{المؤتمر الشعبي} يختار علي الحاج خليفة للترابي

الأمين العام الجديد: لسنا طلاب سلطة وكراسي

{المؤتمر الشعبي} يختار علي الحاج خليفة للترابي
TT

{المؤتمر الشعبي} يختار علي الحاج خليفة للترابي

{المؤتمر الشعبي} يختار علي الحاج خليفة للترابي

حسم حزب المؤتمر الشعبي السوداني أمر خلافة زعيمه ومؤسسه الراحل حسن الترابي، بعد أن اختار علي الحاج محمد أميناً عاماً جديداً، خلال المؤتمر العام الذي عقد بالخرطوم، منهياً بذلك تكليف إبراهيم السنوسي بالمهمة بعد الرحيل المفاجئ للترابي.
وانشق حزب المؤتمر الشعبي عن الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني»، فيما عرف بـ«مفاصلة الإسلاميين» 1999 بزعامة الترابي، وانتقل إلى صفوف المعارضة، بيد أنه اقترب مجدداً من الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس عمر البشير، عقب الإطاحة بحكم الإسلاميين في مصر بقيادة محمد مرسي، وشارك بفعالية في الحوار الذي دعا له الرئيس البشير، ويتوقع أن يحصل على مناصب مهمة في الحكومة.
وحسم المؤتمر العام للحزب الذي عقد بالخرطوم خلال اليومين الماضيين، جدلاً عنيفاً وصراعات حول موقفه من المشاركة في السلطة ومنصب الأمين العام، واختار بأغلبية مطلقة علي الحاج محمد أميناً عاماً، بعد انسحاب السنوسي من الترشح أمامه.
وكلف المؤتمر العام للحزب الأمانة العامة الجديدة البت في مسألة المشاركة في السلطة، مع إقرار مبدأ الحوار مع الحزب الحاكم، وأعلن تمسكه بالحريات العامة والحكم الرشيد، ودعا للتسامي فوق الخلافات ومرارات الماضي، وتغليب ما سماه مصالح الوطن العليا على المصالح الحزبية، لبناء مستقبل آمن ومستقر.
وأكد الأمين العام فور انتخابه، أن حزبه ليس طالب سلطة ولا يقايضها بالحريات، وأنهم متمسكون بالحريات والحكم الاتحادي وإصلاح معاش الناس، بقوله: «نحن لسنا طلاب سلطة ولا نزايد بالحريات»، داعيا إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني السوداني. كما دعا الحاج أعضاء حزبه للتمسك بعفة اللسان وعرض أفكارهم بالحسنى، بقوله: «يجب أن نكون عفيفي اللسان لنحسن عرض بضاعتنا الغالية على الناس... أنا ضعيف وأحتاج إليكم وإلى دعمكم جميعاً، وجبهتنا الداخلية موحدة».
ونفى الحاج تقارير تداولها البعض قبيل عقد المؤتمر، عن صفقة يحصل بموجبها على منصب الأمين العام، مقابل حصول الأمين العام المكلف إبراهيم السنوسي على منصب كبير في حكومة الوفاق الوطني المزمع الإعلان عنها قريباً. وقال بهذا الخصوص: «البعض يروج أن تنازل السنوسي لي صفقة، هذا كلام غير صحيح، وأماني للبعض»، متعهداً بالالتزام بما سماه عهد وميثاق الحوار، وتابع موضحا أن «الحوار عهد وميثاق يجب أن يلتزموا به، ويجب أن يتنزل على الدستور، نعم به إشكالات ولكننا سنصبر»، وهي إشارة لخلافات بين حزبه والحزب الحاكم على مقترحات دستورية منسوبة لزعيم الحزب الراحل الترابي، رفض البرلمان تضمينها، واعتبر عدد من قادة الحزب وقواعده هذا الرفض نكوصاً عن الحوار الوطني.
وأوضح الحاج أن تكليف المؤتمر له بدراسة مدى الالتزام بتوصيات ومخرجات الحوار الوطني، يجعل منها عاملاً أساسياً يتم على ضوئه الاختيار بين مشاركة حزبه في الحكومة المقبلة أو عدم المشاركة فيها، وقال في هذا السياق، إن «كتالوج المشاركة هو المخرجات وتنفيذها».
كما أجاز المؤتمرون طروحة الترابي المعروفة بـ«المنظومة الخالفة المتجددة»، ودعا الحزب إلى إعمار الصلات مع جنوب السودان ومواصلة الاتصال بالقوى السياسية والمجتمعية لتوسيع صف المنظومة الخالفة، وتوحيد وتنسيق الرؤى حول إصلاح أزمة السودان، والعمل على إلحاق الممانعين بعملية السلام.
ويتداول أعضاء الحزب طروحة «المنظومة الخالفة المتجددة»، التي وضعها الترابي قبل رحيله، ويحافظون على سريتها، على الرغم من قولهم إنها أطروحة فكرية تسعى لتوحيد القوى السياسية على أسس جديدة، لكن حتى المؤتمر لم يمط اللثام عن الغموض المحيط بالطروحة، بل أوصى بالإبقاء عليها سرية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.