المعارضة تتقدم في ريف حماة... وتقترب من طرد «داعش» من القلمون

النظام يدفع بتعزيزات... والمرصد يتحدث عن انهيار في صفوف ميليشياته

مقاتلو المعارضة في قرية «طيبة الإمام» بريف حماة يركضون وسط أدخنة إطارات سيارات أشعلت بغرض التشويش على قصف الطيران الحربي على المنطقة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلو المعارضة في قرية «طيبة الإمام» بريف حماة يركضون وسط أدخنة إطارات سيارات أشعلت بغرض التشويش على قصف الطيران الحربي على المنطقة أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة تتقدم في ريف حماة... وتقترب من طرد «داعش» من القلمون

مقاتلو المعارضة في قرية «طيبة الإمام» بريف حماة يركضون وسط أدخنة إطارات سيارات أشعلت بغرض التشويش على قصف الطيران الحربي على المنطقة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلو المعارضة في قرية «طيبة الإمام» بريف حماة يركضون وسط أدخنة إطارات سيارات أشعلت بغرض التشويش على قصف الطيران الحربي على المنطقة أمس (أ.ف.ب)

حققت فصائل المعارضة السورية المسلّحة تقدماً جديداً في معركتها ضدّ قوات النظام وحلفائها، رغم كثافة الغارات الجوية التي تشنّها الطائرات الحربية. وسجلت المعركة على جبهة ريف حماة الشمالي مكاسب مهمّة للمعارضة اعترف بها النظام، خصوصاً بعد طرد قواته من مناطق استراتيجية، والتقدم إلى مسافة 4 كيلومترات عن مدينة حماة. كما انسحب هذا الواقع على جبهة القلمون الشرقي، حيث اقتربت الفصائل من تحريره بالكامل من قبضة «داعش» ووصله بالبادية.
وحافظت معركة دمشق على سخونتها. وأفادت «شبكة شام» الإخبارية المعارضة، أنه «رغم الهجوم المعاكس الذي شنته قوات الأسد والميليشيات، فقد فشلت في تحقيق أي نتيجة، إلا في زيادة خسائرها من الجنود والمعدات العسكرية»، قبل إعلان النظام الدفع بتعزيزات إلى المنطقة. وأعلن «فيلق الرحمن» أن «قوات الأسد وحلفاءها عجزوا عن تحقيق أي تقدم باتجاه المناطق التي حررها ثوار الغوطة خلال معركة (يا عباد الله اثبتوا)، التي تمكنوا فيها من السيطرة على كثير من المناطق الحيوية منذ يوم الأحد الفائت».
وتتعرض مناطق الغوطة لقصف عنيف جدا، من قبل طائرات ومدفعية قوات النظام، التي شنّت أمس أكثر من 30 غارة على الغوطة، في محاولة الضغط على مقاتلي المعارضة الذين وصلوا إلى الأوتوستراد الدولي الذي يربط دمشق بحمص.
وفي القلمون الشرقي، حققت معركة «سرجنا الجياد لتطهير الحماد» مزيدا من أهدافها ضد تنظيم داعش، عبر سيطرة «جيش أسود الشرقية» و«لواء شهداء القريتين» على بلدة بئر ومزرعة مداد ومحيطهما في البادية، وعلى مفرق المحسا، وطيبة المحسا، وتقدما باتجاه أوتوستراد أبو الشامات، الذي يربط دمشق بدير الزور.
وأعلن سعد الحاج المسؤول الإعلامي في «جيش أسود الشرقية»، أن «الثوار سيطروا على مستودع أسلحة وذخيرة تابع للتنظيم بالقرب من أوتوستراد أبو الشامات، كما غنموا دبابة من طراز (t62) في المنطقة نفسها». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «معركة القلمون الشرقي لها هدفان، الأول فكّ حصار (داعش) والنظام عن مناطق سيطرة المعارضة في القلمون، والثاني وصل هذه المنطقة بمناطق البادية من الجهة الجنوبية». وأوضح الحاج أن «المسافة التي تفصل بين آخر نقطة حررتها المعارضة في القلمون، وأول نقطة للمعارضة في البادية وهي معبر التنف تبلغ 20 كيلومتراً»، مستبعداً أن تحقق معركة القلمون «مكاسب للثوار في الغوطة الشرقية المحاصرة في هذه المرحلة، لأن الهدف الاستراتيجي لها الآن، هو وصل البادية بالقلمون».
التطورات الميدانية الأبرز، كانت على جبهة حماة، إذ سيطرت فصائل المعارضة أمس على مناطق جديدة، وحواجز عسكرية لقوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها في الريف الشمالي لحماة. وأوضح الناطق الإعلامي باسم «جيش النصر» محمد رشيد، أن «الثوار حققوا مكاسب هي الأهم منذ سنتين حتى الآن». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعارك التي خاضها الثوار ضدّ عصابات الأسد، أسفرت عن تحرير تلّة الشيحة وقرية أرزة بالكامل»، مشيراً إلى أن «جيش النصر وفصائل أخرى، تمكنوا أيضاً من تحرير قرية خطاب ورحبة خطاب ومستودعات خطاب في ريف حماة الشمالي بالكامل، وأن هذه الفصائل توجهت الآن غرباً نحو سوبين وأوتوستراد حماة محردة الذي بات تحت مرمى الثوار».
وشدد رشيد على أن «هدف المعركة في مرحلتها الأولى، هو تحرير مطار حماة، ما يخفف وتيرة الغارات الجوية، ويفتح الطريق أمام الهجوم الواسع على مدينة حماة».
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر في «جيش النصر»، تأكيده أن فصائل المعارضة «وسعت سيطرتها في ريف حماة بعد السيطرة على عدد من الحواجز والنقاط العسكرية، فجر أمس، وأن المعارك لا تزال مستمرة». وأشار المصدر إلى أنه «تمت السيطرة على بلدة خطاب ورحبتها العسكرية والمستودعات القريبة من الرحبة وعلى حواجز غزال والغربال والصفوح والنقطة 50. ومداجن السباهي، ومداجن القشاش وقرية خربة الحجامة وسوبين في ريف حماة الشمالي»، معتبراً أن الفصائل «كسرت خطوط الدفاع الأولى عن بلدة قمحانة التي تعدّ أبرز مواقع قوات النظام، وأن سيطرتها على بلدة خطاب تعد خطوة مهمة كونها تقابل مطار حماة العسكري، ما يسهل من استهدافه والاقتراب نحوه من الجهة الغربية لتسهيل العمليات العسكرية، كما تبعد البلدة عن مدينة حماة 8 كيلومترات فقط».
واعترفت مصادر مقربة من قوات النظام، بسيطرة فصائل المعارضة على بلدة صوران في ريف حماة الشمالي وسط سوريا. وقالت المصادر للوكالة الأنباء الألمانية، إن «فصائل المعارضة سيطرت على أغلب مدينة صوران باستثناء الجزء الشمالي من المدينة، كما سيطرت على قرية خطاب ورحبتها العسكرية بعد انسحاب القوات الحكومية».
في هذا الوقت، شنّت الطائرات الحربية والمروحية التابعة للنظام، غارات مكثفة على محاور القتال، من رحبة خطاب إلى صوران ومعان ونقاط قريبة منها سيطرت عليها الفصائل. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الهجمات التي شنتها كل من «هيئة تحرير الشام» و«أجناد الشام» و«جيش العزة» و«جيش النصر» و«جيش إدلب الحر»، وأدت إلى السيطرة على مناطق واسعة «أسفرت عن انهيار في صفوف المسلحين الموالين للنظام، الذين نفذوا انسحابات متتالية». وأكد المرصد أن الفصائل التي أطلقت المعركة يوم الثلاثاء «باتت على مسافة أقل من 4 كلم من مدينة حماة الخاضعة لسيطرة النظام».
وأمام هذا التقدم الواسع للمعارضة، قال مصدر عسكري في قوات الأسد لوكالة «رويترز»، إن «الجيش السوري بدأ بإرسال تعزيزات لمواجهة هجوم كبير على محافظة حماة، والتصدي لهجمات المسلحين على هذه المنطقة المهمة لرئيس النظام السوري».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.