الحوثيون يستعرضون القوة سعياً لإضفاء شرعية على الانقلاب

الجيش الوطني يقصف مناطق قرب دار الرئاسة والمطار في العاصمة اليمنية

يمنيون يتجمعون دعماً للرئيس هادي والشرعية في تعز بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق عملية «عاصفة الحزم» (غيتي)
يمنيون يتجمعون دعماً للرئيس هادي والشرعية في تعز بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق عملية «عاصفة الحزم» (غيتي)
TT

الحوثيون يستعرضون القوة سعياً لإضفاء شرعية على الانقلاب

يمنيون يتجمعون دعماً للرئيس هادي والشرعية في تعز بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق عملية «عاصفة الحزم» (غيتي)
يمنيون يتجمعون دعماً للرئيس هادي والشرعية في تعز بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق عملية «عاصفة الحزم» (غيتي)

في الوقت الذي احتشد فيه الآلاف من الانقلابيين ومؤيديهم في ميدان السبعين بصنعاء للتنديد بعمليات التحالف لدعم الشرعية في اليمن في الذكرى الثانية لانطلاق «عاصفة الحزم»، كشفت مصادر يمنية أن قوات الجيش الوطني قصفَت بالمدفعية، ولأول مرة، بعض المناطق القريبة من دار الرئاسة في جنوب العاصمة صنعاء، بالقرب من الميدان.
وقال العميد عبده مجلي، المتحدث باسم قوات الجيش الوطني، لـ«الشرق الأوسط» إن قذائف المدفعية وصواريخ الجيش وصلت للمرة الأولى إلى جوار دار الرئاسة، وفي محيط مطار صنعاء الدولي، مؤكداً أن قوات الجيش المرابطة في نهم هي التي نفذت عمليات القصف.
وخرجت حشود المؤيدين للانقلاب إلى ميدان السبعين بمشاركة قيادات الانقلاب وقادة الميليشيات، وبين الحاضرين الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي ألقى كلمة تؤكد مواصلته للحرب على اليمنيين، وفقاً للمراقبين، حيث يقول المحلل السياسي، ياسين التميمي إن «تجمُّع أنصار الانقلاب، في ميدان السبعين، يدخل في سياق الجهد المبذول من طرف الانقلابيين، لتكريس شرعية الانقلاب، وهو أقصى ما يمكن أن يستطيع الانقلابيون حشده من أنصارهم». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خرج على مدى عام ونصف العام ملايين اليمنيين الذين طالبوا برحيل صالح، ولن يعيده إلى السلطة بضعة آلاف من متظاهري الأجر اليومي».
ويؤكد التيمي أن الانقلابيين «يكتفون بمحاولة فرض إرادتهم على الدولة بواسطة انقلاب مسلح، والخروج على الإجماع الوطني، لكنهم يمضون قدماً في تكريس الاصطفاف الجهوي والطائفي الذي يراهنون عليه في الاحتفاظ بالبيئة الحاضنة لانقلابهم».
ويعود المحلل السياسي التميمي إلى موضوع التجمع ويرى أن «كل ما يؤشر إليه تجمع أنصار الانقلابيين في ميدان السبعين هو إصرارهم على التمترس خلف الخيارات الخاطئة والمدمرة للوحدة الوطنية، وإلى استمرار الانقلابيين في إعطاء الانطباع بأنه لا تزال لديهم الفرصة للمضي قدماً في المغامرة». ويردف أن «الذين تجمَّعوا في صنعاء يخدمون مشروعين سياسيين للاستئثار بالسلطة؛ أحدهما عائلي يمثله صالح، والآخر إمامي يمثله الحوثيون وإيران، والمشروعان لا يتعايشان رغم التقائهما ذي الطابع الانتهازي في هذه المرحلة حول مشروع الانقلاب». ويؤكد التميمي أن «أكثر من 6 ملايين إنسان خرجوا للتصويت للرئيس عبد ربه منصور هادي في 21 فبراير (شباط) 2012، وكان ذلك استفتاء على طي حقبة صالح السيئة، ولكن الانقلابيين واصلوا الاستيلاء على مقدرات الدولة المالية والعسكرية واستخدامها في تجاوز خيارات الشعب اليمني وإعادة العجلة إلى الوراء».
في سياق متصل، وبينما لا يزال الاقتتال دائراً في جبهات متفرقة في اليمن، التي غدت وشيكة من حافة الفقر والمجاعة في ظل تزايد المخاوف والتحذيرات الأممية والإقليمية من ذلك، يشهد الوضع الصحي والطبي في البلاد، تراجعاً مخيفاً جراء التدمير الذي طال بعض منشآته وتدخلات ميليشيات صالح والحوثي الانقلابية في عمل هذا القطاع، فهيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء، التي تُعدّ من أكبر المنشآت الطبية في البلاد، طالتها أيادي الميليشيات، لتغدو شبيهة بمثيلاتها من منشآت تعرضت لقصف وتدمير في محافظة تعز التي أدت معاركها المستمرة إلى تشريد قرابة 48 ألف شخص خلال الأسابيع الستة الأخيرة، بحسب ما قالته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر ناطقها الرسمي، قبل أيام.
وخلال اليومين الماضيين قامت إدارة مستشفى الثورة المعينة من قبل الميليشيات، بفرض تسعيرة جديدة ورسوم الخدمات المجانية التي يقدمها المستشفى للمرضى، الأمر الذي يعد انتهاكاً ومخالفة صريحة لقانون الطوارئ العام عالمياً. وقال توفيق الزيادي وهو أحد موظفي المستشفى، إن هذه الرسوم والمبالغ المالية تزيد من معاناة المرضى كونها مجانية حتى في المستشفيات الخاصة. وأضاف الزيادي لـ«الشرق الأوسط» أن هنالك رسوماً إضافية لخدمات أخرى تجاوزت 200 في المائة عن رسوم محدده سابقاً، كما فرضت زيادة على «دكاترة البورد» المتعاونين مع المستشفى.
وتحاول الميليشيات بكل ما أوتِيَت من أساليب، ثني منتسبي المستشفى للتراجع عن قرار الإضراب الشامل الذي يشهده المستشفى، ومنها الاختطافات والمضايقات. ويضيف الزيادي أن بعض المضربين من كوادر المستشفى تعرضوا للاختطافات والتعذيب من قبل الميليشيات، وآخرها ما تعرض له زميله قيس الفائق.
ومطلع الشهر الحالي حاولت الميليشيات تفريق المضربين في حرم المستشفى باستجلاب أطقم عسكرية وكلاب بوليسية وشرطة نسائية للاعتداء على المضربات من الطبيبات والعاملات في المستشفى ذاتها، وفقا لما قاله الزيادي. وقامت الميليشيات خلال الفترة الماضية بفصل الفائق من وظيفته في المستشفى، فيما أحالت البعض لنيابة الأموال العامة وتلفيق تهم كيدية بحقهم بصورة يصفها موظفو المستشفى بـ«الإرهاب في حقهم».
أما في محافظة أب وسط البلاد، فالقطاع الطبي لا يختلف كثيراً عما هو حاصل في محافظة صنعاء، فيعاني مستشفى الثورة العام من نقص في المحاليل الطبية، خصوصاً في قسم الغسل الكلوي، بحسب ما يقوله أطباء في المستشفى.
وتتدخل الميليشيات بشكل كبير في عمل القطاع في المحافظة، وكان آخر ذلك التدخل في عمل منظمة «أطباء بلا حدود» في المستشفى.
وفي اليومين الماضيين، أعلنت «منظمة أطباء بلا حدود»، إيقاف برامجها في مستشفى الثورة العام في إب جراء التدخلات من قبل الميليشيات وعجزها عن القيام بنشاطاتها باستقلالية وحيادية. وقالت المنظمة الأممية إن مغادرتها المحافظة لن تكون بشكل فوري، وإنما تدريجية على مدى ثلاثة أشهر.
وبالنسبة لمستشفى بيحان في محافظة شبوة النفطية، قال الناشط محمد الشيخ لـ«الشرق الأوسط» إن مستشفى المديرية يستغيث منذ 15 يوماً على الأقل، ويعاني من انعدام المحاليل الطبية وأسطوانات الأكسجين، جراء الحصار الخانق على المديرية.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.