إنزال أميركي يحاصر «داعش» في الرقة ويعيق تقدم النظام من شرق حلب

يسهّل السيطرة على سد الطبقة الاستراتيجي الواقع تحت تحكم التنظيم

راعي غنم من قرية «عين عيسى» بريف الرقة شمال سوريا يعبر لافتة تشير إلى المدينة التي تجرى الاستعدادات لتحريرها قريباً من تنظيم {داعش} (غيتي)
راعي غنم من قرية «عين عيسى» بريف الرقة شمال سوريا يعبر لافتة تشير إلى المدينة التي تجرى الاستعدادات لتحريرها قريباً من تنظيم {داعش} (غيتي)
TT

إنزال أميركي يحاصر «داعش» في الرقة ويعيق تقدم النظام من شرق حلب

راعي غنم من قرية «عين عيسى» بريف الرقة شمال سوريا يعبر لافتة تشير إلى المدينة التي تجرى الاستعدادات لتحريرها قريباً من تنظيم {داعش} (غيتي)
راعي غنم من قرية «عين عيسى» بريف الرقة شمال سوريا يعبر لافتة تشير إلى المدينة التي تجرى الاستعدادات لتحريرها قريباً من تنظيم {داعش} (غيتي)

نفذت القوات الأميركية وحلفاؤها من المقاتلين السوريين والأكراد إنزالاً جوياً قرب مدينة الطبقة في ريف الرقة، هو الأول لها في الريف الجنوبي للرقة، ومن شأنه أن يضاعف الحصار على تنظيم داعش في معقله السوري، كما يضع حدوداً أمام قوات النظام السوري من التقدم إلى المنطقة، فيما بدا أنه أحدث رسم لحدود نفوذ القوى المقاتلة ضد التنظيم المتشدد في شمال البلاد.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة «وفر جسرا جويا ودعما ناريا للتحالف الكردي السوري قرب الطبقة في سوريا؛ بهدف استعادة سد الطبقة»، كما أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» في بيان، أن العملية تهدف إلى السيطرة على منطقة الطبقة الاستراتيجية على ضفة نهر الفرات المقابلة لمناطق تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، وللحد من تقدم القوات النظامية السورية في هذا الاتجاه.
وقالت مصادر من «سوريا الديمقراطية» لـ«الشرق الأوسط»: إن قوات خاصة تابعة للأمن الداخلي الكردي «الأسايش» شاركت في عملية الإنزال الجوي الأميركية، لافتة إلى أنها ثاني عملية إنزال مشتركة بين القوات الأميركية والأكراد. وأشارت المصادر إلى أن القوات المشاركة في العملية هي القوات الكردية الخاصة (هات HAT) التابعة لقوات الأمن الداخلي الكردي (الأسايش)، وتمت العملية عن طريق ثلاث مجموعات إنزال من قوات الكردية الخاصة (HAT) وكتيبة الإسناد والدعم المعلوماتي التابعة للأمن الداخلي الكردي، إضافة إلى عناصر القوات الخاصة الأميركية (الكوماندوز). وأشارت المصادر إلى أن القوات المحمولة جواً «لا تزال منتشرة في منطقة الإنزال حتى اللحظة».
وأكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بدوره، أن قوات أميركية بمشاركة من «قوات سوريا الديمقراطية» قامت بعملية إنزال مظلي من الجو بعد منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء بمنطقة الكرين الواقعة على بعد 5 كلم غرب مدينة الطبقة بالتزامن مع عبور لقوات أخرى منهم لنهر الفرات على متن زوارق باتجاه منطقة الكرين.
وفيما تتكتم جميع المصادر عن مدة بقاء القوات الأميركية فيها وكيفية إمداد القوات الحليفة بالذخيرة والسلاح، وتأمينها؛ كونها أنزلت على بعد نحو 7 كيلومترات من مطار الطبقة العسكري، أبرز معاقل «التنظيم» العسكرية في المنطقة، فإن العملية جاءت بعد تمهيد أمني من قبل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. نقلت وكالة الأنباء الألمانية، عن سكان محليين قولهم إن الإنزال نُفّذ أيضاً في منطقة المحمية وقريتي أبو هريرة والبوعاصي (27 كم غرب مدينة الطبقة)، وقامت بقطع طريق حلب الرقة والسيطرة عليه. وأضافوا أن طائرات أميركية ألقت منشورات، الثلاثاء، حذرت فيها السكان من التجول في مدينة الطبقة والقرى المحيطة بها.
وبدا من سياق العملية أن هدفها العسكري يتمثل في إحكام الحصار على التنظيم في الرقة، وإقفال خطوط إمداده من ريف حلب الشرقي ومن البادية السورية إلى المنطقة، بهدف الإسراع في ضربه، بعد محاصرته من ثلاث جبهات في شمال الرقة وغربها وشرقها، بمساعدة من قوات أميركية خاصة موجودة في المنطقة. وهو ما أشارت إليه معلومات تحدثت عن أن القوات الأميركية ثبتت مدفعية في المنطقة وبدأت بمساندة عملية هادفة للسيطرة على سد الطبقة الاستراتيجية قرب الرقة.
غير أن العملية، لها أهداف سياسية أيضاً، إلى جانب الهدف بالسيطرة على سد الطبقة. فقد أكدت مصادر موثوقة لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أن عملية الإنزال الجوي وعبور النهر «تهدف إلى قطع طريق الرقة – حلب، وطريق الطبقة – الرقة، وبالتالي إطباق الخناق على تنظيم داعش في مدينتي الرقة والطبقة، إضافة إلى الاقتراب من مطار الطبقة العسكري. كما تهدف العملية إلى منع قوات النظام من التقدم باتجاه الطبقة في حالة تمكنت من السيطرة على بلدة مسكنة بريف حلب الشرقي، وتعد هذه العملية هي أول تواجد لـ(قوات سوريا الديمقراطية) إضافة إلى القوات الأميركية بالضفة الجنوبية لنهر الفرات».
وتبعد نقاط تواجد النظام السوري عن موقع الإنزال الجوي نحو 50 كيلومتراً، حيث بات النظام على تخوم مدينة مسكنة المحاذية للضفة الغربية لنهر الفرات، بعد تقدمه بريف حلب الشرقي على حساب تنظيم داعش. ولا يزال التنظيم موجوداً في المنطقة الممتدة بين قوات النظام السوري والقوات المدعومة أميركياً في الرقة، وتعد خطوط إمداده مفتوحة على البادية السورية التي تصل إلى الحدود السورية الشرقية مع العراق.
وبهذا التواجد العسكري: «رسمت حدود جديدة لمناطق النفوذ في سوريا»، بحسب ما قال مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أن تمركز القوات الأميركية أو الحليفة معها «سيمنع النظام من التقدم باتجاه الريف الجنوبي لمدينة الرقة»، كما أنه «سيحرمه من استعادة السيطرة على مطار الطبقة العسكري»، وهو واحد من أكبر مطاراته العسكرية في الشمال.
ويأتي هذا التوسع بالتزامن مع تأكيد مصادر كردية لـ«الشرق الأوسط»، بأن هناك مخططاً عسكرياً بين أيدي القادة العسكريين في «قوات سوريا الديمقراطية» «يتناول خطة استكمال التقدم نحو دير الزور في إطار الحرب على الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش»، لافتاً إلى أن العملية «مؤجلة وغير محسومة، لكن معالمها ستظهر بعد السيطرة على الرقة».
واستطاعت «قوات سوريا الديمقراطية» في وقت سابق التقدم نحو الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور الشرقية الغنية بالنفط، وتفصلها عن المدينة مسافة 40 كيلومتراً شمالاً، علما بأن النظام السوري يسيطر على المدينة ويقاتل للاحتفاظ بها بمساعدة سلاح الجو الروسي.
والى جانب الهدف العسكري الهادف لأطباق الحصار على الرقة، قال الخبير العسكري والباحث الاستراتيجي وهبة قاطيشا لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك هدفين للعملية، يتمثلان في «منع تقدم النظام باتجاه شرق الفرات، وتمكين القوات الحليفة لواشنطن من التقدم شرقاً من نقطة الارتكاز في المثلث الذي يصل دير الزور بالحسكة وريف حلب الشرقي»، لافتاً إلى أن التواجد الأميركي في الطبقة، وهي آخر النقاط التي تصل ريف حلب الشرقي بريف الرقة والمنطقة الكردية «سيمنع أي قوات من التقدم شرقاً، سواء أكانت قوات نظامية أم غيرها، وسيضع حدوداً لها بعدم التقدم إلى مناطق حلفاء واشنطن».
وإذ أشار قاطيشا إلى أن التواجد الأميركي سيثبت أن الرقة ستكون تحت سيطرة الأكراد ويقطع تواصل النظام مع الرقة، قال إنه «سيكون بداية استكمال السيطرة على منطقة شرق الفرات، إما لتمكين الأكراد فيها وإتباعها بالمنطقة الكردية، وإما لتنظيفها كمرحلة أولى من (داعش)».



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.