اشتداد ضغوط واشنطن على «حزب الله» وبيئته المالية

تضاعفت بعد وصول ترمب وزيادة خطواته لاحتواء التمدد الإيراني في المنطقة

اشتداد ضغوط واشنطن على «حزب الله» وبيئته المالية
TT

اشتداد ضغوط واشنطن على «حزب الله» وبيئته المالية

اشتداد ضغوط واشنطن على «حزب الله» وبيئته المالية

عززت الاتهامات التي وجهتها محكمة أميركية أول من أمس الجمعة إلى قاسم تاج الدين، أحد رجال الأعمال اللبنانيين المقرّبين من «حزب الله»، بمحاولته التهرب من عقوبات تستهدفه، مسار الضغوطات الأميركية على «حزب الله» اللبناني وبيئته المالية. وجاء ذلك في توقيت تختلف التوصيفات حوله بين كونه استكمالاً لمسار قديم يُنفذ بوتيرة أسرع، أو سياسة أميركية جديدة تشكل قطيعة مع سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لجهة احتواء التمدد الإيراني في المنطقة.
الضغوط الأميركية المتزايدة تتخطى عملياً قضية «حزب الله»، إذ تبدو «رسائل» تطال الحكومة اللبنانية التي يتمثل الحزب فيها بوزيرين، إضافة إلى الكيانات الخاصة التي تربطها علاقة بالحزب. وتمثلت هذه الضغوط خلال اليومين السابقين بمحاكمة تاج الدين، وتغريم الجامعة الأميركية في بيروت - أعرق جامعات لبنان - على ضوء اتهامات لها بمساعدة ثلاث منظمات متصلة بالحزب.
تاج الدين، متهم بأنه مساهم مالي مهم لـ«حزب الله». وبعد توقيفه في المغرب يوم 12 من مارس (آذار) الحالي بناء على طلب السلطات الأميركية، وطرده إلى الولايات المتحدة، وجهت إليه محكمة اتحادية في واشنطن الاتهام، بعد نحو ثماني سنوات من إدراجه على اللائحة السوداء الأميركية «للإرهابيين»، لجمعه عشرات الملايين من الدولارات لصالح «حزب الله». وهو متهم خصوصا بانتهاك العقوبات الأميركية ضد الجماعات «الإرهابية» وبغسل الأموال.
وفي هذا السياق أوضح نائب وزير العدل الأميركي كينيث بلانكو في بيان أنه «بسبب دعمه لـ(حزب الله)، وهو منظمة إرهابية دولية كبرى، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على قاسم تاج الدين في عام 2009 حظرت (عليه) التعامل مع الأميركيين أو الشركات الأميركية». وللعلم، فإن القرار الذي صدر الجمعة لا يتهم تاج الدين بتقديم دعم مالي في الآونة الأخيرة لـ«حزب الله»، بل بإعادة هيكلة أعماله بعد عام 2009 من أجل التهرّب من العقوبات ومواصلة التجارة مع الشركات الأميركية. وعلى الرغم من أن تاج الدين، الذي يعمل بتجارة المواد الخام في الشرق الأوسط وأفريقيا واعتبر «مساهماً مالياً مهماً» لمنظمة «إرهابية»، وتم استهدافه بعقوبات أميركية في مايو (أيار) 2009، ينفي قاسم قصير، الباحث السياسي القريب من بيئة «حزب الله»، أن يكون تاج الدين له «أي علاقة بالحزب»، قائلا إن تاج الدين «تاجر شيعي كان مستهدفاً في أفريقيا من قبل اللوبي الإسرائيلي قبل سنوات، وكان يعمل في أنغولا قبل أن يصفّي أعماله وينتقل للاستثمار في لبنان»، ويدعي أنه «ليس من ضمن البيئة اللبنانية العامة القريبة من الحزب».
وبينما وضع قصير في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قضية توقيف تاج الدين ضمن سياق «استكمال الأميركيين خطوات التضييق على بيئة الحزب»، في إشارة إلى الشيعة اللبنانيين، قال مدير مركز «أمم للأبحاث» لقمان سليم، وهو معارض للحزب في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن الضغوط التي تمارسها واشنطن «تندرج في سياق سياسة أميركية جديدة تشكل قطيعة مع إدارة باراك أوباما على المستوى المجهري اللبناني، وعلى مستوى تعزيز العلاقة الأميركية مع دول مجلس التعاون الخليجي وتشخيصها بأن إيران تمثل خطراً أساسياً في المنطقة على الأمن الإقليمي». وتابع سليم: «يجب أن نضع الضغوط الأميركية في إطارها الأعم، لكونها تأتي في ظل وضع عام ضاغط على إيران». ولفت إلى أنه هناك على المستوى اللبناني المحلي «استياء في الأروقة الدولية من الكلام الرسمي اللبناني الذي يتحدث عن أن المقاومة أقوى من الجيش»، في إشارة إلى تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون حول سلاح «حزب الله».
من جهة ثانية، يترافق توجيه الاتهام لتاج الدين في القضاء الأميركي، مع أنباء نشرها موقع «ليبانون ديبايت» الإلكتروني، تتحدث عن أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أُخبر من الإدارة الأميركية أنّها بصدد الإعداد لعقوبات ماليّة جديدة تستهدف شخصيات وشركات متّهمة بدعم «حزب الل»ه.
وحول هذا الأمر قال سليم: «اللبنانيون مصابون بالتوحّد، لكونهم ينظرون إلى سياسات العالم كما يريدون هم، وليس كما هي»، مضيفاً أنه «اليوم هناك اتفاق شامل لاحتواء التمدد الإيراني ونفوذه في المنطقة، فإذا كان اللبنانيون يريدون أن يضعوا أنفسهم تحت المظلة الإيرانية، فإنهم سيكونون عرضة لضغوط كثيرة ستطالهم على المستوى المالي أو السياسي ومستويات أخرى».
هنا يتفق قصير مع سليم على أن الأمر متصل برسائل تتعدى إطار «حزب الله» وصولاً إلى مستوى الدولة اللبنانية، ويرى أن تلك الضغوط «نوع من الحجج لتوجيه رسائل وزيادة الضغط على لبنان»، لكنه يعتبرها «غير مقبولة بالمقياس اللبناني». ويجادل: «الحزب متمثل في الحكومة اللبنانية بوزيرين، فهل سيتوقف التعامل مع تلك الوزارات؟» مذكراً بخصوصية معينة يتمتع بها لبنان. ختاماً، تبدو الضغوط الأميركية المتزايدة والمتسارعة، كما يرى كثيرون، نتيجة موقف أميركي حاسم من العلاقة مع إيران، تبلور بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السلطة، لكن قصير يراها «استكمالاً للسياسة الأميركية القديمة تجاه الحزب، ولو أنه ظهر بمستويات أكبر بعد وصول ترامب»، متوقعاً أن تتضاعف الضغوط في عهد الإدارة الأميركية الحالية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.