أصدر رئيس أكبر مصرف في الصين وكبرى الهيئات الرقابية التأمينية تحذيرا قويا يوم السبت الماضي حول مخاطر الأنشطة المصرفية في الظل على الاقتصاد الصيني، في آخر الدلائل على تصاعد حدة القلق لدى الإدارة العليا للحكومة الصينية بشأن الإقراض الذي تتزايد بشأنه التكهنات حول إجراءاته التنظيمية.
وتلعب الصيرفة والإقراض في الظل، الذي يحدث خارج القنوات المصرفية الرسمية في الصين، دورا كبيرا في الاقتصاد الصيني، حيث تتباطأ المصارف الكبيرة الخاضعة لسيطرة الحكومة في إجراءات إقراض الشركات الخاصة ورجال الأعمال. بيد أن الخبراء يشعرون بالقلق الكبير من أن يتحول الإقراض في الظل خارج المؤسسات الرسمية إلى قنابل اقتصادية موقوتة تهدد النظام المالي لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ولقد حذر يي هويمان، رئيس مجلس إدارة المصرف الصناعي والتجاري الصيني، وهو أكبر مصارف العالم من حيث حجم الأصول المملوكة، من انتشار ظاهرة محركات الاستثمار غير المنظمة، مثل منتجات إدارة الثروات. ويتم بيع منتجات إدارة الثروات في غالب الأحيان بواسطة المصارف وغير ذلك من المؤسسات المالية الصينية إلى المستثمرين الصينيين العاديين مع وعود بأسعار للفائدة هي أعلى بكثير مما تقدمه المصارف الرسمية على الودائع، ولكن الالتزامات غالبا ما تظل خارج الميزانية العمومية للمصرف.
وقال السيد هويمان في تحذيره: «لا يخضع الإقراض في الظل للرقابة أو التنظيم الكامل من قبل الدولة، أو أي إشراف رقابي على الإطلاق. علينا التركيز على ذلك الأمر. وإن لم نفعل، فسوف يعاني الاقتصاد الصيني الحقيقي كثيرا».
وقال تشين وينهوي، نائب رئيس مجلس إدارة لجنة الرقابة على التأمين الصينية، إن الهيئات الرقابية الصينية تحاول، على نحو خاص، تفهم التوسع السريع في منصات الإقراض عبر الإنترنت التي تجمع المبالغ المالية الضخمة من عامة الناس، والتي توفر العوائد الكبيرة وتقبل الحد الأدنى من المساهمات بما فيه الكفاية لإغراء واستمالة العمال العاديين، قد كشفت عن القليل للغاية من المعلومات عن كيفية استثمار الأموال التي تجمعها من مختلف فئات الشعب.
ويبدو أن الجمهور العام يضخ المزيد من المبالغ المالية الكبيرة في أدوات استثمارية جديدة على الرغم من ضآلة الإفصاح عن حقيقة هذه الأنشطة، كما قال السيد وينهوي، الذي أضاف: «إنهم يريدون الاستثمار فحسب. وليست لديهم فكرة عن نوع المنتج».
ولقد تحدث كل من السيد هويمان والسيد وينهوي أمام اجتماع عن التمويل الصيني في منتدى التنمية الصيني، وهو اجتماع سنوي يمتد لثلاثة أيام بدأ يوم السبت الماضي وتحضره نخبة كبيرة من خبراء الاقتصاد المعروفين على مستوى العالم بالإضافة إلى الكثير من كبار المسؤولين الحكوميين الصينيين وكبار رجال الأعمال.
لقد توسع الائتمان بصورة كبير في الاقتصاد الصيني، مع لجوء الحكومة إلى سياسة التحفيز الشديد لمنع الاقتصاد الوطني من مزيد من التباطؤ. ونما الاقتصاد الصيني بواقع 6.7 نقطة مئوية خلال العام الماضي وحده. ولكن لتحقيق هذا الهدف، سمحت الهيئات الرقابية المالية الصينية بتوسيع إجمالي الائتمان المعلق بما يعادل نحو 15 في المائة من الناتج السنوي للاقتصاد.
وجزء من هذا الاقتراض قد ذهب إلى سداد تكاليف الاستثمارات الهائلة في مشاريع البنية التحتية الجديدة، وخطوط السكك الحديدية فائقة السرعة، والمصانع الجديدة من تشييد الشركات المملوكة للحكومة.
ولكن يبدو أن الكثير من الإقراض أصبح يمثل موجة من التكهنات، التي غالبا ما تنطوي على المعاملات العقارية، والتي باتت تشكل مصدرا للقلق المتزايد لدى بعض المسؤولين الصينيين، والمصرفيين، وخبراء الاقتصاد. حيث قفزت أسعار العقارات في المدن الكبيرة والمتوسطة بنسبة 12 في المائة خلال 12 شهرا التي انتهت في فبراير (شباط) الماضي.
كما شهدت بعض أنواع الصيرفة في الظل نموا مذهلا كذلك، مثل القروض المتعهد بها. وهذا النوع من القروض ينتقل من شركة إلى أخرى، ويتم في غالب الأمر من خلال أحد المصارف بغرض الالتفاف على حظر الإقراض المباشر بين الشركات الصينية وبعضها البعض. وهذه القروض - التي تبقى أيضا خارج الدفاتر الرسمية للمصارف الصينية - قد ارتفعت بنسبة 20 في المائة خلال الـ12 شهرا التي انتهت في يناير (كانون الثاني) الماضي، وهي تمثل اليوم 9 نقاط مئوية من إجمالي الائتمان في الصين، وفقا إلى تقرير نشر الشهر الماضي من مؤسسة «ناتيكسيس» المالية الفرنسية المملوكة للدولة.
ويصر زعماء الحكومة الصينية على أنهم يدركون المخاطر المتعلقة بذلك الأمر ويؤكدون على مقدرتهم على السيطرة عليها. ويقولون إن التدابير مثل الدين الحكومي والعائلي باعتبارها نسبة مئوية من الناتج الاقتصادي لا تثير الانزعاج وفق المعايير الدولية، كما أن القروض السيئة باعتبارها نسبة مئوية من القروض المصرفية لم تبلغ المستويات المثيرة للقلق على الصعيد الحكومي.
وقال لي كيه تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني في المؤتمر الصحافي السنوي المنعقد يوم الأربعاء: «إننا ندرك تماما حجم المخاطر المحتملة، وسوف نتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة ذلك الأمر». ولكن تعليقات السيدين هويمان ووينهوي الصادرة يوم السبت أكدت على أن المخاوف في الصين تتمحور حول كيفية قيام المؤسسات المالية الصينية بجمع الأموال التي تقرضها فيما بعد - وما الذي يمكن أن يحدث إذا طالب المستثمرون على نحو مفاجئ باستعادة الكثير من هذه الأموال.
كما أن تصريحات السيد هويمان تشكل إلى حد ما انتقادا لاذعا غير معتاد لمنافسيه الأقل حجما. يعتبر المصرف الصناعي والتجاري الصيني أحد الأربعة المصارف الرئيسية الكبرى في البلاد والخاضعة لسيطرة الحكومة الصينية والتي تشكل ما يقرب من نصف النظام المصرفي في البلاد. وكل من المصارف الأربعة الكبار - وهي تشمل أيضا مصرف التعمير الصيني، وبنك أوف تشاينا، والبنك الزراعي الصيني - تملك الآلاف من الفروع التي تعمل على جمع الودائع، التي تعتبر المصدر المستقر للتمويل، على الرغم من أن المصارف تعمل أيضا على بيع منتجات إدارة الثروات.
وبسبب فقدان هذه القاعدة الكبيرة من الودائع فإن الكثير من المصارف الصينية الصغيرة تتجه إلى بيع منتجات إدارة الثروات. بسبب أن المصارف في المعتاد تحافظ على تلك الالتزامات خارج الدفاتر الرسمية، وتملك قدرا أكبر من المرونة لإقراض المزيد من مشروعات المضاربة وتستخدم العائدات في سداد الفوائد المرتفعة للمستثمرين - شريطة أن يسدد المقترضون المضاربون قروضهم. استهدف السيد هويمان كافة أنواع الإقراض المحفوفة بالمخاطر يوم السبت، إذ قال: «إذا لم نتعامل بصورة صحيحة مع الصيرفة في الظل، فإن المخاطر سوف تكون هائلة»، وأضاف أن النتيجة حتى الآن كانت ارتفاع القدرات المالية، والكثير من المشتقات، والكثير من المنتجات مع انعدام الشفافية.
* خدمة «نيويورك تايمز»
{ديون الظل» تهدد الاقتصاد الصيني
تسببت في تباطؤ نمو القطاع المصرفي الرسمي
{ديون الظل» تهدد الاقتصاد الصيني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة