هل يحافظ القطن على مكانته محصولاً استراتيجياً لسوريا؟

دراسة تبحث عن أهم المحاصيل البديلة في سوريا المستقبل

مزرعة للقطن في حلب بسوريا (غيتي)
مزرعة للقطن في حلب بسوريا (غيتي)
TT

هل يحافظ القطن على مكانته محصولاً استراتيجياً لسوريا؟

مزرعة للقطن في حلب بسوريا (غيتي)
مزرعة للقطن في حلب بسوريا (غيتي)

أصدرت مجموعة عمل اقتصاد سوريا تقريرا زراعيا جديدا من إعداد الخبير الزراعي والأكاديمي، الدكتور عبد العزيز ديوب، بعنوان «زراعة القطن والزراعات البديلة في سوريا»، حيث أكد الدكتور ديوب أهمية القطن الذي يعتبر من الزراعات الاستراتيجية في سوريا. واستعرض التقرير زراعة القطن وتسويقه وصناعته وواقع إنتاجه بعد الثورة.
وقدّم للتقرير الدكتور أسامة قاضي، رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، حيث أورد بالأرقام والنسب إنتاج القطن في سوريا، وقال إن حصة القطن من الصادرات الزراعية السورية انخفضت من 14 في المائة إلى اثنين في المائة ما بين 2005 و2012، رغم أن قيمة الوحدة بلغت أعلى مستوياتها عام 2010 - 2012، وأن الحكومات السورية المتعاقبة كانت تعد القطن زراعة استراتيجية رغم أنه يحتاج إلى كميات مياه هائلة أكثر من أي زراعة أخرى، ثم تساءل: أليست هناك زراعات بديلة تساهم بشكل أكبر وأكثر رشادة في ناتج الدخل القومي أكثر من القطن، خصوصا لو أخذنا بعين الاعتبار حجم المياه الهائلة التي يستهلكها القطن دونا عن باقي الزراعات؟
وتكمن أهمية المعلومات الواردة في التقرير أنها تبحث في الخريطة الزراعية لسوريا المستقبل التي تبحث بجرأة عن صحة اعتبار القطن زراعة استراتيجية، كما أنها تبحث في الزراعات البديلة التي على سوريا القادمة أن تركّز عليها أثناء وضعها لأسس الخريطة الزراعية لسوريا المستقبل، وتحاول أن تجد سبيلا لترشيد زراعة القطن السوري.
وتضمن التقرير إلى جانب زراعة القطن، الزراعات البديلة الممكنة عوضا عنه. كما وضع التقرير عدة توصيات يجب إدراجها ضمن الخريطة الزراعية السورية ولمستقبل الزراعة في سوريا.
ويطرح التقرير سؤالا أساسيا، لماذا نعتبر القطن زراعة استراتيجية؟ فرغم أن مساحة الأراضي المزروعة من القطن في سوريا وصلت لنحو 234 ألف هكتار، فإن نسبة إنتاج القطن السوري من الإنتاج العالمي على مر السنين بالكاد تصل إلى واحد في العشرة آلاف (0.01 في المائة) من إنتاج العالم، حيث لم يصل إنتاج سوريا على سبيل المثال أكثر من 349 ألف طن عام 2004- 2005 (وصل عام 2000 إلى مليون طن) بينما كان إنتاج العالم 23 مليون طن.
ويعتبر القطن في سوريا من الزراعات المهمة التي لها تاريخ طويل ومهم في حياة السوريين من مزارعين وصناعيين، هذا ويعتبر القطن السوري من أجود أنواع القطن في العالم، وقد حاز على جوائز كثيرة، إضافة إلى احتلاله المركز الثاني عالميا من حيث الجودة، نظرا لحسن استخدامه في الصناعات النسيجية عالية الجودة من الجينز وغيرها، ومن المؤكد أن القطن يحتل مكانة مهمة وحيوية في البيئة الزراعية السورية، إضافة إلى أن نحو 20 في المائة من الأيدي العاملة السورية تعمل في زراعته وتصنيعه، كما أنه يُزرع على مساحات شاسعة تقدر بنحو مائتي ألف هكتار تنتج نحو 800 ألف طن سنويا.
وانعكست تداعيات تصدي النظام للثورة على الزراعة والأمن الغذائي كما هي حال كل مفاصل المجتمع، وفي مجال زراعة القطن تحديدا فقد انعكست عليها تأثيرات مهمة أصابت الإنتاج، حيث انخفض إلى الحد الأدنى، كما أن القصف الجوي والمدفعي وغيرهما تسبب بحرائق كبيرة، وعلى سبيل المثال احترق في عام 2015 أكثر من 50 ألف طن في محافظة الحسكة. وتشير بعض التقديرات إلى أن إنتاج القطن قد انخفض من نحو مليون طن في عام 2010 إلى 150 ألف طن في عام 2014، علما بأن معظم المحالج قد توقفت عن العمل، واحترقت مستودعاتها لذات الأسباب، إضافة إلى الحرائق المتعمدة، والمرتبطة بالفساد، وهناك كثير من المزارعين في منطقة الغاب وغيرها قد حُرِمَ من قطافِ محصوله بسبب القصف، أو التخوف منه.
وتناول التقرير بعض النباتات التي تجد أهمية كبيرة في الاقتصاد الزراعي مثل: الكمون، واليانسون، والُشمرة، وحبة السوداء، والزعفران، والكركم، والحلبة، ودوار الشمس، وغيرها، وذلك لتزايد الطلب عليها عالميا لاستخدامها في الصناعة الدوائية مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها. وأوصى التقرير بالاستعاضة عن زراعات القطن بهذه الزراعات، نظرا لمتطلبات القطن الزراعية والمائية والصناعية الكبيرة.
وفي نهاية التقرير أوصى الدكتور عبد العزيز ديوب باستمرار زراعة القطن، ولكن ضمن شروط محددة، أهمها توافر المقننات المائية والالتزام باستخدام الري بالتنقيط وتقليص المساحات المزروعة بالتناسب مع توفر معامل غزل الخيط بطاقة إنتاجية واستيعابية محددة.
كما شجّعت التوصيات المزارعين على القيام بزراعة النباتات البديلة ذات الجدوى الاقتصادية، التي تدرّ أرباحا حقيقية، خصوصا أن سوريا ومن خلال التنوع الحيوي، والميّزة النسبية فإنها تُعتبر ذات مخزون كبير جدا بنحو ألف نوع من النباتات الطبية والعطرية وجميعها تحقق ريعا كبيرا للمزارعين، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تسويقها والتزام المزارعين بالأسس الفنية لدى اقتلاعها حفاظا على بقاء أصولها الجذرية، خصوصا أن هذه النباتات المعروفة باسم الطبية والعطرية التي تشكل ثروة وطنية تساهم في الناتج الوطني، وكذلك الاقتصاد الوطني، حيث إن نباتات كثيرة ومهمة جدا في الصناعات الدوائية لا تُستثمر وتُدرَج في قائمة النباتات المهملة.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»