شاشة الناقد

بيتر سلرز في نهاية فيلم «التواجد هناك»
بيتر سلرز في نهاية فيلم «التواجد هناك»
TT

شاشة الناقد

بيتر سلرز في نهاية فيلم «التواجد هناك»
بيتر سلرز في نهاية فيلم «التواجد هناك»

* الفيلم: Being There
* إخراج: ‪هال أشبي‬
* دراما | الولايات المتحدة
* تقييم: (**** من خمسة)
مباشرة، قبل تقليم أظافر مخرجي هوليوود في مطلع الثمانينات، أنجز المخرج هال أشبي هذا الفيلم كما أراده تماماً. كان حقق إنجازات فنية جيدة - وتجارية - عبر سلسلة أفلام تحمل النقد لجانب العمق، والتفاني في سرد التفاصيل الثرية حول الشخصيات. في عام 1971 قام ييرزي كوزينسكي بنشر روايته «التواجد هناك»، لكنه تمنْع عن بيع حقوقها إلى السينما؛ لأنه لم يكن يرغب في فقدان صلته بها تحت تأثير فيلم يلغي صفاتها العميقة.
في العام نفسه كان بيتر سلرز يبحث عن مشروع جيد ينقذ فيه نجوميته من فشل متلاحق عبر سلسلة من الأفلام التي لم تنل نجاحاً. التقط سلرز الرواية واتصل بهال أشبي وأقنعه بأن يخرجها، لكن هال أشبي حتى ذلك الحين لم يكن مخرجاً معروفاً بدوره. قررا أن يسند كل منهما الآخر إلى أن تتاح لأحدهما الفرصة: من يصبح ذا قدرة على جلب التمويل أولاً سيصر على التعاون مع الثاني.
الذي حدث أن كليهما نجح بعد ذلك التاريخ. أشبي عبر بوابة من الأفلام الجيدة مثل «التفصيلة الأخيرة» مع جاك نيكولسون في البطولة و«شامبو» مع وورن بيتي و«جدير بالمجد» مع ديفيد كارادين، ثم «العودة للوطن» مع جين فوندا وبروس ديرن وجون فويت.
«التواجد هناك» كوميديا سوداء هادئة حول شخص اسمه تشانس (بيتر سلرز) ولد وعاش حياته في منزل مليونير تبناه، لكنه لم يمنحه أي قدر من العلم، ولا سمح له بالخروج لما خلف أسوار المنزل الكبير الذي عاش فيه. العلاقة الوحيدة بين تشانس وبين العالم هي شاشة التلفزيون التي ما زال الرجل، في أواخر الأربعينات من حياته، يستمد منها التسلية المتاحة.
عندما يموت رب المنزل يخرج إلى العالم للمرة الأولى غير مسلح بشيء (إلا بالرموت كنترول الذي يستخدمه لمتابعة البرامج التلفزيونية). تلتقطه امرأة ثرية (شيرلي ماكلين) الذي يسترعي انتباهها لغرابته. زوجها (ملفن دوغلاس) صناعي كبير وله علاقات سياسية، بينها علاقته مع رئيس الجمهورية (جاك ووردن) الذي يسأل تشانس المشورة فيرد عليه تشانس بأن الحب يزرع في الخريف لينمو في الربيع (أو شيء قريب من هذا). الكلمات تتبدّى لرئيس الجمهورية كحكمة فيعيّنه مستشاراً.
مبدئيا، هذا هو الضعف الوحيد في السيناريو كما في الفيلم. نقل إنسان ساذج إلى البيت الأبيض ليتولى منصب مستشار يتم بفضل رئيس جاد، لكنه أكثر سذاجة طالما أنه لا يستطيع التفرقة بين رجل حكيم ورجل متخلف عقليا لا يفهم من الحياة إلا بعض الزراعة. على ذلك، يلوي هال أشبي هذه المشكلة ببراعة محوّلاً عدم قابليتها للمنطق كعنصر جيد للكوميديا والفنتازيا. بذلك لم يعد المطلوب أن نصدّق، بل أن نتعرّف ربما إلى طرح ينال من البيت الأبيض أكثر من بطله.

لا يستحق:(*)
وسط: (**)
جيد: (***)
ممتاز: (****)
تحفة: (*****)



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).