أنقرة تصعد والاتحاد الأوروبي يطلب تفسيراً لتحذيرات إردوغان

النرويج: منح اللجوء لعسكريين أتراك ليس قراراً سياسياً

يافطة في أنقرة تحمل صورة إردوغان تقول «نعم» بالتركية للتعديلات الدستورية (أ.ب)
يافطة في أنقرة تحمل صورة إردوغان تقول «نعم» بالتركية للتعديلات الدستورية (أ.ب)
TT

أنقرة تصعد والاتحاد الأوروبي يطلب تفسيراً لتحذيرات إردوغان

يافطة في أنقرة تحمل صورة إردوغان تقول «نعم» بالتركية للتعديلات الدستورية (أ.ب)
يافطة في أنقرة تحمل صورة إردوغان تقول «نعم» بالتركية للتعديلات الدستورية (أ.ب)

تواصلت صفحات التصعيد بين أنقرة والاتحاد الأوروبي على خلفية منع وزراء أتراك من الدعاية للتعديلات الدستورية المقرر الاستفتاء عليها في 16 أبريل (نيسان) المقبل للتحول إلى النظام الرئاسي الذي يوسع كثيرا من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى جانب الموقف الأوروبي من محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) الماضي وقرارات بعض الدول الأوروبية منح اللجوء وتوفير الحماية لعسكريين أتراك تتهمهم أنقرة بأنهم كانوا جزءا من المحاولة.
وواصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس الخميس استهدافه للدول الأوروبية قائلا: «أوروبا شهدت قبل فترة بعض الأحداث التي استهدفت مواطنينا بشكل يتنافى مع الإنسانية، لا يمكن أن نترك إخوتنا في هولندا وألمانيا وحدهم». وأضاف إردوغان في كلمة أمام أعضاء اتحاد البلقان في القصر الرئاسي في أنقرة: «تزعجنا بعض الضغوطات التي تمارس على الأتراك في بلغاريا من حق الأتراك في بلغاريا أن يطالبوا بحقوقهم، ومن حقنا أن نقدم لهم الدعم... أتمنى أن تجري الانتخابات في بلغاريا في جو من النزاهة والعدالة ونحن نعمل على دعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم».
واتهمت بلغاريا الأسبوع الماضي جارتها تركيا بالتدخل في الانتخابات.
وكان إردوغان واصل تصعيده للحرب الكلامية مع الاتحاد الأوروبي أول من أمس الأربعاء محذرا الأوروبيين من أنهم لن يتمكنوا من السير بأمان في الشوارع إذا واصلوا نهجهم الحالي إزاء بلاده.
وفي رد فعل على هذا التصريح، استدعى الاتحاد الأوروبي أمس الخميس السفير التركي لدى بروكسل لطلب «تفسير» حول تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي تضمنت تحذيرا بخصوص أمن المواطنين الأوروبيين. وقالت الناطقة باسم الاتحاد الأوروبي مايا كوسيانسيتش: «لقد طلبنا من المندوب الدائم لتركيا لدى الاتحاد الأوروبي المجيء إلى المكتب الأوروبي للعمل الخارجي»، الجهاز الدبلوماسي للاتحاد، لأننا نرغب في الحصول على تفسير بشأن تصريحات إردوغان حول أمن الأوروبيين في شوارع العالم أجمع.
وكان إردوغان قال في خطاب جماهيري الأربعاء مخاطبا الدول الأوروبية: «العالم أجمع يتابع ما يجري عن كثب. إذا واصلتم التصرف بهذه الطريقة، غدا قد لا يستطيع أي أوروبي، أي غربي، السير خطوة واحدة بأمان وطمأنينة في الشارع، في أي مكان في العالم». وجاءت تصريحات إردوغان قبل ساعات فقط من الاعتداء الذي أوقع قتلى ومصابين في وسط لندن الأربعاء.
في السياق نفسه، اعتبر وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل أمس أنه يجب الإبقاء على قنوات الاتصال بين الاتحاد الأوروبي وتركيا قائلا في أثينا: «تركيا بالتأكيد ليست على طريق الانضمام للاتحاد الأوروبي لكن بأي حال لا يجب علينا إغلاق قنوات الاتصال رغم أن الأمور صعبة».
واتهم إردوغان مرارا ألمانيا وهولندا باتباع «أساليب نازية» لمنعهما الوزراء الأتراك من التحدث في تجمعات بأوروبا بسبب مخاوف أمنية. وأدت هذه التصريحات لتدهور حاد في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإذاعة «سارلاند»، أمس، إن بلادها لا ترغب في تصعيد التوتر في العلاقات مع تركيا وإن حكومتها بعثت بمذكرة احتجاج لتركيا لوصفها ألمانيا بالنازية، معربة في الوقت نفسه عن استعداد بلادها للحوار مع تركيا في أي وقت، وأضافت: «يمكن أن تحل المشاكل العالقة عبر الحوار، وفي بعض الأحيان الزمن كفيل بحلّها».
واستمرارا للأزمة بين تركيا والدول الأوروبية حول الاتهامات بدعم حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن المقيم في أميركا والذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير النرويجي في أنقرة «فيغراد إيلفسن»، احتجاجا على منح أوسلو حق اللجوء لأربعة ضباط أتراك كانوا يعملون في حلف الناتو في أوروبا وملحق عسكري تركي لاتهامهم بالمشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو أمس إنه تم إبلاغ السفير النرويجي استياء تركيا من قرار منح العسكريين الانقلابيين حق اللجوء، وإن هؤلاء العسكريين ينتمون إلى «منظمة إرهابية».
قال وزير الخارجية النرويجي بورغة برنده، إن بلاده لا تعلق على ردود الفعل الدولية حول قرار قبول دائرة الهجرة لجوء عسكريين أتراك. وذكر في بيان نشرته وسائل إعلام نرويجية، أن دائرة الهجرة هي التي تتخذ القرار تجاه طلبات اللجوء المقدمة إليها، وفق قوانين الدولة.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية النرويجية غوري سولبرغ أمس إن «قرار بلادها منح اللجوء لعسكريين أتراك هو إجراء إداري لا سياسي. أبلغنا السفير التركي في أوسلو بأن طلبات اللجوء يقررها مسؤولو الهجرة النرويجيون بناء على القانون النرويجي». وأضافت أن السفير النرويجي في أنقرة نقل الرسالة ذاتها إلى وزارة الخارجية التركية أمس الخميس.
على صعيد آخر، عبرت وزارة الخارجية التركية عن حزنها تجاه الأضرار البالغة التي نجمت عن نشوب حريق في مسجد «بايزيد» التاريخي، المعروف بمسجد السلطان محمد جلبي، شمال شرقي اليونان الأربعاء.
وقالت الخارجية التركية، في بيان مكتوب، إنها تلقت بحزن خبر إلحاق ضرر كبير بمسجد السلطان محمد جلبي، الذي بني عام 1420م، في «ذيذيموتيخو» اليونانية، وبدأت أعمال ترميمه في 2016 من قبل السلطات اليونانية. وأضافت: «نطلب من السلطات اليونانية التأكد من سبب نشوب الحريق»، مؤكدة أهمية إعادة ترميم المسجد الذي يعتبر من أهم الأمثلة على الميراث الثقافي المشترك بين اليونان وتركيا، طبقا لأصله، وضرورة الحفاظ عليه لأنه يعد ميراثًا للأجيال المقبلة. وذكّرت الخارجية بالعزم المشترك فيما يخص الحماية المتبادلة للإرث الثقافي في البلدين، والذي انعكس على الوثائق التي تم توقيعها خلال اجتماعات مجلس التعاون التركي اليوناني رفيع المستوى. وأوضحت أنه «في إطار هذه الإرادة المشتركة فإن تركيا مستعدة لتقديم كل أنواع الدعم عبر التعاون مع اليونان من أجل إعادة ترميم مسجد السلطان محمد جلبي الذي يعد عملا معماريا فريدا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟