رئيس «حركة الشعب»: استمرار تحالف «النداء» و«النهضة» خطر على الديمقراطية في تونس

المغزاوي قال إن رئيس الجمهورية ينوي الانقلاب على النظام السياسي

المغزاوي
المغزاوي
TT

رئيس «حركة الشعب»: استمرار تحالف «النداء» و«النهضة» خطر على الديمقراطية في تونس

المغزاوي
المغزاوي

انتقد زهير المغزاوي، رئيس حزب حركة الشعب (حزب قومي)، الجهات التي تختزل العمليّة السياسيّة في تونس في حزبين يتقاسمان السلطة أو يتداولان عليها، في إشارة إلى حزب النداء (الليبرالي) وحركة النهضة (الإسلامي)، واعتبر هذا الاختزال فهما خاطئا للخريطة السياسية لما بعد ثورة 2011، مشيرا إلى وجود نوايا واضحة للانقلاب على النظام السياسي من قبل رئيس الجمهورية الحالي، وقال إنه لا يتوقّف عن توسيع صلاحياته على حساب الصلاحيات الدستوريّة لرئيس الحكومة.
وكشف المغزاوي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في العاصمة التونسية، عن نية «حركة الشعب» التقدم بمرشح في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، مشددا على أن عودة آلاف المقاتلين التونسيين من جبهات القتال إلى البلاد ستشكّل خطرا حقيقيا على الأمن الوطني، وعلى أمن دول الجوار خاصة، ودعا إلى التعامل معهم وفق القواعد القانونيّة المعمول بها في مجال مكافحة الإرهاب.
وحول تقييمه لثورات الربيع العربي، قال المغزاوي إن ما حدث في تونس ومصر إلى حدّ ما كان أقرب إلى ثورة شعبية وضعت نصب عينيها إسقاط أنظمة فاسدة ومفسدة، لكن دون أن يكون لديها البديل الواضح والجاهز الذي يمنع عودة أزلام الأنظمة السابقة. أما في ليبيا وسوريا واليمن فالأمر، حسب المغزاوي، هو أبعد ما يكون عن فكرة الثورة. وفيما يلي بقية الحوار.
> ما هو موقع «حركة الشعب» اليوم في المشهد السياسي التونسي؟
- «ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ» تتموقع ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺎ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ الديمقراطية ﺍلاجتماعية، ﻭﻫﻮ ﻣﻮﻗﻊ ﺗﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ طبيعة أﻃﺮﻭﺣﺎﺗﻨﺎ ﻭﺑﺮﺍﻣﺠﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎرﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎ ﻣﻊ ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ يونيو (حزيران) ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻭﺣﺪﺓ ﻭﻃﻨﻴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﺩﺭﺗﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﺑﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺴﻤﻴﺔ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ.
> هل هناك تحالفات سياسية ممكنة؟ وما هي الأحزاب الأقرب إليكم لو فكرتم في عقد تحالفات؟
- «ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ» أعلنت ﻓﻲ ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﻣﺆﺗﻤﺮﻫﺎ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺃﻳﺎﻡ ﻋن إﻴﻤﺎﻧﻬﺎ ﺑﺄﻥ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ الوطنية ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﺣﺎﻟﻴﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍلائتلاﻑ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ، ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺇﻻ ﻋﺒﺮ تشكيل ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ جدية ﻭﺻﻠﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍلأﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﻓﻌﻼ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪﻱ للانحرافات ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﻢ ﻟﻜﻞ ﺣﻜﻮﻣﺎﺕ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ. و«ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ» ﺗﻤﺪ ﻳﺪﻫﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻄﻴﻒ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍلاﻧﺘﺼﺎﺭ ﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺠﺒﺎﺋﻴﺔ ﻭتوفير فرص العمل، ﻭﻭﻗﻒ ﻧﺰﻳﻒ ﺍلاﻗﺘﺮﺍﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﺍلاﺭﺗﻬﺎﻥ لإملاءﺍﺕ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﻧﺤﺔ، ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍلإﺭﻫﺎﺏ ﺿﻤﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﻗﻮﻣﻲ، ﻗﻮﺍﻣﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻮﺣﺪﺓ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺘﻜﻔﻴﺮﻱ.
ﺃﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﺍلاﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﺍﻟمقبلة ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻓﺮﺻﺔ ﺟﻴﺪﺓ ﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ لعقد ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ سياسية، تحترم مجمل ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺘﻲ قامت عليها الحركة. ﺃﻣﺎ بخصوص ﺍلأﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﺸﺮﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻭﺭﺍﺕ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ ﺑﻌﺪ، وهناك عدة مشاريع سترى النور خلال المحطات الانتخابية المقبلة.
> ما هو موقفكم من التحالف القائم بين حزب النداء وحزب النهضة؟ وهل تعتبرونه طريقا للانتقال السياسي أم حجر عثرة أمام التطور السياسي في البلاد؟
- قبل الانتخابات البرلمانية الماضية كنا نقول في «حركة الشعب» إن الاستقطاب الثنائي المعلن بين حركتي النهضة ونداء تونس هو استقطاب مغشوش يقوم على جمع النقيضين، لأنّ الطرفين مختلفان آيديولوجيا، لكنهما يحملان نفس الأطروحات تقريبا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مع بعض التباينات الطفيفة على مستوى الارتباطات الدوليّة والإقليميّة، لذلك لم نستغرب توجّه الطرفين نحو التحالف مباشرة بعد الانتخابات. والتحالف بينهما هو الوضع الطبيعي، رغم أنّ قواعد الطرفين تتنصّلان منه، وهو مبني على التقاء المصالح بين الطرفين، لذلك كان أقوى من الضغائن التاريخيّة التي يحملها كلاهما تجاه الآخر، إضافة إلى أنّ الفاعلين الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية حريصة على رعاية هذا التحالف وإبرازه في مظهر التحالف الصلب.
أعتقد أن بقاء هذا التحالف وتواصله سيكون خطرا على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس لأن نيّة الرعاة الدوليين لهذين الطرفين تتجه نحو اختزال العمليّة السياسيّة في تونس في حزبين يتقاسمان السلطة، أو يتداولان عليها دون الإخلال بالالتزامات المفروضة عليهما من حلفائهم الإقليميين والدوليين، وهذا فهم خاطئ للخريطة السياسية في تونس ما بعد ثورة 2011.
> انتقدتم بشكل مباشر تصريح نور الدين البحيري حول التونسيين الذين التحقوا بسوريا للدفاع عن النظام السوري، ما هو الفرق بين من التحق ببؤر التوتر للقتال وحمل السلاح سواء مع النظام السوري أو ضده؟
- حركة النهضة كانت ولا تزال حريصة على إحداث لبس لدى الرأي العام حول الملف السوري وموقفها منه. فمن السخف طبعا أن نسوّي بين المرتزقة الذين تمّ تسفيرهم لزرع الخراب والموت في سوريا وتهديد حياة المدنيين الآمنين، وهم يعدّون بالآلاف، وبين أفراد تخيّروا بشكل طوعي القتال إلى جانب «الشرعيّة» لاعتقادهم أن النظام السوري يشكّل حجر الزاوية في محور المقاومة والممانعة. هذا إذا ثبت أصلا أن هناك من ذهب من تونس إلى سوريا للقتال في صفوف النظام السوري، إذ إن الأمر مبني بالأساس على تخمينات محلية.
> ما هو موقفكم من عودة آلاف التونسيين الملتحقين ببؤر التوتر في الخارج ومن بينها سوريا؟
- عبّرنا منذ فترة عن موقفنا بوضوح من هذه القضيّة. فهؤلاء مجرمون في حق تونس أولا، ثم في حقّ سوريا ثانيا، وعودتهم إلى تونس ستشكّل خطرا حقيقيا على الأمن الوطني، وأيضا على أمن دول الجوار، خاصة بعد الخبرات التي اكتسبوها في القتل والتخريب. ولذلك التعامل مع هؤلاء يجب أن يكون وفق القواعد القانونيّة المعمول بها في مجال مكافحة الإرهاب.
> كيف تقيمون نظام الحكم في تونس اليوم؟ وهل تساندون الدعوة لاعتماد نظام رئاسي معدل عوضا عن نظام برلماني معدل؟
- النظام السياسي الراهن أقرّه دستور الجمهوريّة الثانية، ونحن نلاحظ كما يلاحظ الجميع، وجود نوايا واضحة للانقلاب عليه من طرف رئيس الجمهورية الحالي، الذي لا يتوقّف عن توسيع صلاحياته على حساب الصلاحيات الدستوريّة لرئيس الحكومة. أعتقد أن الشعب سيكون صارما في مواجهة أي محاولة للعودة إلى النظام الرئاسي الذي عانينا من ويلاته خلال العقود الستّة الماضية.
> هل سنرى رئيس حركة الشعب مرشحا للرئاسة سنة 2019؟
- لا يزال الوقت مبكّرا للإفصاح عن هذا الخيار. لكنّ الأكيد أن «حركة الشعب» سيكون لها مرشح في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة.
> على الرغم من عراقة التيار القومي في تونس، فإن درجة تمثيليته السياسية ما زالت دون المأمول، فكيف تفسرون هذا الوضع؟
- محدوديّة التمثيل هذه ناتجة عن عقود من القهر السياسي والتعسّف الرسمي، التي كان التيار القومي من أكبر ضحاياها، هذا علاوة على حداثة تجربة القوميين بالعمل السياسي القانوني. وأنا على ثقة تامة من أن المستقبل سيكون أفضل لأن كل المؤشرات الراهنة تؤكّد ذلك.
> ما زالت قضية اغتيال البرلماني محمد البراهمي لم تبح بعد بأسرارها. هل تعتقدون أن هناك من له مصلحة في إخفاء الحقائق حول الاغتيالات السياسية؟
- طبعا هناك من تقتضي مصلحته إخفاء الحقيقة في ملف الاغتيالات السياسيّة. وهناك أطراف سياسيّة بعينها تتحمّل المسؤوليّة القانونيّة والسياسيّة والأخلاقيّة في هذه الجرائم. وهيئات الدفاع المختلفة ما زالت تؤكّد أن هناك أيادي خفيّة تعطّل سير البحث في هذه القضايا.
> كيف تنظرون اليوم إلى ثورات الربيع العربي بعد نحو ست سنوات من اندلاعها؟ وهل يمكن استغلالها لإرساء أنظمة ديمقراطية في الأقطار العربية؟
- كقوميين ناصريين كنا وما زلنا نعتقد أن مصائر الأمم تصنعها إرادة الشعوب التوّاقة إلى الحريّة والانعتاق والعدالة والكرامة. لكن هذا الأمر يصحّ عندما تكون إرادة الشعوب نفسها متحرّرة من كلّ أشكال التوجيه المباشر وغير المباشر، أي عندما تكون مالكة لزمام أمرها. وربّما هذا ما كان ينقص الحراك الشعبي الذي عمّ مختلف أرجاء الوطن العربي. وفي تونس ومصر إلى حدّ ما كان الأمر أقرب إلى ثورة شعبية من دون قيادة، وضعت نصب أعينها إسقاط أنظمة فاسدة ومفسدة دون أن يكون لديها البديل الواضح والجاهز الذي يمنع عودة أزلام الأنظمة السابقة. أما في ليبيا وسوريا واليمن فالأمر أبعد ما يكون عن فكرة الثورة، ويكفينا دليلا على ذلك الجهات التي دعمت، وما زالت تدعم التحركات التي نعتت زورا بالثورة.
ولكنني أستغرب من تجاهل الإعلام لعدد من الثورات العربية، وعزم قوى إقليمية على طمس معالمها في المهد، وكذلك من صمته عن مساءلة داعمي ثورات الربيع العربي وتعاملهم بمكيالين مع ما تعرفه المنطقة العربية من هزات اجتماعية. وستظلّ الديمقراطية هدفنا لكن السيادة الوطنيّة ووحدة النسيج الاجتماعي للشعب العربي ستظلان أسبق لدينا من كل شيء، أما الثورة فهي أعظم من أن تخترقها النزعات الطائفيّة والمذهبيّة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.