مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري

«عازف» بيانو وأشهر «عازب» بين السياسيين في أوروبا

مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري
TT

مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري

مارك روته... رئيس وزراء هولندا قاهر اليمين العنصري

في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أصدرت الصحافية الهولندية شايلا سيتالسينغ كتاباً عن مارك روته، رئيس وزراء هولندا، وصفته فيه بأنه «ظاهرة». وتابعت الصحافية قائلة إنه «ذو شخصية سياسية مرحة، وغير قابل للتدمير، ويعمل من أجل هولندا جديدة، كما أنه يتمتع بمرونة مدهشة؛ إنه صورة مشرقة ليس لرئيس الحكومة الهولندية فحسب، بل لهولندا بشكل عام... هذا البلد الرائع جداً في القرن الحادي والعشرين».
قبل أيام، فاز حزب الشعب الليبرالي الهولندي (يمين الوسط)، بقيادة رئيس الوزراء الحالي مارك روته، بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في هولندا يوم 15 مارس (آذار) 2017، وكان المغزى الأساسي من فوز الليبراليين، مع أنهم لم يحصلوا على الغالبية المطلقة، هو أنهم منعوا انتصار حزب الحرية اليميني المتطرف، المعادي للمسلمين والمهاجرين، وزعيمه خيرت فيلدرز.
مع هذا، وهنا المفارقة، فإن كثيرين عزوا فوز روته وحزبه على اليمين المتطرف إلى أنه: أولاً تبنى بعض «خطاب» زعيم اليمين المتطرف حول الهجرة والمهاجرين، ولكن من دون الخوض صراحةً في موضوع معاداة الإسلام والمسلمين. وثانياً للمواجهة الدبلوماسية الحادة التي وقعت بينه وبين الحكومة التركية - والرئيس رجب طيب إردوغان تحديداً - عقب منع حكومة روته وزيرين تركيين من زيارة هولندا للمشاركة في تجمّعات سياسية نظمت لكسب تأييد الجالية التركية الهولندية لخطط الرئيس إردوغان حيال تعديل الدستور التركي، وتحويل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
ولكن ماذا عن مارك روته، الرجل والسياسي والزعيم الذي أدى نجاحه بالأمس إلى كبح مسيرة اليمين الشعبوي المتطرف في الدول الغربية نحو السلطة؟
مبدئياً، يمكن التعريف عن روته بأنه سياسي ومؤرّخ ومدرّس، وأيضاً... عازف بيانو. ثم إنه يُعدّ من الشخصيات السياسية الأوروبية المعروفة الأطول قامة، إذ يزيد طوله عن 190 سم. كذلك يعرف عنه أنه مثل معظم الهولنديين من هواة ركوب الدراجات الهوائية. وقبل الانتخابات الأخيرة، تداول عدد كبير من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«يوتيوب»، صور «موكب» رئيس الوزراء... الذي كان عبارة عن دراجة يقودها بمفرده، وكان في الوقت نفسه يرد على أسئلة الصحافيين على مقربة من مقر رئيس الحكومة.
مع هذا، ثمة من يقول إن مارك روته من الشخصيات السياسية الهولندية التي لا يتوافر كثير من المعلومات عن حياتها الخاصة. والرجل ما كان يوماً مثار جدل أو شائعات بسبب تصرفات شخصية. ولئن اختلف الهولنديون حول سياسته، أو اتفقوا، فلا خلاف إطلاقاً بينهم على أن ابتسامته التي لا تفارقه عند ظهوره في اللقاءات العامة، أو أمام وسائل الإعلام، لها تأثير إيجابي على الآخرين، وهي تقدمه بصورة الشخص الإيجابي المتفائل المتواضع الاجتماعي، حسب وجهات نظر كثرة من المراقبين.

الخطوات السياسية الأولى
وإبان فترة الدراسة الجامعية، أصبحت علاقة روته بالسياسة جدية، فشغل أثناء دراسته منصباً في قيادة التنظيم الشبابي لحزب الشعب الليبرالي، وترأس التنظيم من عام 1988 إلى عام 1991.
وفي أعقاب تخرجه، دخل روته عالم المال والأعمال، حيث عمل في الهرم الإداري ضمن مجموعة «يونيليفر» الصناعية العملاقة. وحتى عام 1997، عمل في قسم الموارد البشرية في المجموعة الهولندية البريطانية الضخمة، ولعب دوراً بارزاً في كثير من إعادة الهيكلة، بين عامي 1997 و2000.
بعد ذلك، شغل رئيس الوزراء (الأعزب) الذي يتبع الكنيسة البروتستانتية الهولندية، بين عامي 1993 و1997، مقعداً في القيادة الوطنية لحزب الشعب. ثم دخل البرلمان الأول نائباً عن الحزب في انتخابات عام 2003. وكان في العام السابق (2002) قد عين بمنصب نائب وزير مكلف بالعمل والضمان الاجتماعي.
وتسارعت مسيرة روته صعوداً في عالم السلطة، إذ أسند إليه عام 2004 منصب وزير الإعداد المهني والتعليم العالي. إلا أن المفصل الأهم في مسيرته السياسية جاء خلال سنتين، عندما انتخب عام 2006 زعيماً للحزب، ومن ثم في الانتخابات التي أجريت عام 2010، تمكن روته من قيادة حزبه إلى فوز كبير، إذ حصل على 31 مقعداً في مجلس النواب، ليغدو أكبر الأحزاب الممثلة في المجلس.
انتخابات 2010
خلال انتخابات 2010، قاد مارك روته حملة حزبه الانتخابية، عندما كانت آثار التقشف تهيمن على الاقتصاد الهولندي. ومع ذلك، كان يؤكد تكراراً أنه لا ينوي تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز. والواقع أن موقف روته في هذا الجانب كان واضحاً منذ البداية، إذ قال «نحن لا نستبعد أي طرف، ولا حتى أي حزب على الإطلاق، ولكن في الوقت نفسه هناك اختلافات جمّة بين حزبي وحزب العمل وحزب الحرية (الأخير حزب فيلدرز)».

رئاسة الحكومة
بعد الانتصار في تلك الانتخابات، كلّفت الملكة بياتريكس (الملكة في حينه) روته بتشكيل حكومة ائتلافية يمينية، يشارك فيها حزب الشعب وحزب الديمقراطيين المسيحيين وحزب فيلدرز، ليصبح أول رئيس حكومة لهولندا منذ عام 1918، من خارج الحزب الديمقراطي المسيحي، أو حزب العمل. غير أن الخلاف سرعان ما ظهر بين روته وفيلدرز، ثم تصاعد، خصوصاً بشأن أوروبا، حتى إن كانت قد بقيت ثمة نقاط اتفاق بشأن الهجرة. وعلى الأثر، تعهد روته، الذي يطرح نفسه على أنه «رجل الحلول»، في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، بأنه لن يشكل ائتلافاً مع حزب الحرية، وزعيمه المعادي للإسلام والمعارض للهجرة. وفي المقابل، كان فيلدرز يعتب على رئيس الوزراء الحالي، ويعتبر أنه لم يف بوعوده، خصوصاً تلك المتعلقة بخفض الضرائب.

روته وأوروبا
طروحات مارك روته موالية لأوروبا، وهو يؤمن بأنه لا يمكن تصور مستقبل لهولندا على الإطلاق خارج الاتحاد الأوروبي. ومن ثم، فهو يقدم خبرته، التي تجاوزت 6 سنوات في السلطة، على أنها تشكل البديل الناجع لشعبوية فيلدرز وانعزاليته.
وحقاً، يوم 15 مارس الحالي، تمكن روته من الفوز مرة ثالثة، وقاد حزبه لتحقيق انتصار ثمين على التيار اليميني الشعبوي في هولندا. وجاء هذا الانتصار بعد انتصارين مهمين للقوى الشعبوية في بريطانيا والولايات المتحدة، تمثلا بتصويت البريطانيين لصالح الخروج من أوروبا، وانتخاب الأميركيين رجل الأعمال الملياردير دونالد ترمب رئيساً للجمهورية.
مع هذا، علقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قائلة إن كثيرين يعزون فوز روته إلى تبنيه خطاباً صارماً حيال الهجرة والمهاجرين، ولكن مع الالتزام بالبعد عن قضايا معادة الإسلام والمسلمين التي سيطرت على خطابات غريمه المتطرف فيلدرز. وبالفعل، يشير كثيرون إلى أن تشدد روته في المواجهة مع إردوغان والمسؤولين الأتراك أكسبه شعبية لا تنكر، وأظهره قيادياً حازماً.
أيضاً، يرى كثير من المراقبين أن روته أظهر الحنكة والخبرة السياسية في تعامله مع هذه الأزمة، وعرف كيف يستفيد منها لصالحه، بدلاً من أن يحتكر الاستفادة فيلدرز وحزبه المتطرف. وخلال السجالات مع أنقرة، أكد رئيس الوزراء الهولندي عزمه على أن تظل بلاده الطرف الذي يتحلى بالعقلانية، والسعي لتحاشي التصعيد في الأزمة مع تركيا، بالتوازي مع الإصرار على قرار حكومته ترحيل الوزيرة التركية لشؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية، فاطمة بتول سيان قايا، ومنع قدوم وزير آخر، هو وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو.

مفاوضات تشكيل الحكومة
حالياً، بعد فوز حزب الشعب بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، بدأ روته مفاوضات تشكيل حكومته الجديدة. ومن المتوقع أن تستمر هذه المفاوضات على مدى الأسابيع المقبلة، مع العلم بأن جميع الأحزاب أكدت نيتها ألا تدخل في أي ائتلاف مع حزب فيلدرز المتطرف. وللعلم، يتجه روته الآن لتشكيل حكومة ائتلافية من 4 أحزاب.
رئيس الوزراء يقر بأن عملية التفاوض حول التشكيل الحكومي الجديد ستكون صعبة، مبدياً استعداده للتحالف مع الديمقراطيين (الديمقراطيون 66). أما أبرز الشركاء الآخرين المحتملين، في ظل استبعاد المتطرفين، فهم «الديمقراطيون 66» والخضر اليساريون والاتحاد المسيحي.
ولقد وقال رئيس الديمقراطيين، ألكسندر بيختولد، إن «الإمكانيات كثيرة لتشكيل تحالف، ولكن الأمور تتوقف على حزب الشعب الذي يقود الأمور بصفته صاحب العدد الأكبر من المقاعد بين الأحزاب». ومن ثم، أشار إلى إمكانية تشكيل ائتلاف يضم الديمقراطيون 66 وحزب الشعب، وأيضاً الحزب الديمقراطي المسيحي، ومعهم يمكن إضافة الخضر اليساري أو الاتحاد المسيحي، لضمان الغالبية المطلوبة في البرلمان.

تعليق روته بعد الانتخابات
جدير بالذكر أن أول تصريح صادر عن روته، عقب ظهور النتائج، جاء فيه قوله إن هولندا رفضت بتصويتها ما وصفه بـ«النوع الخاطئ من الشعبوية». وفي حين نقلت تقارير إعلامية أوروبية أن الأوروبيين عامةً تنفسوا الصعداء عقب الإعلان عن فوز روته، وهزيمة فيلدرز، تلقى رئيس الوزراء المنتصر التهاني من كثير من القيادات والعواصم الأوروبية، كما تحدث مع عدد من الزعماء الأوروبيين هاتفياً. ولقد حرصوا كلهم على تحيته، وإبداء ارتياحهم لما حققه، وسعادتهم لخيار الشعب الهولندي الذي جاء مع العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في فرنسا (في أبريل/ نيسان ومايو/ أيار المقبلين)، والانتخابات العامة في ألمانيا (سبتمبر المقبل). ويذكر أن لليمين المتطرف والعنصري، المناوئ للمهاجرين، حضور قوي فيهما.
وجاء في تهنئة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لروته قوله له: «كان (فوزك) فوزاً واضحاً ضد التطرف»، في حين هنأ شتيفن زابير، الناطق باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الزعيم الهولندي بفوزه في الانتخابات، موضحاً أنه يتطلع إلى «مواصلة التعاون معاً كأصدقاء وجيران وأوروبيين». كذلك قال باولو جنتيلوني، رئيس الوزراء الإيطالي: «اليمين المناهض للاتحاد الأوروبي خسر الانتخابات في هولندا».

بطاقة هوية
* ولد مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، في مدينة لاهاي، العاصمة السياسية والقضائية لهولندا، يوم 14 فبراير (شباط)، أي «يوم الحب»، من عام 1967. وهو الولد الأصغر في عائلته، وكان أبوه (آيزاك روته) يعمل في مجال التجارة والأعمال، أما أمه (واسمها هيرمينا كورنيليا ديلينغ)، فتعمل سكرتيرة.
أنهى تعليمه الثانوي (بين 1979 و1985) متجهاً نحو التخصصات الأدبية، ولقد استهوته الموسيقى، وكان طموحه حقاً أن يغدو عازفاً محترفاً لآلة البيانو. إلا أنه عندما أزف وقت الدراسة الجامعية، التحق بجامعة لايدن، أعرق جامعات هولندا وإحدى أرقى الجامعات الأوروبية، حيث درس التاريخ، ثم حصل منها أيضاً على درجة الماجستير في عام 1992.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.