة حول العالم. ومن ثم، لكي تنجح الخطة الأميركية، فإن هناك حاجة أولا إلى قطع النسيج الذي يضم الجماعات الإقليمية التي تشكل الآن خطراً عالمياً.
القضية المحورية هنا هي أن واشنطن تتقاطع خيوطها عكسياً مع بعض من تلك الدول. وعليه، يبقى معين الأمم المتحدة هو الأنفع والأرفع في المواجهة القائمة والمقبلة، وتبقى استراتيجية المنظمة العالمية لمكافحة الإرهاب «القاسم المشترك» الذي يحتمي خلف جداره كل من يود الفرار من نيران الكراهية والعداوات الأصولية.
في هذا السياق، تنتاب الكثير من السياسيين والقادة حول العالم المخاوف من أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب إدارة «انعزالية»، بمعنى أنها تشعر بأهمية المنظمة الأممية، بل تسعى إلى تنفيذ أجندة «أميركا أولا» بمنأى عن الجميع. والمؤكد أن ذلك قد يكون بعضه صحيحا بالفعل، لكن مواجهة الإرهاب حكما تحتم على إدارة ترمب التعاطي بإيجابية تتجاوز حدود البرغماتية الضيقة، إلى ما يمكن أن نسميه «الأنانية المستنيرة». فمن خلال زخم الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب، تضمن الولايات المتحدة الأميركية بناء مجتمعات قوية، وتعزّز من إمكانات حماية الداخل الأميركي. وأغلب الظن أن اجتماع واشنطن الأخير، كان بداية لتعاون أميركي - أممي إيجابي سيشهد العالم آثاره عما قريب.
من المثير جدا أن استراتيجية الأمم المتحدة التي نحن بصددها لم تسلط عليها الأضواء، في حين أن موضوعات أقل أهمية تصدح بها وسائل الإعلام صباح مساء كل يوم، ولولا التصاعد المخيف لوتيرة الإرهاب في الفترات الأخيرة لما أعارها أحد التفاتاً يذكر على أهميتها.
ولكن يبقى أن كارثة الإرهاب والإرهابيين التي تحتاج اليوم إلى جهود أممية للمواجهة، باتت تسيطر على الأراضي بالمعنى الجغرافي التقليدي. ثم تنطلق إلى الفضاءات الرحبة عبر وسائط التواصل الاجتماعي لإيصال أفكارها و«إنجازاتها» المذمومة آنيا إلى مختلف أرجاء العالم. وفي هذا تعمل على تحوير قيم السلام والعدالة والكرامة الإنسانية التي نشترك فيها جميعا، بحسب منطوق ونص الاستراتيجية.
من أفضل الأوراق والمداخلات التي قدمت أمام مجلس الأمن حول السلام والأمن الدوليين، يأتي حديث السفير مارك ليال غرانت، رئيس بعثة بريطانيا لدى الأمم المتحدة عن التطرف وسبل مكافحته. وكان السفير قد قدم ورقته قبل سنتين تقريبا، ولكن لم يُلتفت إليها. وها هي بلاده في مقدمة الدول التي تدفع ثمن تقاعس المجتمع الدولي عن مكافحة التطرف العنيف بوصفه نوعا من أكبر التحديات الدولية المسلحة التي تواجهها.
السفير البريطاني يرى أنه لا بد من مواجهة المتطرفين بكل حزم، ومن الواجب على القيادات السياسية، والقيادات الدينية تحديدا، القول بوضوح «هذا لا يمثل ديني». لكن عنده أيضا أن هذا غير كاف. ففعل الإدانة هنا يتوقف عند الحدود السلبية، في حين أن التغيير الإيجابي والمواجهة الخلاقة تقتضي تشجيع بديل إيجابي يتمثل في الحديث عن التسامح والشمولية على سبيل المثال.
عبر الأعوام الماضية تساءل الكثيرون: «لماذا يقدِم هؤلاء الشباب على التطرف؟ ولماذا يسعى بعضهم لدهس الأبرياء أو تفخيخهم بالعبوات الناسفة، أو قطع رؤوسهم دون أدنى ملمح أو ملمس من إنسانية؟
الجواب العقلاني الذي تقودنا إليه سطور الاستراتيجية المشار إليها يتمثل في غياب المجتمعات المنفتحة والمنصفة... المجتمعات التعددية التي تحتضن الجميع وتقوم على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وتتيح الفرص الاقتصادية للجميع. وحال توافر الوجه الإيجابي لتلك المجتمعات وانتفاء الوجه السلبي المتقدم، سيضحى لدى العالم أفضل بديل ملموس ومجد للتطرف العنيف وأفضل وأنجح استراتيجية تنزع عنه جاذبيته.
يستدعي المشهد الدولي المأزوم حالياً، تناديا دولياً، لمناقشة حال ومآل وقود التطرف والإرهاب، أي الشباب، من كل الأديان والأجناس، ذلك أنه وإن كانت الأصوليات المذهبية تكثر عند البعض، فإن صعود القوميات والشعوبيات عند البعض الآخر سيقود حتما إلى عنف وعنف مضاد. بل ربما نرى الإرهاب متصاعدا داخل الجنس والعرق الواحد؛ لأن كارثة المتطرف أنه لا يرى غير نفسه في عينيه، ولا مكان لطرح آخر عند «ملاك الحقيقة المطلقة». في هذا الإطار الأممي، ربما يتوجب على المنظمة الأممية الدعوة إلى مؤتمر عالمي، قياداته من علماء النفس والاجتماع، لا من السياسيين أو العسكريين ورجالات الاستخبارات... مؤتمر هدفه الرئيس دراسة العوامل التي تدفع الشباب للتطرف، عطفا على الضمانات اللازمة لمنع الترويج للأفكار المتطرفة التي لا تتماشى مع شرعة حقوق الإنسان، والآداب والأخلاقيات العامة.
حديث الضمانات لا يعني أبدا القمع وكبت الحريات؛ ذلك أن مكافحة الأفكار المتطرفة تكون ممكنة فقط حين يكون لدى الناس حرية مواجهتها. والأفكار الظلامية تولد في أوساط الجهلين الفكري والثقافي، فبائع الشموع يفضل أن يظل التيار الكهربائي مقطوعاً. والمتطرفون يعتدون على المدارس والجامعات، والمؤسسات التعليمية والإعلامية لخشيتهم مما يجلبه التعليم من تغيير ومساواة وتنوير، تكشف زيف دعواهم، وإفك أحاديثهم.
من ناحية أخرى، رغم أن المشهد مأساوي، والمخاوف خلف الباب قائمة، وعلامة الاستفهام... أين ومتى ستكون العملية الإرهابية المقبلة؟ فإن استراتيجية الأمم المتحدة، تعطي قارئها مسرباً من مسارب الأمل إذا أحسنت المجتمعات المختلفة تسخير مثالية الشباب وإبداعهم وطاقتهم، وغيرهم من الفئات التي تشعر بالحرمان لبلوغ غاية السلام والوئام عوضاً عن الحروب والخصام.
يتطلع «فاعلو الإثم» إلى الشباب حول العالم بوصفهم المعين والخزان البشري، الذي منه يستقطبون مجنديهم الجدد. وعليه لا بد من فعاليات وخطط تبدأ من المحليات الصغيرة، وصولا إلى حدود الدولة الوطنية، ثم الإقليم الجغرافي؛ فالقارئ، حتى تكتمل الصورة العالمية... فعاليات تستوعب هؤلاء بوصفهم مكسبا يجب تمكينه ليسهم إسهاما بنّاء في التنمية السياسية والاقتصادية لمجتمعاتهم ودولهم. فهم يشكلون موردا لم يستغل بعد، ويجب أن نمكنهم من النظر إلى مستقبلهم نظرة إيجابية، وأن تتاح لهم فرصة حقيقية لتحقيق تطلعاتهم وإدراك أحلامهم.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.