هل حان وقت تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لحصار الارهاب؟

في ظل تصاعد عنف المتطرفين

هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)
هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)
TT

هل حان وقت تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لحصار الارهاب؟

هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)
هلع ورعب في لندن بعد هجمة إرهابية أمام مجلس العموم («الشرق الأوسط»)

«نفذ السهم» كما قال يوليوس قيصر ذات مرة، وبات على الإنسانية مواجهة التطرف العنيف، الذي غيّر حال العالم من الأمن والأمان إلى الخوف والقلق. وصار الإرهاب العنيف أداة عابرة للحدود والسدود... إرهاباً يتصل بالأفكار، وكذا بالجماعات. وأضحى يمثل حربا عالمية غير معلنة... حيث ما من بقعة أو رقعة في شرق البسيطة أو غربها إلا وتشهد في السنوات الأخيرة عمليات قتل وترويع وسفك دماء.
ولعل ما جرى في لندن خلال الأيام القليلة الماضية قد أرسل أكثر من إشارة للقابضين على جمر حماية الحريات الإنسانية، مفادها أن حروبهم ضد عقول شديدة الذكاء، وإن كانت من أسف شديد تستغله في الدمار والمرار، فاختيار موعد تنفيذ العملية، لم يكن عشوائيا، بل تذكير متجدد لما جرى في العاصمة البلجيكية بروكسل قبل سنة.
لم يعد الإرهاب الأسود يداري أو يواري نفسه، سواء تلبس الأمر مشهد «الذئاب الفردية»، أو أعلنت منظمات بعينها، وفي المقدمة منها تنظيم داعش المتطرف الإرهابي مسؤوليتها عن تلك الحوادث. فمنفذ عملية دهس المارة في لندن «هو جندي لـ(داعش)، نفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول للتحالف الدولي...»... هكذا تحدث بيان «داعش» الذي أعلن من قبل مسؤوليته تجاه ثلاث عمليات عشوائية، دهست من خلالها مركبات أتباعه وأشياعه، مواطنين أوروبيين أبرياء.
ثم أنه وطوال عقد أو أكثر، وتحديدا منذ السابع من يوليو (تموز) من عام 2005، والإرهاب «القاعدي» ثم «الداعشي» يطارد الآمنين، ويؤدي إلى مقتل العشرات والمئات، كما رأينا في نيس وبرلين. ولهذا؛ أضحت الحاجة ملحة إلى جهود دولية وتنادٍ عالمي للمجابهة والمواجهة، على أكثر من صعيد... بدءاً من معارك القتال المسلح على الأرض، كما هي الحال في الرقة والموصل، وصولا إلى المعارك «السيبرانية» (الإنترنت) خلف الشاشات وفي الغرف المغلقة.
أليس هذا هو الوقت القيّم لتفعيل خطة العمل من أجل منع التطرف العنيف التي قدّمها الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون» للجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 فبراير (شباط) 2016 وقوبلت بالترحاب؟
ربما تكون المنظمة الأممية الآن أمام أحد أهم الاستحقاقات التي يرتبط بها وجودها، ذلك أنه إن قدّر لها بلورة نهج كامل وفاعل على الأرض لمحاربة الإرهاب، فإنها بذلك تكتب شهادة ميلاد جديدة لحضورها الأممي. هذا نهج لا يتخذ من التدابير الأمنية فقط أساسا لمكافحة الإرهاب، بل يبدع ويبتكر أيضا في اتخاذ خطوات وقائية منهجية لمعالجة الظروف الكامنة التي تدفع الأفراد إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة.
الأمم المتحدة في هذا التوقيت الملتهب، تدافع عن جوهر كيانها؛ إذ إن التطرف العنيف إساءة مباشرة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها؛ لأنه يقوّض السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ولا يسلم أي بلد أو منطقة من إثارة. على أن ثمة قائلا يقول إن واشنطن شهدت الأيام القليلة الماضية مؤتمرا شارك فيه وزراء خارجية 68 دولة بهدف واضح، هو محاربة «داعش»، وربما هذا يكفي في الحال؛ ذلك أن الخلاص من «داعش» يعني الخلاص من الإرهاب حول العالم.
ولكن هنا يبقى التوضيح أمراً حتمياً، ذلك أن القضاء على «داعش» عسكرياً لا يعني نهاية حضوره فكرياً، ولا سيما أنه يتستّر وراء حواجز دوغماتية لا تغيب عن ناظري المتابعين للمشهد؛ فالأفكار لا تموت، وإنما تطير بأجنحة. والشاهد أن مؤتمر واشنطن على أهميته لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون أداة بديلة للإجماع الأممي.
إذ ربما أقصى ما يمكن أن يتوصّل إليه المجتمعون في واشنطن هو طرح خطة سياسية عسكرية للقضاء على «داعش»، وهذا أمر جيد في حد ذاته، وواشنطن ماضية فيه قدماً. فلقد أعلن الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة نهار الخميس 23 فبراير الماضي، أن خطة تقودها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لهزيمة «داعش»، من المقرّر أن تظهر سريعاً في شكل مسوّدة تتجاوز أطرها اللوجيستية حدود العراق وسوريا لتشمل الخطر الذي يمثله المتشددون حول العالم في إذكاء الصراعات.
وفق «البنتاغون» اجتذب «داعش» نحو 45 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 100 دولة حول العالم. ومن ثم، لكي تنجح الخطة الأميركية، فإن هناك حاجة أولا إلى قطع النسيج الذي يضم الجماعات الإقليمية التي تشكل الآن خطراً عالمياً.
القضية المحورية هنا هي أن واشنطن تتقاطع خيوطها عكسياً مع بعض من تلك الدول. وعليه، يبقى معين الأمم المتحدة هو الأنفع والأرفع في المواجهة القائمة والمقبلة، وتبقى استراتيجية المنظمة العالمية لمكافحة الإرهاب «القاسم المشترك» الذي يحتمي خلف جداره كل من يود الفرار من نيران الكراهية والعداوات الأصولية.
في هذا السياق، تنتاب الكثير من السياسيين والقادة حول العالم المخاوف من أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب إدارة «انعزالية»، بمعنى أنها تشعر بأهمية المنظمة الأممية، بل تسعى إلى تنفيذ أجندة «أميركا أولا» بمنأى عن الجميع. والمؤكد أن ذلك قد يكون بعضه صحيحا بالفعل، لكن مواجهة الإرهاب حكما تحتم على إدارة ترمب التعاطي بإيجابية تتجاوز حدود البرغماتية الضيقة، إلى ما يمكن أن نسميه «الأنانية المستنيرة». فمن خلال زخم الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب، تضمن الولايات المتحدة الأميركية بناء مجتمعات قوية، وتعزّز من إمكانات حماية الداخل الأميركي. وأغلب الظن أن اجتماع واشنطن الأخير، كان بداية لتعاون أميركي - أممي إيجابي سيشهد العالم آثاره عما قريب.
من المثير جدا أن استراتيجية الأمم المتحدة التي نحن بصددها لم تسلط عليها الأضواء، في حين أن موضوعات أقل أهمية تصدح بها وسائل الإعلام صباح مساء كل يوم، ولولا التصاعد المخيف لوتيرة الإرهاب في الفترات الأخيرة لما أعارها أحد التفاتاً يذكر على أهميتها.
ولكن يبقى أن كارثة الإرهاب والإرهابيين التي تحتاج اليوم إلى جهود أممية للمواجهة، باتت تسيطر على الأراضي بالمعنى الجغرافي التقليدي. ثم تنطلق إلى الفضاءات الرحبة عبر وسائط التواصل الاجتماعي لإيصال أفكارها و«إنجازاتها» المذمومة آنيا إلى مختلف أرجاء العالم. وفي هذا تعمل على تحوير قيم السلام والعدالة والكرامة الإنسانية التي نشترك فيها جميعا، بحسب منطوق ونص الاستراتيجية.
من أفضل الأوراق والمداخلات التي قدمت أمام مجلس الأمن حول السلام والأمن الدوليين، يأتي حديث السفير مارك ليال غرانت، رئيس بعثة بريطانيا لدى الأمم المتحدة عن التطرف وسبل مكافحته. وكان السفير قد قدم ورقته قبل سنتين تقريبا، ولكن لم يُلتفت إليها. وها هي بلاده في مقدمة الدول التي تدفع ثمن تقاعس المجتمع الدولي عن مكافحة التطرف العنيف بوصفه نوعا من أكبر التحديات الدولية المسلحة التي تواجهها.
السفير البريطاني يرى أنه لا بد من مواجهة المتطرفين بكل حزم، ومن الواجب على القيادات السياسية، والقيادات الدينية تحديدا، القول بوضوح «هذا لا يمثل ديني». لكن عنده أيضا أن هذا غير كاف. ففعل الإدانة هنا يتوقف عند الحدود السلبية، في حين أن التغيير الإيجابي والمواجهة الخلاقة تقتضي تشجيع بديل إيجابي يتمثل في الحديث عن التسامح والشمولية على سبيل المثال.
عبر الأعوام الماضية تساءل الكثيرون: «لماذا يقدِم هؤلاء الشباب على التطرف؟ ولماذا يسعى بعضهم لدهس الأبرياء أو تفخيخهم بالعبوات الناسفة، أو قطع رؤوسهم دون أدنى ملمح أو ملمس من إنسانية؟
الجواب العقلاني الذي تقودنا إليه سطور الاستراتيجية المشار إليها يتمثل في غياب المجتمعات المنفتحة والمنصفة... المجتمعات التعددية التي تحتضن الجميع وتقوم على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وتتيح الفرص الاقتصادية للجميع. وحال توافر الوجه الإيجابي لتلك المجتمعات وانتفاء الوجه السلبي المتقدم، سيضحى لدى العالم أفضل بديل ملموس ومجد للتطرف العنيف وأفضل وأنجح استراتيجية تنزع عنه جاذبيته.
يستدعي المشهد الدولي المأزوم حالياً، تناديا دولياً، لمناقشة حال ومآل وقود التطرف والإرهاب، أي الشباب، من كل الأديان والأجناس، ذلك أنه وإن كانت الأصوليات المذهبية تكثر عند البعض، فإن صعود القوميات والشعوبيات عند البعض الآخر سيقود حتما إلى عنف وعنف مضاد. بل ربما نرى الإرهاب متصاعدا داخل الجنس والعرق الواحد؛ لأن كارثة المتطرف أنه لا يرى غير نفسه في عينيه، ولا مكان لطرح آخر عند «ملاك الحقيقة المطلقة». في هذا الإطار الأممي، ربما يتوجب على المنظمة الأممية الدعوة إلى مؤتمر عالمي، قياداته من علماء النفس والاجتماع، لا من السياسيين أو العسكريين ورجالات الاستخبارات... مؤتمر هدفه الرئيس دراسة العوامل التي تدفع الشباب للتطرف، عطفا على الضمانات اللازمة لمنع الترويج للأفكار المتطرفة التي لا تتماشى مع شرعة حقوق الإنسان، والآداب والأخلاقيات العامة.
حديث الضمانات لا يعني أبدا القمع وكبت الحريات؛ ذلك أن مكافحة الأفكار المتطرفة تكون ممكنة فقط حين يكون لدى الناس حرية مواجهتها. والأفكار الظلامية تولد في أوساط الجهلين الفكري والثقافي، فبائع الشموع يفضل أن يظل التيار الكهربائي مقطوعاً. والمتطرفون يعتدون على المدارس والجامعات، والمؤسسات التعليمية والإعلامية لخشيتهم مما يجلبه التعليم من تغيير ومساواة وتنوير، تكشف زيف دعواهم، وإفك أحاديثهم.
من ناحية أخرى، رغم أن المشهد مأساوي، والمخاوف خلف الباب قائمة، وعلامة الاستفهام... أين ومتى ستكون العملية الإرهابية المقبلة؟ فإن استراتيجية الأمم المتحدة، تعطي قارئها مسرباً من مسارب الأمل إذا أحسنت المجتمعات المختلفة تسخير مثالية الشباب وإبداعهم وطاقتهم، وغيرهم من الفئات التي تشعر بالحرمان لبلوغ غاية السلام والوئام عوضاً عن الحروب والخصام.
يتطلع «فاعلو الإثم» إلى الشباب حول العالم بوصفهم المعين والخزان البشري، الذي منه يستقطبون مجنديهم الجدد. وعليه لا بد من فعاليات وخطط تبدأ من المحليات الصغيرة، وصولا إلى حدود الدولة الوطنية، ثم الإقليم الجغرافي؛ فالقارئ، حتى تكتمل الصورة العالمية... فعاليات تستوعب هؤلاء بوصفهم مكسبا يجب تمكينه ليسهم إسهاما بنّاء في التنمية السياسية والاقتصادية لمجتمعاتهم ودولهم. فهم يشكلون موردا لم يستغل بعد، ويجب أن نمكنهم من النظر إلى مستقبلهم نظرة إيجابية، وأن تتاح لهم فرصة حقيقية لتحقيق تطلعاتهم وإدراك أحلامهم.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».