الخرطوم وتونس توقعان 22 اتفاقية تعاون

الشاهد: ما يحدث في السودان عودة للمياه إلى مجاريها

رئيس الوزراء السوداني ونظيره التونسي لدى لقائهما في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء السوداني ونظيره التونسي لدى لقائهما في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الخرطوم وتونس توقعان 22 اتفاقية تعاون

رئيس الوزراء السوداني ونظيره التونسي لدى لقائهما في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء السوداني ونظيره التونسي لدى لقائهما في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)

وقع السودان وتونس 22 اتفاقية تعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والسياحية تنفذ خلال عامين، وذلك في ختام المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء السوداني بكري حسن صالح ونظيره التونسي يوسف الشاهد، الذي أنهى زيارة ليومين للعاصمة السودانية الخرطوم، تضمنت استئناف سفر خطوط الطيران بين البلدين.
وقال رئيس الوزراء، بكري حسن صالح، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بالخرطوم أمس، إن السودان وتونس يملكان مقومات التقدم، وعلاقاتهما قابلة للتطور المضطرد، بما يسهم في زيادة زخم الانفتاح على البلدان الأفريقية والعربية والأوروبية.
ودعا صالح إلى تنسيق المواقف والتعاون بين الخرطوم وتونس، بما يحقق مصالح البلدين، معتبرا أن زيارة رئيس الوزراء التونسي ووفده الرفيع، ورجال وسيدات الأعمال الذين رافقوه، دليل قوي على الرغبة المشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين. وأضاف: «لا يساورني أدنى شك أن المباحثات والترتيبات التي أجريناها تفتح الطريق واسعاً، وعلى المدى الطويل لسعادة الشعبين الشقيقين».
من جهته، قال رئيس الوزراء التونسي للصحافيين أمس، إن بلاده تعمل على الانفتاح على البلاد العربية والأفريقية في الفترة المقبلة، مضيفا أن «هناك تونس جديدة، ومؤسسات ديمقراطية جديدة وعلاقات دولية جديدة وتتواصل مع الشركاء»، ووصف ما يحدث في السودان بقوله إن «ما يحدث حاليا مع السودان عودة المياه لمجاريها»، وذلك في إشارة إلى الحوار الوطني الذي تشهده البلاد.
وأعلن الشاهد عن استئناف خطوط الطيران بين البلدين ابتداء من سبتمبر (أيلول) المقبل، وذلك بعد توقف دام قرابة ربع القرن، إيذانا بمرحلة جديدة بين البلدين.
من جهته، وصف مصدر بالخارجية السودانية توقيع الاتفاقيات مع تونس بأنها «مهمة»، ويمكن أن تحقق عددا من الفوائد الاقتصادية للبلدين، عن طريق تحقيق قيمة مضافة للمنتجات التونسية وتسويقها في السودان، وإعادة تصديرها إلى الأسواق الأفريقية، فيما يستطيع السودان الاستفادة من موقع تونس باعتبارها بوابة لأوروبا، لإيصال المنتجات السودانية إلى الأسواق الغربية.
كما أعلن أن الاتفاق الصحي وفتح منافذ السياحة العلاجية للسودانيين، باعتبارها متقدمة جدا في المجال الطبي، يوفر على السودانيين عناء السفر إلى بلدان أخرى، كانوا يسافرون إليها للعلاج ويواجهون فيها صعوبات كثيرة.
ووفقا لسفير السودان لدى تونس، العبيد مروح، في تصريحات صحافية، فإن الاتفاقيات تضمنت برامج تنفيذية وقعتها الدولتان في وقت سابق، وجدد الطرفان خلال المباحثات رغبتهما في تفعيلها، إلى جانب الاتفاقيات التي وقعت أمس.
وقال السفير مروح إن الإعداد الفني لعودة خطوط الطيران بين البلدين سيتم إكماله قبل استئناف سفريات الطيران بين البلدين، وتوقع أن تسير ثلاث رحلات أسبوعيا بين البلدين، لخدمة الأغراض التي أعيد افتتاح الخط الجوي من أجلها، وقال في هذا الصدد، إن «الزيارة مهمة باعتبارها الأولى لرئيس الحكومة التونسية للبلاد».
ووقع الطرفان اتفاقيات في قطاع الثروة الحيوانية والزراعة والصناعة والنقل الجوي، والملاحة البحرية والموانئ البحرية التجارية، إضافة إلى اتفاق إطاري في مجالات الإسكان والتعمير والتهيئة الترابية، واتفاق فني في المجال العقاري، ومذكرة تفاهم جمركي بين الإدارة العامة للديوانية التونسية وهيئة الجمارك السودانية.
كما وقعا مذكرة تفاهم في تكنولوجيا المعلومات والاتصال والبريد وأخرى في مجال حماية المستهلك، فضلا عن برنامج تنفيذي للتعاون في مجال التكوين المهني والفني والتقني، ومذكرة تفاهم في مجالات التعاون الصحي. وجددت الدولتان برنامجا تنفيذيا للتعاون السياحي، ووقعتا اتفاقا في مجال التأمينات والرعاية والتنمية الاجتماعية، وبرنامجا تنفيذيا لاتفاقية التعاون في حماية البيئة والتعاون والتربية والتعليم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.