الـ«كيتشدي»... كشري الهنود

دائماً كان طبق الـ«كيتشدي» أو المجدرة (العصيدة) من الأصناف الشهيرة التي تبعث على الراحة في الهند والعالم العربي. إنه طبق متنوع، حيث يمكن أن يكون رقيقاً أو قاسياً بحسب رغبتك، ويمكن كذلك تناوله دون إضافات، ومع الكثير من الإضافات، وكوجبة واحدة تجمع بين الكربوهيدرات، والبروتين، أو كمعجون مكثف يناسب الملوك مثلما يناسب الضيوف.
التاريخ
لكن هل تعرف تاريخ هذا الطبق الجميل؟
نعلم أن اليونانيين، الذي جاءوا إلى الهند مع الإسكندر الأكبر، قد لاحظوا حب سكان جنوب آسيا للأرز وما يضاف إليه من مكونات أخرى تطهى معه. وذكر سفير سليوكاس اليوناني أن الأرز بما يضاف إليه من مكونات يحظى بشعبية كبيرة بين سكان جنوب آسيا. وقد كتب الرحالة المغربي ابن بطوطة، الذي زار الهند خلال القرن الرابع عشر،: «يتم غلي عشبة الماش مع الأرز والفول الأخضر، الذي يتم خلطه معاً، وتناوله. هذا ما كانوا يدعونه كشري، ويتناولونه على الإفطار يومياً».
وجاء الرحالة الفرنسي جان باتيست، خلال القرن السابع عشر، إلى الهند 6 مرات، ولاحظ أنه يتم إعداد الـ«كيتشدي» بالعدس الأخضر، والأرز، والسمن (دسم)، ووصفه بأنه وجبة الفلاحين في المساء. نقل المغول هذه الوجبة المتواضعة من الشوارع، وجعلوها تلقى إقبالاً من أفراد العائلات الملكية. خلال فترة حكم المغول، شهد طبق الـ«كيتشدي» الكثير من التحولات بإضافة البهارات القوية، والفواكه المجففة، والمكسرات. في وثيقة «عين الأكبري»، التي تعود إلى القرن السادس عشر، ذكر أبو الفضل نحو 7 أنواع من الـ«كيتشدي». وهناك ما يشير إلى تعلق أكبر بالـ«كيتشدي»، الذي يتم إعداده بمقادير متساوية من الأرز، والعدس، والدسم على حد قول سهيل هاشمي، المؤرخ المقيم في دلهي. ويشير كيه تي أتشايا، في كتابه «قصة طعامنا»، إلى أن الطبق المفضل لجهانكير كان طبق الـ«لازيزان» الغني بالدسم، والفستق، والزبيب، والبهارات.
بطبيعة الحال لم تقتصر مثل هذه التجارب الوافرة الكثيرة مع الـ«كيتشدي» على المطبخ المغولي؛ ففي مطابخ الولايات المختلفة في جميع أنحاء البلاد، حظي هذا الطبق المتواضع بمكانة متميزة كانت عادة ما تحظى بها أصناف مثل البولاو، والبرياني باللحم. بعد إضافة مكونات فاخرة مثل البهارات ذات الرائحة العطرة، والزعفران، والفواكه المجففة، والمكسرات، والكريمة الطازجة، وبالطبع أنواع اللحم، والخضراوات الموسمية المختلفة، أصبح الـ«كيتشدي» من الأكلات الملكية. وكانت من أشكال الطبق الفاخرة، التي تم إعدادها في مطبخ قصر نصر الدين شاه، الملك السابق لولاية أود، على أيدي طهاة الأسرة المالكة على نار هادئة من اللوز، والفستق فقط، وتم ترتيب مقاديرها بحرص بحيث تتساوى كمية حبوب الأرز مع العدس، مع كمية متساوية، أو متضاعفة من الدسم.
وأشار أفاناسي نيكيتين، المغامر الروسي الذي سافر إلى الهند، إلى أن الإمبراطور المغولي جهانكير يحب الـ«كيتشدي». حتى الإمبراطور أورنكزيب كان محباً لهذا الطبق، خاصة الـ«كيتشدي ألماغيري» الذي كان يتم إعداده بلمسة إنجليزية مختلفة تدخل السمك والبيض إلى الطبق. وهناك اعتقاد سائد بأن هذا الطبق قد وصل إلى المملكة المتحدة على أيدي المستعمرين البريطانيين العائدين، الذين استمتعوا به في الهند، وجلبوه إلى المملكة المتحدة ليكون طبقاً يتم تناوله على الإفطار في العصر الفيكتوري كجزء من المطبخ الهندي - الإنجليزي الذي كان رائجاً آنذاك.
تمت إضافة الطبق عام 1790 إلى كتاب وصفات ستيفانا مالكولم من بيرنفوت، في دامفرايشاير.
ويشير الكتاب الوطني لاسكوتلندا، المطبخ الاسكوتلندي لكريستوفر تروتر، إلى أن وصفة مالكولم وغيرها من الأمثلة القديمة، تعبر عن الاعتقاد في أن ذلك الطبق قد ابتكرته أفواج الاسكوتلنديين المتشوقين لمذاقات الهند، حين جاءوا إلى الهند في القرن التاسع عشر، وبات منتشراً في الجزء الذي يعيشون فيه من العالم. مع توافر سمك القديد المدخن الاسكوتلندي في إنجلترا أصبح الطبق جزءا من الكثير من وصفات الـ«كديغري» (طعام الإفطار المكون من الأرز والسمك والبيض والكاري).
والـ«كديغري»، أي كانت طريقة إعداده، هو طبق متوازن غني بالمواد المغذية، ويجمع بين المذاق المدخن والحار.
الفوائد الصحية لطبق الـ«كيتشدي»
يعد الـ«كيتشدي» من الوجبات التي تتمتع بفوائد صحية كبيرة في طب الأيورفيدا. بحسب فاسانت لاد، المؤلف الأميركي، والمتخصص في طب الأيورفيدا، في كتابه «الكتاب الكامل لعلاجات الأيورفيدا المنزلية»، سوف يساعد صيام الـ«كيتشدي» لمدة 5 أيام باستخدام الـ«كيتشدي» دون إضافات إلا بعض أوراق الكزبرة المقطعة، في تنظيف الجسم من السموم، وفي تقوية الذاكرة.
ويعد الـ«كيتشدي» من الأطعمة المستخدمة في نظام علاج «بانشاكرمة» (وهو أقوى علاج لتنظيف السموم في طب الأيورفيدا). إذا كنت تتساءل عن استخدام الأرز الأبيض كجزء من هذا الخليط؟ أثناء عملية التنظيف، يتباطأ معدل التمثيل الغذائي، وتتراجع القدرة على الهضم؛ لذا يجب أن يكون أي طعام يتم تناوله سهل الهضم. كذلك يحتاج المرء إلى قدر كافٍ من البروتين من أجل الحفاظ على استقرار مستوى السكر في الدم، وحرق الدهون، وهنا يأتي دور العدس.
يقول دكتور مانوج أهوجا، من مستشفى «فورتيس»: «الـ(كيتشدي) هو الوصفة المثالية المتوازنة من الكربوهيدرات، والبروتين، وذلك بفضل الأرز والعدس». كذلك يعد الفول الأخضر مصدراً مهماً للألياف، وفيتامين ج، والماغنيسيوم، والبوتاسيوم، والفسفور، والكالسيوم. إنه يحتوي على كل الأحماض الأمينية العشرة الأساسية، مما يجعله مصدراً متكاملاً للبروتين. ويقول دكتور أهوجا: «إذا كنت تتناول «كيتشدي» مع الزبد سوف تحصل على القدر المناسب من المواد المغذية، والكربوهيدرات المركبة، والفيتامينات، والدهون». كذلك يمكن إضافة خضراوات من أجل إضافة المزيد من الألياف، والفيتامينات، والمعادن.
ويقول أنشول جايبارات، اختصاصي التغذية المقيم في دلهي، إن «هذا الطبق يصبح وجبة متكاملة حين يتم تناوله مع اللبن الرائب. ويساعد الـ(كيتشدي) في تسهيل عملية الهضم، والامتصاص، لذا يوصي به الأطباء أثناء المرض من أجل التعافي سريعاً. كذلك يساعد في علاج جدران الأمعاء».
ويعد الـ«كيتشدي» أول طعام صلب يتم تقديمه للأطفال في الهند. يمكن للذين يعانون من حساسية تجاه الغلوتين، أو الداء الباطني، أو يرغبون في تناول طعام خالٍ من الغلوتين، تناول الـ«كيتشدي» حيث يحتوي على ما يكفي من المواد المغذية، ويظل خفيفاً على المعدة في الوقت ذاته.
نكهات محلية
يتكون الكشري بالأساس من الأرز والعدس المطهي بالدسم والبهارات؛ وله نكهات متعددة تختلف من ولاية لأخرى؛ ففي شرق الهند، تتم إضافة إليه بذور الكمون، وبهارات مثل القرفة، والهيل، والقرنفل، وأوراق الغار. وتحتوي بعض الوصفات على قليل من الأنجدان، ويضاف إلى الكشري أحياناً الزنجبيل، والفلفل الأخضر، ومجموعة من البهارات المطحون مثل الكركم، والكمون، ومكسرات الكاجو، والزبيب أحياناً، مع إضافة كمية وفيرة من الدسم.
هناك أيضاً الـ«كيتشدي» الحلو برائحة الهيل، الذي يتم إعداده من الأرز، والفول الأخضر، وجوز الهند المبشور، والفواكه المجففة، والمكسرات، وكمية كبيرة من الدسم؛ وهو من الأصناف المميزة في غرب الهند. ويفخر مطبخ غوجارات بتقديم بعض الأنواع اللذيذة من الـ«كيتشدي». هناك الـ«رام كيتشدي» المضاف إليه البهارات، والخضراوات المتنوعة مثل القنبيط، والباذنجان، والبازلاء، والبقول. في عائلات داوود بوهرا المسلمة، يتم تقديم الـ«كيم كي كيتشدي» إلى جانب طبق من اللحم اللذيذ، ومرقة اللبن التي يطلق عليها «كوردي».
أما في ولاية راجستان المجاورة، حيث يندر الأرز، يتم إعداد طبق الـ«كيتشدي» بالبهارات، والذرة البيضاء، والعدس، ويحظى بشهرة كبيرة. تقول ديفيا سود قريشي: «الباليا طبق فريد من منطقة كانغرا في هيماتشال براديش، وهو شكل من الـ(كيتشدي) المعدّ من الأرز، وحمص البنغال». وتتم إضافة بعض الهيل والحلبة الخضراء، والكمون، إلى طبق الـ«باليا» المطهي في الحليب الرائب، وهو ما يمنحه المذاق اللاذع المميز. وفيما يلي بعض الوصفات الشهيرة.
ماسالا «كيتشدي»
أضف الزنجبيل، والثوم المبشور مع الفلفل الأحمر المجفف، وأعواد القرفة لتحصل على طبق الـ«كيتشدي» المعزز بنكهة قوية من البهارات.
الطريقة: اغسل الأرز والفول الأخضر. أحضر طنجرة ضغط، وأضف الأرز، والفول، والبطاطس، والملح، والكركم، والزبد، إلى ثلاثة أكواب من الماء. أحكم إغلاق الغطاء وقم بطهي الطعام على نار درجتها مرتفعة. بعد ما يبدأ البخار في الخروج من الطنجرة، قم بتهدئة النار لتصبح متوسطة الدرجة، واستمر في الطهي لمدة 4 دقائق. أطفئ النار، وارفع غطاء الطنجرة، وقمّ بالتقليب جيداً، حتى يصبح للمزيج قوام ناعم مهروس. أحضر مقلاة، وسخّن بها الزبد، ثم أضف بعض بذور الكمون، والخردل الأسود، والأنجدان، ثم أضف الطماطم، والفلفل الأخضر، والزنجبيل، والملح، والفلفل الأحمر، ثم قم بالتقليب. قم بطهي المكونات إلى أن تصبح الطماطم لينة. قم بخفض درجة النار، وأضف الكزبرة، وبهار الغارام ماسالا، ثم أضف بعد ذلك الأرز، واخلطه برفق مع باقي المكونات، ثم أضف الماء الساخن ببطء كلما دعا الأمر إلى ذلك. ينبغي أن يكون قوام الـ«كيتشدي» مثل العجين اللينة، ويتم تقديم الطبق ساخناً، إلى جانب المخلل والزبادي، وخبز البابدام.
البوني كشري
إنه نسخة أكثر ثراء من طبق الـ«كيتشدي» البسيط، وقد تمت تسمية هذا الطبق بهذا الاسم من (البونا) أو الفول الأخضر المحمص الذي تتم إضافته إليه. إلى جانب الفول الأخضر تتم إضافة الزبيب، والكاجو، والدسم، من أجل جعل هذا الطبق مميزاً.
طريقة الإعداد: قم بتسخين ملعقة كبيرة من الدسم في طنجرة ضغط، ثم أضف الزيت مع أوراق الغار، والهيل الأخضر، والقرنفل، وأعواد القرفة، والفلفل الأحمر الجاف. عندما تبدأ البهارات في إصدار صوت، أضف ملعقتين كبيرتين من البصل المقطع جيداً، ثم قم بقلي البصل إلى أن تصبح أطرافه بنية اللون. أضف ملعقة كبيرة من معجون الزنجبيل، والثوم، وقمّ بقليه لمدة دقيقة، ثم أضف معجون الطماطم إلى الخليط. استمر في القلق إلى أن يتم طهي الطماطم جيداً، ويمكن إضافة البازلاء، والجزر، والبطاطس، والقنبيط، إلخ. استمر في القلي لمدة دقيقتين، ثم أضف الفول الأخضر المحمص، وبعده الأرز. أضف مسحوق الكركم، والبهارات الجافة، ثم أضف الزبيب، واستمر في القلي لدقائق أخرى. أضف أربعة أكواب من الماء الدافئ، والملح ونحو نصف ملعقة كبيرة من السكر. اخلط كل المكونات معاً، ثم أضف ملعقة كبيرة من الدسم؛ ثم ضع الغطاء على طنجرة الضغط، واستمر في الطهي لمدة أربع دقائق عند درجة ضغط كاملة. وعندما تكشف الغطاء، أضف ملعقة كبيرة من الدسم إذا كنت ترغب في ذلك. أضف الكاجو المحمص ثم غطِ الطنجرة. يتم تقديم الطبق إلى جانب خبز الباباد، وصوص التشوتني، وسمك الهيلسا المقلي، أو بهاجا أو أي طبق من اللحم.
الـ«كيتشدي» بالحبوب المتنوعة
إذا كنت من المهتمين بالصحة، فهذا النوع من الـ«كيتشدي» هو الذي تحتاجه؛ فهو غني بالألياف، والبروتينات، والفيتامينات، والمعادن الأساسية. ويعد طبق الـ«كيتشدي» من الأصناف التي تقوي جهاز المناعة.طريقة الإعداد: أرز أبيض مسلوق، وأرز بني، وأرهار دال، والفول الأسود. اغسل كل كمية الأرز، والعدس واغمرهما في الماء لمدة 30 دقيقة. سخّن الأرز في إناء، ثم أضف بذور الكمون. عندما تبدأ البذور في إصدار صوت، أضف الثوم، واتركها لدقيقتين إلى أن يبدأ لون الثوم في التحول إلى البني. أضف بعد ذلك البصل، والفلفل الأخضر، والكركم، والأنجدان والملح، واخلطهم جيداً معاً، ثم أضف الأرز والعدس مع الماء الذي كانوا مغمورين به. استمر في الطهي إلى أن يغلي الماء، ثم أضف براعم الفول الأخضر، ومسحوق بذور الشمر، والملح، والفلفل، والماء. اخلط المكونات جيداً ثم استمر في الطهي مع وضع الغطاء لمدة 10 دقائق، أو إلى أن ينضج الأرز والعدس. زين الطبق بأوراق الكزبرة الطازجة، وقم بتقديمه مع المخلل الذي تختاره.
«كيتشدي» حيدر آباد
كان هذا الطبق من الأطباق التقليدية في مطبخ نظام الملك في حيدر آباد، ولا يزال من الأصناف التي يتم تقديمها كجزء من وجبة الإفطار في حيدر آباد. كذلك يتم تقديمه في المطاعم، ويحرص محبو الطعام، الذين يزورون حيدر آباد، على تناول هذا الطبق الصحي، والذي يبعث على الراحة في الوقت ذاته.
طريقة الإعداد: اغسل الأرز جيداً وضعه جانبا. اغمس الفول الأخضر لمدة 15 دقيقة. قم بتسخين الزيت في طنجرة ضغط، أو أي إناء عميق. ضع على النار الهيل الأخضر، والقرنفل، والقرفة، وبذور الكمون، والفلفل الأحمر الجاف، والكاجو، وأوراق الغار، لمدة نصف دقيقة. وأضف بعد ذلك البصل المقطع، والفلفل الأخضر، ومسحوق الكركم، وقم بقليهم جيداً. أضف الملح، واستمر في الطهي لمدة دقيقتين على نار هادئة. أضف الفول، والأرز إلى الخليط، ثم أضف الماء، واتركه ليغلي إلى أن ينضج الأرز.