ثلاثة أفلام أميركية جديدة تطرح موضوعات شائكة

تستعرض سجالات المجتمع من ثلاثينات إلى خمسينات القرن الماضي

TT

ثلاثة أفلام أميركية جديدة تطرح موضوعات شائكة

في غضون أشهر قليلة أقدمت السينما الأميركية على معالجة موضوع العلاقة الزوجية القائمة بين عنصرين مختلفين. في «لفينغ» قصة مقتبسة عن وقائع حقيقية حول زوجين عانيا، في أواخر الخمسينات، من القوانين العنصرية التي ما زالت تتحكم في العلاقات الاجتماعية بين البيض والسود.
قبل أسابيع قليلة شاهدنا «اخرج» (Get Out) الذي لا يستند إلى وقائع، لكنه يقدم زوجين من عنصرين عرقيين مختلفين أيضاً. ومن قبل شاهدنا «مملكة متحدة»، ومع أنه فيلم بريطاني إلا أنه يصب في الخانة ذاتها.
كلاهما يعيد طرح هذا الوضع بطريقته. صحيح أن «اخرج» ليس مستوحى من أحداث واقعية، بل هو فيلم تشويقي في الأساس، إلا أنه يضع تحت مجهره صنف العلاقة القائمة بين رجل أسود وصديقته البيضاء ضمن مجتمع يرفض العلاقة. أما في «لفينغ» (Loving، وهو اسم عائلة الزوج)، فالصورة معكوسة من حيث إن الرجل أبيض والزوجة هي الأفرو - أميركية.
بطبيعة الحال، فإن «لفينغ» لجف نيكولز هو الفيلم الذي نال نقاشاً أوسع في الكتابات النقدية والتحقيقات السينمائية، أولاً وأساساً لأنه مأخوذ عن الواقع عندما تزوّج رتشارد (جوول إدغرتون) من الفتاة السمراء ملدرد (روث نيغا) في تحد للسلطات المعمول بها في الجنوب الأميركي، والقاضية بعدم الاختلاط بين العنصريين البشريين. هذا يقود إلى إلقاء القبض عليهما، ثم إطلاق حكم قضائي بالفصل بينهما ما يدفع الاثنين للهرب من الولاية باتجاه أخرى لا يشملها هذا القانون غير الفيدرالي.
«اخرج»، إخراج جوردان بيل، عانى (عندنا على الأقل) من النظر إليه بوصفه فيلم رعب حول الشاب كريس الأسود (دانيال كالويا) وفتاته البيضاء (أليسون روز) اللذين يقومان برحلة من المدينة إلى منزل والديها (كاثرين كينر وبرادلي وتفورد) اللذين يدعونهما للبقاء. منذ مطلع الرحلة، عندما يوقفهما شرطي أبيض غير مرتاح لصنو العلاقة بين الاثنين، وحتى النهاية هناك مظلة شاملة من المفارقات التي تكشف عن أن السبب في رفضهما يعود إلى اختلافهما العنصري.
* علاقات مختلطة
الموضوع القائم على علاقة اجتماعية - عاطفية بين زوجين مختلفين في لون البشرة ليس جديداً، ولو أن التطرّق إليه متباعد. أغلب ما نراه وقع العنصرية على عائلة كلها من الجذور الأفريقية، أو العربية أو الآسيوية أو اللاتينية، وفي موضوعنا هنا فإن هذه الجذور الأفريقية تلتهم محيطاً من التفرقة التي يعاني منها السود في أميركا من خلال مواقعهم، سواء أكانت داخل المدينة أو خارجها.
والسينما لعبت على هذا العنصر تحديداً لسنوات طويلة وألّـفت منها أفلاماً بوليسية حول أبطال سود ضد عصابات تحركها عوامل كثيرة، من بينها العنصرية كما الحال في سلسلة «شافت» وفي أفلام «سلوتر» و«كوفي» وعشرات سواها في السبعينات.
لكن الأفلام غير التشويقية وحدها هي التي تناولت علاقات مختلطة وليس بطولة منفردة، سواء نجحت في طرح الموضوع أو اضطرت إلى مداراته؛ خوفاً من ردِّ فعل ما. هذا حدث على سبيل المثال عندما أخرج ستانلي كرامر «احذر من القادم إلى العشاء» (1967) مع سيدني بواتييه الذي يحب البيضاء كاثرين هوفتون، وهذه تصر على تعريفه بوالديها كاثيرن هيبورن وسبنسر ترايسي. كل شيء في ذلك الفيلم معالج بنعومة، بما فيه الرفض الداخلي إلى حين قبول الوالدين بتلك المساواة.
كان على ذلك الفيلم تقديم سيدني بواتييه بصفته مثقفا فوق العادة ورجلا ثريا (فوق العادة أيضاً بالنسبة لمعظم السود)، وبذلك رصف كرامر الطريق ممهداً لتحويل الطرح إلى ترفيه حصد أوسكارين، واحد لكاثرين هيبورن، والآخر لأفضل كتابة للسينما (ويليام روز).
والمعالجة الكوميدية كانت السبيل لتقديم عدد من الأفلام المشابهة؛ كونها تطرح نفسها على أساس أن ما توفره للمشاهد هو مادة للترفيه يستطيع قبول مفهومها أو رفضه، لكنه في الحالتين سيوافق عليها كونها كوميدية... في هذا الإطار، هناك فيلم لمخرجة مغربية الأصل اسمها سناء حمري عنوانه «شيء جديد» حققته سنة 2006، ونال قدراً من النجاح.
كل هذا لم يكن متاحاً في هوليوود القديمة. إظهار السود والبيض في علاقة اجتماعية كان ممنوعاً في الثلاثينات عندما سادت «شيفرة هايز» التي نصّـت على عدد ملحوظ من التحذيرات. ما يفيدنا التاريخ به، هو أن السود في الأفلام القديمة (من الثلاثينات وحتى الخمسينات على الأخص) أتيح لهم تمثيل الأدوار الصغيرة. هم الخدم في الأفلام التاريخية أو الحمّالون وملمعو أحذية في أفلام بوليسية ومرافقون للأبطال البيض في مغامرات عويصة. والسائد في ذلك الحين أن السود لعبوا أحد دورين: إما طيّـب وغبي قليل الثقافة والمدارك، وإما شرير قوي البنية و… قليل الثقافة والمدارك.
حتى الآن، ومع انتشار الزيجات المختلطة، فإنه ما زال من غير المعتاد مشاهدة أفلام تبحث في هذا الموضوع. لكن إلى جانب «لفينغ» و«اخرج» شاهدنا أيضاً «مملكة متحدة» لآما أسانتي، وهو إنتاج بريطاني، مأخوذ أيضاً عن واقعة حقيقية حدثت في الأربعينات عندما زار أمير أفريقي من بوتسوانا المملكة المتحدة ووقع في حب امرأة بيضاء من لندن.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز